المرأة والعمل السياسي في بلاد الربيع العربي
من تظاهرات النساء في الربيع العربي/ رويترز

الجزيرة/ ميدان-لم يكن أحدٌ يتخيَّل إطلاقًا أنَّ لطمةً من امرأةٍ على وجه رجلٍ في ولايةٍ نائيةٍ في تونس ستكون الشرارة التي أشعلت أحداثًا كُبرى لم ينطفئ أوارها إلى اليوم. فادية حمدي الشرطية التي كانت لطمتُها على وجه محمد بوعزيزي شارة انطلاقٍ للربيع العربي الذي لم يُتَصوَّر يوما أنَّه سيندلع وأنَّ ثوراتٍ مضادَّةً وأحداثًا عِظَامًا على مستوى هذا الكوكب ستتفجَّر وسيُسَجِّلُ مؤرِّخُوهُ أَنَّ امرأةً كانت المبتدأ، ولكن هل المرأة العربية كانت في هذه الأحداث الجسيمة الخبر؟

المرأةُ ومشاركتها في ثورات الربيع العربي
ما دام أنَّ ثورات الربيع العربي جاءت ردَّ فعلٍ طبيعيٍّ ضمن حركة التَّاريخ الإنساني على التهميش والقمع والظُّلم فمن الطَّبيعي جدًّا أن تكونَ المرأة العربية من السَّبَّاقين إلى الانخراط في هذه الثورات بل ريادتها أحيانًا؛ لما تُعانيه من تهميشٍ مركَّبٍ وظُلمٍ مضاعفٍ بيد السُّلطة الاستبدادية والنِّظَّام الاجتماعي الذي يُعلي شأن الذكوريَّة حتى عند المُطالبة بالحقِّ والحريَّةِ والعدالة والكرامة والإنسانية، لا سيما أنَّها لم تجنِ الثِّمَار الَّتي كانت مرجوَّة عقب مشاركتها في الحركات الوطنية التي أثمرت الاستقلالَ من المحتل الأجنبيِّ في القرن الماضي. وهو ما أشار إليه تقرير التَّنمية الإنسانيَّة العربيَّة الصَّادر منَ الأمم المتحدة عام 2005:

“عضدت مشاركة النساء في الحركات الوطنية من وضع المرأة، وأضفت شرعية على مطالبها في نظر المجتمع، وعلى الرغم من ذلك الإقرار ببعض المكاسب التي تحقَّقت للمرأة فإنَّ موافقة المرأة على تأجيل البتِّ في مطالبهنِّ السياسيَّة والاجتماعية بعد الحصول على الاستقلال قد خلّف آثارًا مؤسفة.”

وما إن انطلقت ثورات الربيع العربي حتى رأينا النساء يتصدرنَ مشاهدَ الاحتجاجات الشعبيَّة السلميَّة في المظاهرات والاعتصامات في الميادين، وقد لفت مشهد المرأة نظرَ كثيرٍ من المتابعين على المستوى الدَّولي؛ وفي ذلك تقول روز ماري ويفيس النَّاطقة باسم الحكومة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “كم أذهلني هذا الربيع العربي وكم أذهلنني نساء الربيع العربي..”
وتتابع: ” أما بالنسبة لي وللعديد من نساء العالم فالأمر الذي أثار إعجابنا هو المشاركة النِّسائية في هذه الثَّورات، ورؤية مئات الآلاف من الوجوه النسائيَّة خلال فترة الربيع العربي، فشعرنا بفخر وطمأنينة بأنَّ هذه الثورات لم ترتدِ بنطالًا وقميصًا رِجَالِيًا ولم يكن لها طابع ذكوري فقط، بل لعبت به المرأة دورًا مماثلًا للرجل سواء في التَّظاهر بالميادين والشوارع، أو ممارسة النَّشاط السِّياسي على الانترنت من خلال كتابة المدونات والتغريدات والمقالات الصحفية وإبقاء العالم على اتِّصال مع الواقع على الأرض، وتؤكِّد الوزيرة أنَّ نزول المرأة إلى الشَّارع لم يكن تحديًّا واعتراضًا على جور الحكم الذكوري فحسب بل على الدكتاتورية الأنثوية كذلك؛ ما رأينا في مثال زوجة الرئيس التونسي المخلوع ليلى الطرابلسي التي مارست هي وأفراد عائلتها مختلف أنواع الفساد الإداري والمالي”.

ففي تونس لعبت المرأة دورًا أساسيًّا في إنجاح ثورة الياسمين وإسقاط نظام بن علي، أسماء حمدي شابة في منتصف العشرينيات لم تفوّت أيَّ يومٍ من أيَّام الثورة إلَّا وخرجت تُدافع عن حقِّها في الحياة على حدِّ تعبيرها، وتتحدَّثُ في تصريحاتٍ لميدان عن رؤيتها للثورة من منظورٍ نسائيٍّ: “لم يكن ثمَّة فرق مطلقًا بين الرجل والمرأة فقد صنع ثورة الياسمين رجال تونس ونساؤها، لقد كنَّا في الميادين نواجهُ الرَّصاص مع الرجال بل ونحن على أكتافهم نهتف من أجل الحرية ، كنا مع الشباب في الصفوف الأولى نحتمي بهم ويحتمون بنا، كان يجمعنا هدف واحد هو إسقاط الظلم”.

وكانت المرأة أيضًا جزءًا أساسيًّا في ميدان التَّحرير في مصر لم تفارقه ناقلةً صوتها إلى العالم كلِّه، وقد اتَّحدت التَّوجُّهات الفكرية كلُّها واجتمعت على إرادة إسقاط النظام، ولا ينسى أحدٌ صوتَ نوارة نجم الذي بقي يتردَّدُ صداهُ عبرَ أثير الجزيرة باكية من فرحة قلَّ نظيرها يوم رحيل مبارك: “ما فيش ظلم تاني ما فيش خوف تاني.”

وفي سوريا كان الأمر مماثلًا؛ إذ إنَّ طل الملوحي هذه الشابة التي كان اعتقالها ورمزيتها أحد محرِّكات ثورة الكرامة، وقد شاركت المرأة وما تزال بفاعليةٍ في أحداثها كلِّها؛ فلا ينسى أحدٌ مشاركة سهير الأتاسي في مظاهرة سوق الحميدية في 15/3/2011م، وصوت منتهى الأطرش التي كانت تصدح بإعلانها مساندة الثورة وما لها من رمزية ثورية كونها حفيدة سلطان باشا الأطرش، وكذلك فدوى سليمان الفنانة التي كانت تقف يدًا بيد إلى جانب عبد الباسط الساروت حين كانا يغنيان في ميادين حمص التي غدت عاصمة الثورة.

أما توكل كرمان الناشطة والصحفية والكاتبة فإحدى أهم رموز الثورة ليمنية، وقد وضعت مجلة التايم الأمريكية صورتها على الغلاف واصفةً إيَّاها بـ ” أكثر نساء التاريخ ثورية” كما اختيرت كإحدى سبع نساء أحدثن تغيًّرًا في العالم من قبل منظمة “مراسلون بلا حدود”. وهي أوَّل امرأةٍ عربيَّةٍ تفوزُ بجائزة نوبل للسلام عام 2011م، وقد عُرفت توكّل بقيادة الاعتصامات والاحتجاجات في الثورةِ اليمنية، وقد أقدمت السُّلطات على اعتقالها في يناير 2011 بتهمة إقامة تجمُّعاتٍ ومسيراتٍ غير مرخصة، لكن سرعان ما أفرج عنها بعد يومٍ واحدٍ من اعتقالها لما تسبَّب به من ازدياد موجة الاحتجاجات في العاصمة صنعاء. على أنَّنا إذ قاربنا الإنصاف فإنَّنا سنرى أن أعظم النساء المشاركات في ثورات الربيع العربي هُنَّ من النِّساء اللواتي أرسلن أولادهن إلى ساحات الحرية محرِّضاتٍ علَى عدم الرجوع إلَّا أحرارًا أو شهداء.

هؤلاء النسوة اللواتي لم يعرف الإعلام كثيرًا من أسمائهنَّ ولم يتصدَّرنَ المشهد الثوري لكن ما كان للثورات أن تقوم ولا أن تنصر ولا أن تثمر إلا بإصرار عيونهنَّ وهُنَّ يدفعن بالأبناء والإخوة إلى ميادين الكرامة، ثم ينزوين إلى الدمع والدعوات. وهكذا نرى أن المرأة العربية لم تتصدَّر المشهد الثوري فقط بل صنعته وسابقت الرَّجل فيه وسبقته في مواقف، ولكن الحال لم يكن كذلك بعد انتصار الثورات؛ إذ لم يزهر ربيعهنَّ كما ينبغي ويجب.

المشاركة السياسية للمرأة عقب ثورات الربيع العربي
هل كان الربيع العربي ربيعًا للمرأة المضحية والثَّائرة؟ وهل قطفت المرأة المكاسب التي كانت تطمح لها من خلال مشاركتها في النضال جنبًا إلى جنب مع الرجل في ساحات البذل والعطاء؟

مما لا شكَّ فيه أن المرأة شكَّلت “معادلة حرجة” في اختبار معدلات الحرية والديمقراطية المكتسبة بعد ثورات الربيع العربي، ورغم ذلك فإن الربيع العربي لم يحمل للمرأة ربيعها ولم يقدَّم لها ولو قليلًا مما يختلف عن حالها في ظلِّ المشاركة السياسية وتصدُّر المشهد قبل الربيع العربي، والعدل يقتضي أن تكون المرأة شريكًا في المكاسب ما دامت شريكًا في البذل والتضحية، إلا أنَّ الأبوية التي اتَّسمت بها تصرُّفات الأنظمة الحاكمة لم تختلف كثيرًا عن حقيقة الأبويَّة التي تعامل بها سياسيُّو الربيع العربي مع اختلاف المظهر العام وأدوات الخطاب.

السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشؤون الإعلام، ومحررة تقرير المرأة العربية والديموقراطية الصادر عن منظمة المرأة العربية عام 2013، وهو من أهم التقارير التي ترصد حالة المرأة ومشاركتها السياسية في بلدان الربيع العربي، تقول:”هناك ثلاثة نواقض أساسية تواجه جميع الدول العربية؛ الحرية وتمكين المرأة ونقص المعرفة، ولأن الربيع العربي لم يكن انتفاضة من أجل حقوق النساء؛ فقد كان ولا يزال من أجل الدفاع عن حقوق الجميع.. من أجل الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية ومن أجل إيجاد مناخ سياسي صحي تنافسي يشمل جميع المكونات”.

وتضيف أبو غزالة: “إن نسبة مشاركة المرأة في المجالس التشريعية في العالم العربي أقل النسب مقابل دول العالم الأخرى، ومن الممكن أن يكون هذا هو المناسب لتقويم وضع المرأة في ظل نشوء الديموقراطيات الحديثة، وتأثيرها على مسيرة المرأة العربية، مشيرة أنه لا يكن تحقيق أهداف التنمية والمساواة والسلام دون مشاركة فعالة للمرأة في جميع المستويات”.

وقد يغدو مهمًّا أن نؤكِّد أنَّه رغم الدور الكبير الذي لعبته المرأة من خلال المشاركة الميدانية والتَّعبئة السياسية خلال ثورات الربيع العربي إلا أنَّ إحباطًا يسري في أوساط النساء في مرحلة ما بعد الثورة فيما يخص الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستقتطفها من الثورة.

وقد أكَّد تقرير “المرأة العربية والديموقراطية” أنَّ المرأة ما زالت بعيدةً عن النساء في العالم الغربي رغم التَّقدم الذي أحرزته في عددٍ من الملفات، وأنَّ مشاركة المرأة في الحركات السياسية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ليست جديدةً رغم أنَّ مشاركتها في ثورات الربيع العربي في كلٍّ من مصر وتونس وليبيا واليمن كانت مركزية ومحورية.

وسابقًا كانت الأنظمة الاستبدادية قد عملت على إظهار أنَّها لا تُقصي المرأة فمنحتها مناصب ظاهرة لكسب الموقف الغربي، ولعلَّ الأمر لم يختلف كثيرًا إبَّان الثورات.

في تونس تسعى مؤسَّسات الثورة إلى تمكين المرأة والشابات منهن خصوصًا من خلال تعيين أصغر وزيرةٍ في العالم العربي السيدة الونيسي البالغة من العمر 29 عامًا في حكومة يوسف الشاهد عن حركة النهضة. وممَّا زاد في الأمل الذي لمعت بوارقه أنَّ الحكومة أنشأت لجنةً من أجل زيادة مشاركة النساء في واقع العمل السياسي.

إلَّا أنَّ واقع مشاركة المرأة في العمل السياسي بعد الثورة في تونس غير مرض، ولغة الأرقام تؤكّد ذلك؛ إذ شكلت نسبة النساء الناخبات المسجلات إراديا 46%، أمَّا المرشَّحات على القوائم فقد بلغت 48 %، غير أنَّه رغم تقارب نسب المرشحات من نسبة المرشحين إلا أن الإناث شغلن 27% من عدد المقاعد بالمجلس التأسيسي؛ أي في حدود الربع غير أن هذه النسبة تعد أعلى من المتوسط العالمي 19 % ومع ذلك فهي لم تصل إلى حدود النسب التي كانت بمجلس نواب ابن علي قبل الثورة والتي بلغت 28%. ومن المفارقات أنَّ حزب النهضة الإسلامي قد أعلن فوز 40 من مرشحاته بمقاعد نيابية ويعود هذا إلى حصول الحزب على الأغلبية في معظم الدوائر الانتخابية.

رغم هذه المؤشرات فقد استطاعت بعضُ السِّيَاسياتِ التُّونسيَّات إِثبات وجودهنّ وفعالية دورهنّ كسهام بن سدرين التي ترأَّست هيئة الحقيقة والكرامة وأثارت جلساتها النقاشَ في تونس عن الظُّلم الذي وقعَ على عددٍ من التُّونِسيِّينَ في عهد ابن علي.

أمَّا في ليبيا فإنَّ المرأة التي عانت من القمع والتَّنكيل والتَهميش في ظلِّ نظامٍ قمعيٍ قائمٍ على حرمان فئات الشعب كافَّة من ممارسةِ أيِّ دورٍ طبيعيٍّ في اتِّخاذ القرار السِّياسي وبعد أن خرجت المرأة الليبية من سرداب سنوات التغييب والحرمان إلى الشارع مُنَادِيَةً بحُرِّيتها وكرامتها ومطالبة بإسقاط النظام تفاجأت بأن يكون الجزاء هو تهميش (الكوتا) الخاصَّة بالمرأة في أول مسودة لقانون الانتخابات حيث أصدرت الجنة التابعة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي في جانفي2012 مسودة قانون الانتخابات، وحددت نسبه الكوتا للمرأة بـ10 % فقط في مؤتمر عدد اعضائه 200 عضوا، وهذا امر مجحف وغير مناسب على الاطلاق، خاصة في بلد تصل نسبة عدد الاناث فيه إلى 50% على الاقل وتصل نسبة الحضرية بين سكانه 78% وتصل نسبة التعليم فيه بين النساء 72% وبين الرجال 92%، ولم يُجد في تغيير هذا القرار معارضة منظمات حقوق المرأة، وهنا شعرت المرأة الليبية بالخسارة؛ إذ بدل زيادة حصص المرأة في العمل السياسي تم إلغاؤها تمامًا في بيئة لم يُشع فيها ثقافة الديمقراطية وما تزال تسيطر الذكورية على تفكيرها المجتمعي مما يعني تنفيذ حكم الإعدام على استحقاقات المرحلة القادمة الخاصة بالمرأة.

أما اليمن فلم يعدُ لتصدُّر المرأة المشهدَ السياسيَّ مكانًا فيها ووضع صورة توكل كرمان على أغلفة المجلات العالمية ووصفها بأوصاف شتى لم يعبّر عن حضور المرأة ومكانتها في العمل الثوري والسياسي ومشاركة اليمنيات في جلسات الحوار السياسي الذي انطلق عقب تنحّي صالح لصياغة المشروع السياسي الجديد في اليمن برعاية الأمم المتحدة إلّا أنَّ الواقع على الأرض بخلاف ذلك في الحقيقة؛ إذ ما تزال المرأة في ذيل ركب السِّياسة واقعًا؛ فلا حقوق نالت ولا بحرية سياسية نعمت، ولم يختلف وضعًا كثيرًا عمَّا كانت عليه قبل الثورة سوى مزيد من الشعارات الرنانة في العلن والسطوة الذكورية سياسيًّا واجتماعيًّا في الميادين المختلفة.

ومصر التي جاءت ثورتها والمرأة المصرية في الطليعة شامخة جنب الرجل تهتف وتستقبل الرصاص والغازات والعنف فقد تنفَّست في 11 فبراير 2011 الصعداء كما جموع الشعب المصري الذين بدأوا يحلمون بمستقبل زاهر بعد خلع مبارك. ولكن هذا لم يحدث بل وجدنا أن المرأة المصرية التي يجب أن تكون شريكة للرجل في ميدان السياسة بعد أن شاركته في ميدان الثورة تعاني مزيدًا من التَّهميش والإقصاء.

وقد جاء في تقرير عن حالة المرأة المصرية بعد ثورة يناير صادر عن الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات:
1. اقتصرت عضوية اللجنة التي قامت بصياغة التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها في 19/3/2012 على الرجال فقط، وقد أثارت النتائج التي خرجت بها اللجنة فيما يتعلق بتعديل المادة 75 التي اشتُرط فيها ألا يكون مرشح رئاسة الجمهورية متزوجا من أجنبية جدلا حول تاء التأنيث في كلمة “أجنبية” وهو ما يعني ضمنيا بالضرورة أن يكون المرشح ذكرا وأن النساء لن يترشحن لهذا المنصب.
2. سبقت حركة المحافظين التي تمت في أغسطس 2011 توقعات بتولي سيدة واحدة على الأقل منصب محافظ غير أن هذه التوقعات لم تتحقق، وأوضح وزير الإدارة المحلية أن السبب وراء استبعاد المرأة من هذه الحركة هو الفراغ الأمني الذي تشهده البلاد وأكد أن المرأة غير قادرة على النزول إلى الشارع وحل مشاكل الجماهير في الوقت الحالي على الأقل.
3. على مستوى الحكومة حظيت المرأة بحقيبة واحدة في حكومة عصام شرف حيث احتفظت فايزة أبو النجا بوزارة التعاون الدولي والتأمينات والشؤون الاجتماعية والدولة للبحث العلمي.
وما إن آذنت الثورات المضادة في الدول السابقة بمجيء حتى ازداد المشهد السياسي تعقيدا وإرباكا وانتقلت المرأة من عملية المطالبة بأحقية الممارسة السياسية إلى الصفوف لثورية مرة أخرى.

أما سورية التي كانت المرأة في صفوف ثورتها من اللحظة الأولى وما زالت إلى الآن تواكب الثورة خطوة خطوة وتسير معها بكل ثبات وتضحية وإباء فلم يكن حال المرأة في مؤسسات المعارضة التي كان من المفترض فيها أن تقدم نموذجا مختلفا عما عليه النظام أحسن حالا من تعامل مؤسسات الثورة في بلاد الربيع العربي مع المرأة، بل إن حالها في مؤسسات المعارضة شهد انتكاسات كبيرة تؤكد أن الثورة ربما كسرت الأصنام السياسية لكنها لم تكسر الأصنام الاجتماعية ولم تقض على العقد الذكورية في المجتمع.

فعند تشكيل المجلس الوطني السوري صوتت الهيئة العامة لانتخابات الأمانة العامة للمجلس وعقب تصويت 400 من أعضاء الهيئة العامة انتُخب 41 عضوا لا امرأة بينهم مما رعا إلى احتجاج النساء الحاضرات وأدى ضغطهن إلى إضافة 4 نساء بقرار صادر عن رئيس المجلس، وبعد ذلك قام المجلس الوطني في محاولة منه لتحسين صورته أمام العالم بمنح المرأة 15 % من إجمالي أعضاء الهيئة العامة الجديدة الموسعة للمجلس البالغة 420 عضوا، وقال جورج صبرا معلقا على هذا القرار: “لو لم يتخذا هذا القرار لكان الرجال سيقومون بكل شيء بأنفسهم إلى الأبد”.

وانتظر المجلس الوطني السوري حتى عام 2013 ليستحدث ضمن مكتبه مكتبًا للمرأة في مشهد يعكس مدى الحضور الهامشي للمرأة بحيث لم تكن تنعم حتى بوجود مكتب لها في الفترة السابقة.

أما الائتلاف الوطني لقوى الثورة لسورية فقد حدد كوتا نسائية وقد شهدت هذه الحصة زيادة حتى وصلت إلى 15 % من أعضاء الهيئة السياسية وقد كانت قبلًا 5%، في مشهد لا يقل عن مشهد المرأة في المجلس الوطني السوري في محاولة تجميل الكيان والمؤسسة أكثر منه إعطاء فاعلية ودور للمرأة”.
على أن المشهد الأهم للمرأة في المعارضة السورية هو ما عرف بنساء ديمستورا وهو مجلس استشاري نسائي أنشأه ديمستورا المبعوث الخاص إلى سوريا على أن يكون هذا المجلس مستقلا يتبع له مباشرة للمساهمة في المحادثات التي تعقد برعاية أممية في جينيف بين وفد المعارضة وممثلين عن نظام الأسد بناء على القرار الأممي 2254 وقد شهد تشكيل هذا المجلس من حيث الطريقة التي شكل فيها وأعضاؤه اللواتي اخترن انتقادات حادة من أوساط المعارضة والثورة السورية.

وفي رد الفعل على ظاهرة نساء ديمستورا يقول الناشط والكاتب أحمد أبا زيد:”ديمستورا يلعب ويتجاوز مهمته كوسيط دولي ويستخف بتكرار بواجب احترام الثورة وممثليها وينحاز مرة أخرى لتقوية موقف النظام ولإضعاف موقف الثورة وتشتيتها”.

ثم يقول: “والآن يرتب طبخة سريعة برعاية قوائم المنظمات (المجتمع المدني والسلم الأهلي… الخ وحجوزات فنادق عينتاب وإسطنبول) لمجلس نسوي يفو هكذا على السطح فجأة ليكون (المجلس الاستشاري للمرأة السورية) أي: إنه يحوز 3 تناقضات معًا:

صفة سياسة لتوليفة جنسية (نسوي).

صفة تمثيلية بلا أي قاعدة أفرزتها.

صفة استشارية بلا شبه (ثقافي – سياسي) بالمجتمع الذي تزعم استشارته.

هذا إن كانت هذه الفئة من نساء الماركا الأنيقة والحياد المزعوم يعرفن حقا من هم نساء هذا المجتمع المنكوب!).

وهكذا نرى أن الربيع العربي الذي ساهمت المرأة بصناعته ببذلها وعطائها وكانت لها الريادة فيه، فإن لم تسبق الرجل فهي لم تختلف عنه إلا أنه لم يكن ربيعا لها في قطف الثمار والحالة السياسية التي تجلت عقب هذه الثورات إذ وجدت المرأة نفسها من جديد أمام حالة من التهميش الكبير والاقصاء غير المقبول، فلم تجد أنها ذات حضور فعّال في مؤسسات الثورة السياسي أو مؤسسات الدولة عقب نجاح الثورات إلا بقدر ما يجمل صورة الرجل وأخلاقه الثورية وصفاته التحررية الديموقراطية.
إن حال المرأة في المجتمع السياسي عقب الربيع العربي في البلدان التي ثارت على الأنظمة الاستبدادية وكسرت الأصنام السياسية يعكس حاجتنا الحقيقية إلى ثورات على العقلية الاجتماعية المستبدة وصنم الذكورية الذي ما يزال شامخا يطوف الناس حوله، ويعدونه محور القدرة على القيادة والاستشارة، وفي الوقت ذاته نحن بحاجة لإخراج نماذج نسوية تثبت نفسها في المعترك السياسي.

وبعد انتصار الثورات العالقة وعودة النصر للثورات التي صادرتها أُخرى مضادة هل ستجد المرأة نفسها في مكانها الجدير بها، بعد أن يستطيع الرجال ممارسة حقوقهم الطبيعية في صياغة النظم السياسية لدولهم!

من تظاهرات النساء في الربيع العربي/ رويترز

من تظاهرات النساء في الربيع العربي/ رويترز

أترك تعليق

مقالات
يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015