قد تتحوّل التجارب القاسية إلى بدايات لتغيّرات إيجابيّة لم يكن ليشهدها الفرد لولا ألم التجربة والمعاناة. وبعد مرور نحو 5 سنوات على اندلاع المواجهات المسلّحة في سوريا، نستطيع أن نتلمّس بعض الملامح الجديدة للشخصيّة السوريّة، نرصد جانباً منها، من خلال إحدى تجارب المرأة السوريّة في مصر، وهي “رابطة سوريّات”.الاسكندرية/المونيتور- مصر، إحدى الدول العربيّة التي يتركّز فيها نحو 122,228 سوريّاً مسجّلاً، بحسب تقرير للمفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين صدر في 30 نيسان /أبريل. وأشار تقرير آخر للمفوضية تم تحديثه لآخر مرة في 18 أيار/ مايو، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في مصر ولبنان والأردن ما مجموعه 5،055،732 لاجئ سوري، 48،5٪ منهم من الإناث.
في 23 أيّار/مايو الجاري، تمّ افتتاح أحدث فروع “رابطة سوريّات” في مصر، وهو فرع الإسكندريّة الذي يعدّ أوّل فروع الرابطة خارج العاصمة المصريّة. وتم تأسيس الرابطة، وهي منظمة غير حكومية تستهدف تطوير مهارات المرأة السوريّة وتأهيلها للعمل من خلال الورش التدريبيّة، في ٢٨ ابريل ٢٠١٣ تحت مظلّة الجالية السوريّة في مصر والمنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان.
وقد تحدّثت المنسّقة العامّة للرابطة مفيدة الخطيب خلال الافتتاح، وقالت إنّ “تأسيس الرابطة جاء على خلفيّة تصوير بعض قنوات الإعلام المصريّ للمرأة السوريّة في شكل متدنٍّ كشخص متسوّل، والتحدّث عن بحث الرجال المصريين عن الزواج من اللاجئات السوريّات لسترهن نظير مهر بمبلغ 500 جنيه، فجاءت فكرة إقامة مشروع لتمكين المرأة السوريّة”.
وذكرت الخطيب خلال كلمتها أنّه “تاريخيّاً كان هناك ما يسمّى بـ”رابطة سوريّات” في عام 1948 في سوريا، لكن تمّ حلّها في عام 2007، أمّا عن فروع الرابطة الحاليّة، فتوجد 5 مراكز في مصر، إلى جانب مقرّ في ألمانيا، ومركزين في تركيا”.
وعن استهداف الرابطة تطوير إمكانات المرأة في شكل خاصّ، قالت الخطيب أنّه “مبنيّ على رؤية للمرأة أنّها عماد المجتمع الذي يتطوّر ويتقدّم بتطوير إمكاناتها، كما أنّ المرأة السورية في مصر الآن أصبحت المعيل الرئيسيّ داخل أسر بعد فقدان ربّ الأسرة خلال الحرب الدائرة في سوريا فكان لا بدّ من تأهيلها للعمل”.
وقالت مديرة فرع الرابطة في الإسكندريّة أماني درويش لـ”المونيتور” إنّ “المقرّ الجديد سيعمل ضمن أهداف الرابطة العامّة في القاهرة، لكنّه سيعنى في شكل خاصّ بالفئات والأنشطة التي ربّما لا يعنى بها كثيرا في الأماكن الأخرى، مثل التركيز على المرأة المسنّة، كما سيوفّر التدريب للسيّدات اللواتي تلقّين دعماً مادّيّاً لإنشاء مشاريع صغيرة من جهّات أخرى مثل كاريتاس، تسويق هذه المشاريع ومنتجاتها”.
ولقد قدمت الرابطة بالقاهرة عدد من الدورات أغلبها على أعمال يدوية مثل الطبخ والخياطة، وأيضًا وفرت دورات في الطاقة الإيجابية والتأهيل النفسي، يقدمها مجموعة من المدربين والمدربات.
ذكرت “الخطيب” للمونيتور أن الرابطة تسعى لتوظيف العضوات، وتضيف أن هناك من المصريين من يرجع إلى الرابطة في طلب عاملات أو موظفات، فتقوم الرابطة بترشيحهن بعد التحري عن جهة العمل.
أماني درويش هي سوريّة من دمشق، درست في معهد تجاريّ متوسّط في سوريا، لكنّها لم تعمل في سوريا قطّ، حيث قالت لـ”المونيتور”: “لم أكن في حاجة إلى العمل،، فأيّ شيء كنت أحتاجه، كنت أقوم بالاتّصال بزوجي ليقوم به مباشرة”.
جاءت درويش إلى مصر للعيش في الإسكندرية في عام 2013 بعمر الأربعين، حيث كانت تضطرّ إلى القيام بالعديد من المهام بمفردها نتيجة سفر زوجها للعمل في السودان وتركيا، مثل استخراج الأوراق الرسميّة والتسجيل في المدارس لأبنائها، وتقول لـ”المونيتور”: “حينها اكتشفت أنّني أقدر على أن أقوم بأشياء بمفردي، حتّى أنّني الآن أسافر إلى القاهرة لتسجيل أوراق آخرين من أقاربي”.
وتقول درويش إنّها في بداية تواجدها في مصر، كانت تنبهر بالسيّدة المصريّة التي تنزل إلى العمل وتعتمد على نفسها، وكانت ترى أنّها حتّى لو تتعرّض إلى صعوبات فهذه هي ضريبة طبيعيّة للنجاح.
بعد وصولها إلى مصر، بدأت درويش في التطوّع ضمن هيئات تخدم السوريّين، ثمّ تطوّر نشاطها لتتسلّم العمل في شكل رسميّ كـ”مستجيبة طوارئ السجون” مع منظّمة “بستك” وهي شريك تنفيذي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والذي تصفه بأنّه كان نقلة نوعيّة خلال مسيرة عملها. وتضيف لـ”المونيتور”: “تعاملت مع لاجئين من جنسيّات مختلفة من عراقيّة إلى أريتريّة وسودانيّة، وكان عملي تقديم الدعم النفسيّ إلى المحتجزين على خلفيّة رحلات الهجرة غير الشرعيّة، وهو عمل شاقّ يتطلّب النزول فجأة عندما يقع احتجاز إحدى الرحلات”.
عن أسباب مشاركتها في التطوّع، قالت لـ”المونيتور”: “كان عندي وقت فراغ كبير، كما أنّني أحبّ مساعدة الغير، ولمّا وصلت إلى مصر، كنت لا أملك معلومات كثيرة عن وضع اللاجئ وما إلى ذلك، تعلّمتها لاحقاً من خلال المنظّمات، فأصبح لديّ هدف أن أوصل هذه المعلومات إلى اللاجئين السوريين ممّن يأتون إلى مصر حديثاً ولا يعلمون كثيراً من الأمور”.
وقد تحدّثت المنسّقة العامّة للرابطة الخطيب لـ”المونيتور”، قائلة إنّها “تتمنّى أن تمتدّ مجالات تمكين المرأة في الرابطة لتشمل تمكينها سياسيّاً”. وأضافت: “قبل فترة الحرب، كنت أعمل كمعلّمة، وكنت عضواً في تيّار الغد السوريّ، وقد كنت وما زلت أرى أنّ المرأة لم تأخذ دورها في الساحة العربيّة السياسيّة، لذلك أعمل على تأهيل المرأة للعمل في المجال السياسيّ، وقد انتهيت من تلقّي دورات تدريبيّة من خلال منظّمة المرأة العربيّة، وسأعمل على نقل هذه الخبرة إلى الأخريات داخل الرابطة”.
رقية درويش (32 عاماً)، هي إحدى العاملات في الرابطة في الإسكندريّة، درست لمدّة سنتين الترجمة الإنجليزيّة في سوريا، لكنّها لم تكمل الدراسة نظراً إلى زواجها وانشغالها بتربية طفلها. تركت سوريا وانتقلت للعيش في الإسكندرية في آذار/ مارس 2013.
قالت لـ”المونيتور”: “من قبل، لم أكن أخرج من البيت في سوريا إلّا مع زوجي أو أخوي وفقاً للتقاليد في بلدي، وكانت تعاملاتي محدودة، لكن عندما جئت إلى مصر، كان عندي وقت كثير فكنت أتطوّع في الجمعيّات لتدريس الإنجليزيّة، والآن لديّ 3 أطفال لكنّني مستمرّة في العمل العامّ لأنّه جعلني أتعرّف على دوائر مختلفة، وأصبح لي العديد من الأصدقاء، كما كان له تأثير فعّال في تدريبي على تحمّل المسؤوليّات”.
لم تتخيّل أماني درويش يوماً بحسب قولها لـ”المونيتور”، أن تأخذ حياتها هذا المنحى، وتكمل: “قبل الحرب، لم أكن أفكّر أصلاً أنّ لي مستقبلاً، كنت أتخيّل فقط مستقبل أبنائي، أمّا الآن فأنا أتطلّع إلى أن يكبر عملي ويتطوّر، بل إنّ رؤيتي لمستقبل ابنتي اختلفت، فأنا الآن لا أفكّر أن تكون سيّدة صالون كما كنت في السابق، بل أتمنّى أن تنزل إلى سوق العمل وتلتحق بالعمل التطوّعي وأن تتقدّم في دراستها الجامعيّة، بل وتكمل في الدراسات العليا، فلا أحد يعلم ما تخبّئه لنا الأيّام”.
أمّا رقية درويش فتستطرد قائلة: “ستظلّ لأسرتي الأولويّة في اهتماماتي، وسيظلّ الرجل هو عامل أساسيّ في الأسرة، يقوم بمهامه ويتحمّل مسؤوليّة الأسرة”.
وعن زوجها، تقول: “زوجي يعمل كحلّاق، ولا يشترك في أنشطتي نفسها، لكنّه يساعدني كثيراً ويشجّعني على تحقيق طموحي، ولو كنت مشغولة، من الممكن أن يقوم بمهامي في المنزل، فهو سعيد لأنّني أحقّق أحلامي”.
وتبلور تجربة الرابطة بعض الصفات التي اكتسبتها المرأة السورية في مصر، والتي ستكسبها تجربة الاغتراب أيضًا صفات أخرى في بلدان أخرى، وهو ما يخبرنا أنه إذا ما انتهت الحرب، لن تصبح سوريا فقط بلدًا جديدًا بل سيصبح للمرأة السورية ملامح لا تشبه ما كانت قبل الحرب.