لانا جبر/موقع الحل- تمكين المرأة السورية وغيرها من القضايا المتعلقة بتمييزها على أساس النوع الاجتماعي (الجندر) لطالما كان قضية إشكالية في المجتمع السوري، فعلى الرغم من وجود القوانين والتشريعات التي أعطت المرأة حقوقها الكاملة في العمل والمواطنة، إلا أن العادات والتقاليد المجتمعية، بالإضافة إلى بعض التشريعات الأخرى حالت دون ذلك بالشكل الأمثل، وهو ما كان محط دراسة للكثير من الباحثين السوريين والمعنيين بشؤون المرأة الذين عملوا على تسليط الضوء على مواطن الضعف في القوانين السورية، ودعوا إلى المزيد من التوعية في المجتمع لتطوير دور المرأة.
وفي هذا الإطار فقد رأى المستشار الوطني السابق لمنظمة العمل الدولية في سورية، الباحث رشيد رشيد، في تصريح خاص لموقع الحل السوري، أنه من خلال دراسة أعداها سابقاً وسلط خلالها الضوء على الجانب التشريعي السوري الناظم لحياة المرأة السورية بالإضافة إلى المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة السورية، فهناك العديد من التوصيات التي لابد منها لتحسين الواقع التشريعي للمرأة في سوريا، مشيراً إلى أن إشكالية تمكينها تبدأ من الدستور الذي أكد على إعطاء المرأة حقوق المواطنة الكاملة، ومع ذلك لم تتمكن المرأة من أخذ موقعها الكامل في المجتمع رغم كفالة الدستور لذلك.
وعزا رشيد السبب إلى بنية المجتمع السوري المتمسك بالعادات والتقاليد، وبسبب بعض “الهفوات” التشريعية التي تتحكم بالعلاقة بين الرجل والمرأة بدءاً من قوانين العمل السورية ومروراً بقانون الجنسية وانتهاءً بقانون الأحوال الشخصية.
وبين الباحث من خلال دراسته التي صنّف وحلل خلالها القوانين المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في مجال العمل، أنه وبالرغم من حماية الدستور وقوانين العمل السورية لحق المرأة في العمل وممارسة كافة الفعاليات الاقتصادية، وما اتخذ سابقاً من إجراءات لتعزيز دورها والعمل على تمكينها وإزالة كافة أشكال التمييز بينها وبين الرجل، إلا أنها تعرضت “للتمييز المباشر وغير المباشر” من حيث التعيين واختيار نوع العمل.
وأردف رشيد أن المرأة السورية وصلت إلى مواقع العمل وخاضت جميع الميادين التي يخوضها الرجل إلا أنها لم تستطع الوصول إلى المستوى المطلوب من التمكين الاجتماعي و الاقتصادي، كما لم تتمكن من الوصول إلى مراكز صنع القرار الاستراتيجي بالنسب المقبولة لتمثيلها اجتماعياً بل اقتصر وجودها على نسب بسيطة لا تكفي للقول بأنها “متمكنة”.
ولم يخفي الخبير، أن وضع المرأة اليوم أسوأ “بكثير” في ظل الأحداث الجارية على الأرض السورية كما لم ينكر أن هناك موضوعات في الوقت الحالي ومشاكل أكثر إلحاحاً تحتاج للدراسة وطرح الحلول المناسبة لها، إلا أنه وجد أنّ هكذا دراسات ضرورية أيضاً إن أراد السوريون البدء بمرحلة انتقالية صحية تمهيداً للوصول إلى دولة القانون.
وبين رشيد أنه غالباً ما يغيب عن الأذهان أن التشريع يعكس تطور المجتمع لكنه نادراً ما يقود بمفرده إلى ذلك التطور، فما من مجتمع إلا ويواجه صعوبات وتحديات في مجال تحقيق التطلعات والغايات المنشودة في المواثيق الدولية، وبشكل خاص فيما يتعلق بقضايا المرأة، مشيراً إلى أهمية التغيير الاجتماعي والثقافي وتعديل القيم والمفاهيم والمواقف الاجتماعية وهو مايتطلب زمناً طويلاً حيث تلعب الموروثات الاجتماعية أدواراً في مواجهة التغيير ومواجهة التطوير والتحديث.
أما بالنسبة لوضع المرأة السورية اليوم، فوجد الباحث أنها تعيش حالياً “في أسوأ وضع” قد تجد نفسها فيه من أي وقت آخر، على اعتبار أنها من يتحمل العبء العائلي حيث تعددت أدوارها في ضوء غياب الرجل “القسري”، مبيناً أنه من هنا قد تكمن أهمية دراسة تمكين المرأة من الدخول إلى سوق العمل كي ﻻ تضطر إلى التماس الطرق اﻷخرى لتحصيل لقمة العيش والنهوض باﻷعباء الملقاة على كاهلها، وبالتالي يصبح تمكين المرأة “ضرورة” يفرضها الواقع “الدامي والمؤلم” أكثر من كونه إنجازاً للترقي نحو مجتمع متحضر، على حد وصف المصدر.
وبالعودة إلى واقع المرأة التشريعي، فدراسته التحليلية سلطت الضوء على عدة نقاط متعلقة بالنوع الاجتماعي في مجال العمل، وذلك بعد مقارنة لكل من الدستور السوري لعام 2012، والقانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 وتعديلاته، وهو المطبق على العاملين في القطاع العام، وقانون العمل رقم 17 لعام 2010 وتعديلاته، المطبق على العمال في القطاع الخاص والتعاوني والمشترك، بالإضافة إلى قانون تنظيم العلاقات الزراعية رقم 56 لعام 2004 وتعديلاته، المطبق على العمال الزراعيين، وقانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 وتعديلاته.
وخرجت الدراسة، بالعديد من التوصيات القانونية المتعلقة بتعديلات بعض البنود التي تضمن تميزاً بحق المرأة، ومنها أن ينص كل من القانون الأساسي للعاملين للدولة وقانون تنظيم العلاقات الزراعية على مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الأجر دون تمييز على أساس الجنس، كما فعل المشرع في قانون العمل رقم 17 لعام 2010 في المواد 2 و75، وذلك انسجاماً مع أحكام اتفاقية العمل الدولية رقم 111 الخاصة بعدم التمييز واتفاقية العمل الدولية رقم 100 المتعلقة بالمساواة في الأجور.
كما اقترح رشيد في في بحثه تعديل المادة 90 الفقرة (ب) من قانون التأمينات الاجتماعية والناظمة لموضوع إرث الراتب التقاعدي، حيث نصت هذه الفقرة أنه يحق للأرملة أن ترث راتب زوجها مدى حياتها أو لحين زواجها أو التحاقها بعمل أو مهنة، في حين أن الرجل يستمر في استلام راتب زوجته التقاعدي بعد وفاتها حتى ولو تزوج مرة أخرى، وبالتالي فإن هناك تمييزياً قائماً على أساس الجنس في هذا التشريع وفق ما رأى الباحث، حيث تفقد المرأة حقها في معاش وزجها التقاعدي إذا تزوجت.
كما اقترحت الدراسة إلغاء الفقرة ( أ) من المادة 60 من قانون التأمينات الاجتماعية على اعتبار أنها تنص على منح المرأة المؤمن عليها تعويضاً مالياً من عملها في حال استقالتها بسبب الزواج أو الإنجاب، أقل من التعويض الذي يصرف للرجل في حال الاستقالة.
كما أكد الباحث من خلال الدراسة على أهمية توحيد تشريعات العمل السورية بشأن حماية الأمومة وبما يتفق مع أحكام الاتفاقية رقم 183 وخاصة فيما يتعلق بعدم تحديد عدد الولادات وبمدة إجازة الأمومة وبمدة الإجازة التي تستحقها الأم العاملة لإرضاع طفلها، وكذلك فيما يتعلق بمدة الإجازة الإضافية التي تستحقها الأم العاملة.
وفيما يتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية تطرق رشيد في دراسته أيضاً إلى تلك التي صادقت عليها الحكومة السورية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية بالإضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2006 ، والبروتوكول الخاص بها والتي تلزم الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير الملائمة لكفالة التطور الكامل والتقدم والتمكين للمرأة (المعاقة)، مشيراً في هذا الإطار إلى أهمية مصادقة الدولة السورية على اتفاقية دولية أخرى وكالاتفاقية الدولية المتعلقة حماية الأمومة والاتفاقية الدولية بشأن العمال وذوي المسؤوليات العائلية، والأخذ بأحكامها في التشريعات السورية.
وختم الباحث دراسته بالتأكيد على أن المرأة السورية العاملة ما زالت تعاني من تعدد الأدوار وضخامة الأعباء رغم توفير الخدمات المساعدة، إلا أن الموقف الاجتماعي يحول دون مساندة الرجل لها في أعبائها الأسرية بالشكل الفاعل، مشيراً إلى ضرورة العمل في مجال التوعية بأهمية دور الرجل كشريك للمرأة، ورفع وعي المرأة وثقتها بنفسها وقدراتها، والعمل على تعديل الممارسات التقليدية والأعراف التي تكرس صورة نمطية للمرأة من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام.
الدراسة كاملةً: