المرأة وسيلة ضغطٍ بيد القوى المتحاربة، و الأنظمة العربيّة المستبّدة لابتزاز المقاومين أو المعارضين.
ثريا القاسمي/مجلة “ميم”- رغم الاتفاقيات الدولية التي تنصّ على حمايةِ النساءِ زمنَ الحروبِ، ومن بينها اتفاقيةُ جنيف الرابعة الخاصّة بحمايةِ السكّان المدنيينَ في زمنِ الحرب (المادة 227)، والبروتوكول الأوّل الإضافي التابع للاتفاقية في مادتيه (75) و(76)، الذي ينصّ على وُجوبِ حمايةِ النساء بشكلٍ خاصٍ من الاعتداءِ والاغتصابِ، والبغاء القسري، أو أيّ شكلٍ آخرٍ من التحرّش الجنسي، إلاّ أنّ هذه الاتفاقيات بقيت مجرّد حبرٍ على ورقٍ في النزاعات المسلّحة، ما أبقى على معاناة ملايين النساء والفتيات في الحرب والنزاعات.
وتُعتبر المرأةُ أيضاً، وسيلةَ ضغطٍ تستعملُها القوى المتحاربةِ، أو الأنظمةُ العربيّة المستبّدة لابتزاز المقاومين أو المعارضين لتسليم أنفسهم.
العراقيات من جحيم أمريكا إلى سعير “داعش”
“إذا كُنتَ رجلاً وتُريد النساء.. فسلّم نفسك “، عبارةٌ تتركها القوّات الأمريكية التي احتلّت العراق منذ سنة 2003، على أبوابِ منازلِ المقاومين بعد اعتقال من فيه من النساء، لإجبارهم على تسليم أنفسهم.
في ذلك الوقت، استباحت القوّات الأمريكية التي تتشدّق بدفاعها عن حقوق الإنسان، الأراضي العراقية، ودمّرت البنى التحتية، وشرّعت ما هو منافٍ للاتفاقيات الدوليةِ باختطاف النساءِ واغتصاب الفتيات، وكلّ ذلك باسم محاربة الإرهاب، واستعمَلت كل الأساليب من بينها اعتقال الأمهات والزوجات والبنات، من أجل إجبار العراقيين تسليم أنفسهم مقابل إطلاق سراح ذويهم.
بعد انسحاب القوّات الأمريكية من العراق بثلاث سنوات، أصدرت المنظمة الأمريكية للدفاع عن حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش”، تقريراً سنة 2014 بعنوان؛ ” لا أحد يعيش في أمان”، واستندت فيه إلى شهادات 27 امرأة و7 فتيات محتجزات في السجون العراقية من قبل القوات الأمريكية، حول الانتهاكات التي تُخالف المعاهدات الدولية لمكافحة التعذيب.
ومن بين الإحصائيات التي ذكرتها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أنّ 1100 امرأة توجد بين 40 ألف سجين في العراق، وأنّ ألاف السجينات محتجزات في أماكن غير مذكورة في البيانات الرسمية.
كابوس “داعش”
إلى ذلك، أكّدت دراسة أجرتها جامعة “ميريلاند” الأميركية، أنّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منذ ظهوره سنة 2002، مسؤولٌ عن مقتلِ أكثر من 33 ألف إنسان، وإصابةِ ما يزيدُ عن 40 ألفَ شخصٍ وأسر ِنحو 11 ألف آخرين، بينهم الكثير من النساء الإيزيديات اللاتي تعرّضن للاعتداءِ الجنسي والسبي.
وتعدّدت الدراساتُ والبحوثُ الصادرةِ عن جملةٍ من المنظمات الدولية، ومراكز البحوث العربية، التي تحدّثت عن هول ما تعرّضت له النساء، والقاصرات من تعذيبٍ، وعنفٍ جسدي وجنسي، وصل إلى حدّ السبي والبيع في الأسواق للعموم.
ومنذ أن دخل تنظيم “داعش” إلى العراق سنة 2014، أوقع بلائه على المدنيين وخاصة النساء في محافظة نينوى شمال العراق، ونفّذ جرائمَهُ هناك من قتل المسيحيين السريان والإيزيديين الأكراد،
واختطف نحو ألفيْ امرأة، تمكّن بضع مئات منهن من الفرار بعد عام، في حين تعرّضت الأسيرات إلى أشدّ أنواع التعذيب، والاغتصاب والمتاجرة بهن، وتم إرسالهن إلى سوريا ومناطق في العراق لتقاسمهن كسبايا حرب.
داعش تعترف بسبي النساء
على مدى سنواتٍ ومنذ ظهُور التنظيم، تتواصلُ معاناةَ النساءِ والفتياتِ القاصراتِ في العراق وسوريا حيث أصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 30 أوت/ أغسطس 2014 تقريراً أكّد فيه، أنّ التنظيم قام بتوزيع 300 من الإيزيديات على مقاتليه، في سوريا وتحديداً في مناطق ريف حلب الشمالي الشرقي، وريف الرّقة، وريف الحسكة، مناطق النفوذ الأكبر للدولة الإسلامية.
وأضاف التقرير، أنّ التنظيم أعتبرهن سبايا الحرب مع الكفار، وبِعْنَ بحوالي 100 دولار، في حين تمّ توزيع عدد منهن مجاناً على الشخصيّات المهمة في التنظيم.
ولم يمضي الكثيرٌ، حتى أصدر التنظيم، بياناً أوردته مجلة “دابق”، اعترف فيه بتقديم فتياتٍ للمقاتلين كسبايا حرب، وأنّ ذلك يُعدّ” أمراً مشروعاً لكونهن من “المشركين” أو “الكفار”، وذلك بعد أن تمّ إباحته من قبل شيوخ “داعش”.
النظام السوري يفتك بالسوريات
اشتهرت حكايةُ الفتاةِ التي اعتقلها جيش النظام السوري في أحد السجون، اغتصبها السجّان وأنجبت طفلاً من جلاّدها بقي يعيش معها داخل الزنزانة ولم يغادرها منذ ولادته، القصّةُ رواها المعارضُ السوري المعتقل سابقاً، “ميشيل كيلو”، إثرَ مقابلةٍ تلفزيونيةٍ، بيّن فيها واقعةَ الصبيّة السورية التي اعتقلها جيش النظام، للضغط على والدها الفار إلى الأردن بتهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين.
فلسطينيات في سجون الاحتلال
دائماً ما تكونُ المرأةُ، ورقةً يستغلّها جيش الاحتلال لتحقيق مآربه الخبيثة للضغط على الفلسطينيين لتسليم أنفسهم ومعرفة مواقعهم، فكانوا يعتقلون النساء ويُوجّهون لهن الإهانة ويمارسون عليهن الإرهاب النفسي، لانتزاع معلوماتٍ حول أماكن ذويهم من المقاومين.
وتتبع سلطات الاحتلال، أسلوباً دنيئاً بشنّ حملاتٍ واسعةٍ ويومية من الإيقافات تطالُ النساء والأطفال، واعتقال الفلسطينيات يكون إمّا لمشاركتهن المباشرة في العمل النضالي، وهو أمرُ معهودٌ، أو أن يكن زوجات مطلوبينَ لقوّات الاحتلال، قصد الضغط على أزواجهن لتسليم أنفسهم، وتعتبر هذه الجرائم مخالفة لجميع اتفاقيات حقوق الإنسان.
كثيرةٌ هي مشاهد جرائم الاحتلال في حق المرأة الفلسطينية، والأطفال، وطرق اعتقالهن من المنازل، حيث لا تختلف أساليب اعتقالهن عن الرجال، وما يصاحب ذلك من إرهاب نفسي يستعمله الجنود المدججين بالسلاح والكلاب، أثناء اقتحام المنازل بكل وحشية، وتدمير جميع محتوياته، وجرّهن إلى العربات العسكرية لاقتيادهن إلى التحقيق.
جميعُها جرائمَ مُنافيةٌ للقوانين الدولية، تصل إلى حدّ الحكمِ بالسجن على أغلبهن في قضايا كيدية يغيبُ فيها ركنُ إثباتِ التهم.
“كتيبة فتيات الشمس”
“فتيات الشمس”، كتيبةٌ تمّ تكوينُها من النساء الإزيديات في شمال العراق، لمحاربةِ عناصرَ “تنظيم الدولة” والانتقام منها بعد أن مارسوا عليهن شتى أنواع التعذيب والتهجير والتخويف.
ونقل موقع “عربي21” عن صحيفة بلجيكية، أنّ هذه الكتيبة النسائية التي أُطلق عليها اسم “فتيات الشمس”، تمّ تشكيلها بموافقة رئيس منطقة كردستان العراق، مسعود برزاني، الذي منح ترخيصاَ خاصاً لمؤسِّستها، المغنية الكردية شاتي شنجالي (30 سنة)، وتضم الكتيبة اليوم، أكثر من 123 مقاتلة تتراوح أعمارهن بين 17 و30 سنة.
واختارت المغنية “شنجالي” هذه التسمية نظراً لأنّ الازيديين يعتقدون أنّ الشمس تحميهم من الخطر، وهي مقدسة لديهم. وتقول “شنجالي” متوعدةً مقاتلي “داعش”، بأنّهم “لن يذهبوا أبداً إلى الجنة، سنقتلهم ولن يدخلوا الجنة”.
وفي سياقٍ ذي صلة، تمّ تكوينُ كتائبَ نسائيةٍ أخرى في سوريا، جمعت عناصر خضعن لتدريبات على حمل السلاح والقتال بهدف الدفاع عن أنفسهن.
غير بعيدٍ عن المشاهد المتكرّرة يوميا في فلسطين، والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيات، من تخويفوتعنيف، واستعمالها كوسيلة ضغط لابتزاز المقاومين، تستعمل الأنظمة العربية ذات الأساليب المنافية للقانون، لافتكاك الاعترافات من المعارضين لها.
وتمّ التطرّق لهذه القضية، بعد الثورات العربية التي عرّت وكشفت تجاوزات الأنظمة المستبدة، ففي تونس مثلاً ، أقرّت العديد من النساء تعرّضهن إلى شتى أنواع التعذيب، والاغتصاب أمام أعين ذويهم بهدف الضغط عليهم أثناء التحقيق، أو لإجبار الموقوفين على توقيع محاضر، تتضمّن تهماً كيديةً للزجّ بهم وراء القضبان.