حكيم مرزوقي/alarab- تشارك المرأة العربية بشكل كبير في الأعمال الدرامية خاصة أمام الكاميرا، حتى إن وجودها أحيانا يطغى على وجود الرجال، ولكن رغم ذلك نتساءل عن مدى تأثير المرأة في الإنتاج الدرامي وتأثيرها في مساره واختياراته من أمام الكاميرا وخلفها؟
المرحلة التي كان يطرح فيها سؤال “أين حضور المرأة في الدراما العربية؟” انتهت مرة واحدة وإلى الأبد، فلا تكاد تقلب مسرعا بالريموت كونترول على الشاشات العربية فيما يعرف بـ”الزابينغ” إلا ويظهر أمامك شريط مطول من النساء على مختلف اللهجات والقامات والتسريحات، ولكن أين هن من التيتراج الفني الخاص بغير الفريق التمثيلي؟
إذا كان المثول أمام الكاميرا هو ما يبحث عنه مناصرو حق المرأة في المشاركة والظهور، فاطمئنوا، ولولا خشية أن يتهم الواحد بالمبالغة والتحيز الذكوري، لقلنا إنها تكتسح الشاشات العربية اكتساحا غير مسبوق، وتأتي إليها أدوارها النسائية إلى حضنها دون أي جهد، بل إن الممثلين الذكور يجهدون أنفسهم في البحث عن أدوار رجالية، ولا يكادون يلقونها إلا بشق الأنفس.
حضور المرأة
لكأن الأمور قد انقلبت رأسا على عقب في فنون التمثيل، حين نتذكر بعض المسرحيات التي كان يقوم فيها الرجل بدور المرأة لقلة وجود العنصر النسائي في بعض المجتمعات حتى المنفتحة منها، خصوصا في الكاركترات الكوميدية مثل شخصية “أم كامل” التي اختص فيها أنور البابا، في سوريا، و”كموشة” التي كان يؤديها عبدالسلام البش، في تونس.
المهم أن أزمة الأدوار النسائية لم تعد قائمة، وإنما زادت على الطلب حتى في أكثر المجتمعات محافظة في العالم العربي، وإنما المشكلة تكمن في طبيعة الأدوار أولا ثم التساؤل عن النقص الواضح في صناع هذه الدراما من جنس النساء كالكاتبات والمخرجات ومديرات التصوير.
بصمات الرجال وأمزجتهم مازالت نافرة في ما ينتجونه من مسلسلات تعلو فيها المزاجية الذكورية في طبيعة الشخصية، تطورها، صراعها. وحتى أسلوب حديثها وردات فعلها في الحوارات.
ثمة مفردات ومصطلحات لا يمكن أن تتفوه بها المرأة أو تصدر عن أنثى في أتون الأحداث الدائرة، والمرأة أول ما يكتشف ذلك كمشاهدة أو كممثلة يمكن لها أن تصحح بعض الجمل الواردة في السيناريو الورقي أو تناقش فيه الكاتب والمخرج.
هذا عن الممثلة المجتهدة من اللاتي يعطين قيمة إضافية للدور، أما الأخريات فيعملن بقاعدة “كوني جذابة ومثيرة واصمتي”. وهي الغالبية الماثلة في شاشات مصر وسوريا وبلاد الخليج.
ليس الأمر، وبالمقابل، انتصارا للدراما التونسية مثلا، فهي قد وقعت في هذه المطبات عند أعمالها الأخيرة واستجابت لمتطلبات السوق، لكن بصفة أقل، وذلك للخلفية المسرحية التي جاءت منها ممثلات كثيرات.
والمعلوم أن أدوات المسرح تعتمد على الليونة الجسدية والتمكن من الصوت وغيره من أساليب الإقناع، لذلك ظلت الدراما التونسية ملتصقة بنكهة المسرح تمثيلا وكتابة وإخراجا.
المواضيع المطروقة في الدراما التونسية، بدورها، يشتم فيها المتلقي رائحة المسرح من حيث العمق التراجيدي، وذلك الوهج الذي يطلق عليه سادة وسيدات الفن الرابع تسمية “ألق” أو “سحر”.
وحين نمضي في المقارنة أكثر بين حضور نسائي مشرقي في الدراما التلفزيونية، مقابل حضور مغاربي ـ تونسي على وجه التحديد ـ نجد أن المرأة “ماثلة” وليست “ممثلة” بالمفهوم المسرحي، خصوصا في بعض المسلسلات المصرية التي لها الريادة والحق يقال، لكن للسوق منطقا آخر.
مدى تفوق المرأة
طبعا، هذا انطباع وليس تعميما، إذ ترى الكاتبة والناقدة السينمائية جوزفين حبشي، أن الدراما التلفزيونية التي نراها اليوم “ما هي إلا مرآة المجتمع”، فالمرأة القوية موجودة مثلها مثل المرأة الضعيفة أو المظلومة.
وتستشهد الناقدة بالممثلة اللبنانية ورد الخال، في مسلسل “للموت 3″، قائلة إنها شخصية مركبة ومستفزة، فهي لا تحتاج إلى أن تصرخ كي توصل فكرة غضبها. يكفي أن تنظر بعينيها لترى فيهما الشر، يكفي أن تعزف على البيانو لتعكس شخصيتها المريضة المتأثرة بتربيتها وعلاقتها السيئة مع أهلها الذين علموها ألا تثق في أحد، فشخصية “كرمى” تشبه البحر الهادئ الذي يخشى منه.
أما الممثلة اللبنانية الثانية، والمتألقة في المسرح برناديت حديب، في مسلسل “وأخيرا”، فتبدو في نظر النقاد قد ظلمت في الشخصية التي أعطيت لها، إذ لم تمنح المساحة اللازمة لمعرفة ماضيها وكيف تطورت لتصل إلى ما وصلت إليه. وهو نتيجة لخلل حاصل في الكتابة رغم اعتماده على نص أجنبي معروف.
ما يفهم من السياق هو أن لا مشكلة في توفر ممثلات عربيات قادرات على تحمل أدوار كثيرة وإقناع المتفرج وفق مواصفات فيزيولوجية متعددة، وإنما الخلل في إدارة الممثل من قبل المخرج، وكذلك في النصوص المقترحة وما تتضمنه من وهن وضعف في البناء، حتى وإن كانت مقتبسة من أعمال أجنبية، لا بل هنا يكمن الخلل حين يتم الاغتراب عن البيئة ويصبح المتفرج وكأنه أمام عمل مدبلج.
لا يمكن لنا أن نعرف مدى تطور المرأة العربية وتفوقها في الدراما التلفزيونية إلا إذا وقفنا عند مدى تألقها في هذه الصناعة في مجالي الكتابة والإخراج وكذلك الإنتاج، أي الإمساك بركائز المهنة والإحاطة بها من زاوية غير الوقوف أمام الكاميرا وحده.
كما أن الغاية من البحث عن حضور المرأة، ليست في الكاركتر القوي الذي يبرز من خلال الحكاية، وإنما في الصناعة الفنية التي تقدمها المرأة حتى وإن كانت من خلال نماذج منهزمة وضعيفة.
لذلك حظيت كاتبات ومخرجات عربيات بالإعجاب، منهن مريم الطير في “قفص مخملي”، وهبة مشاري حمادة في “دفعة لندن” وسنية بن بلقاسم في “سندريلا” مع مواطنتها التونسية سوسن الجمني في “الفلوجة”، وأثارت هؤلاء جدلا واسعا في الأوساط النقدية والاجتماعية، وهذا الجدل هو الأمر الوحيد الذي من شأنه أن يطور الدراما النسائية، وليس ذاك الترحاب الذي لا طعم له ولا رائحة.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.