لا يقتصر ظلم المرأة على العنف الجسدي والمعنوي فقط، بل يمتد أحياناً إلى العنف الاقتصادي، عندما يتعلق الأمر بالتمييز في رواتب العمل بين الرجل والمرأة، اللذين يعملان في المهنة نفسها. في الأسطر الآتية من مصر وسورية تستعرض «لها» بعض حالات التمييز في الأجور، وآراء المتخصصين فيها.
مجلة “لها”- نبدأ من مصر:
هبة عبدالهادي: أعاني من التمييز في الراتب لمجرد كوني امرأة
هبة عبدالهادي، مدققة لغوية، 29 عاماً، تؤكد أنها عانت بشكل مباشر لتمييز في الرواتب لمجرد كونها امرأة تعمل بين الذكور. وتقول: «على مدار ثماني سنوات من العمل، كان التمييز في الرواتب على أساس الجنس لا الكفاءة والعمل الجاد، فجميع الرؤساء ذكور وينحازون إلى أبناء جنسهم، وكأنهم يعاقبون النساء على نجاحهن في سوق العمل».
وتضيف: «في أحد المراكز التي عملت فيها، كان رئيسي يقسّم العمل بين الإناث والذكور بالتساوي، ويميز بيننا في الرواتب بحجة أن لدى الرجل التزامات مادية أكثر، ضارباً عرض الحائط بكون 35 في المئة من الأسر المصرية تعولها النساء، وأن الفتاة العاملة، خصوصاً إذا كانت من الطبقة المتوسطة، تعول نفسها، وأحياناً تعول أسرتها أيضاً».
وتتابع: «غالباً ما يصادف أن أكون البنت الوحيدة التي تعمل مع ذكور في القسم، وعلى الرغم من الفجوة في الرواتب، فقد عانيت أيضاً التمييز على أساس الجنس في الترقيات، رغم كوني الأجدر بها، وحدث معي ذلك أكثر من مرة في أماكن عمل مختلفة، فبعد ترقيتي إلى منصب رئيس قسم، يُسحب المنصب مني ويتم منحه إلى رجل متزوج، بحجة أنه الأجدر بزيادة الراتب لأنه ذكر ومسؤول عن عائلة».
وتختتم هبة حديثها قائلة: «ما زال أمام المرأة وقت طويل من الحروب في سوق العمل، في مواجهة التمييز الجندري في مجتمع ذكوري، حتى تحصل على المساواة في الراتب».
شيماء جمعة: رواتب زملائي الرجال أعلى بنسبة 40 في المئة
شيماء جمعة، مصورة صحافية، 28 عاماً، تؤكد أنها تعاني تمييزاً مجحفاً في الراتب لمجرد كونها فتاة، وقد يصل التمييز إلى 40 في المئة لمصلحة الرجل… وتقول: «غزا أخيراً جيل جديد من الفتيات مهنة التصوير الصحافي، التي كانت حكراً على الرجال، لكن ما زالت ثقافة التمييز ضد المرأة تهيمن على سوق العمل، نظراً الى كون الرجل هو المسيطر في هذا المجال، فالمصورات بشكل عام يعانين التمييز في التعيين وقبولهنّ للعمل في الصحف، فغالباً ما يتذرع رئيس قسم التصوير بأنه يريد رجلاً يتحمل أعباء التصوير ومشقاته، فضلاً عن قدرته على تغطية أحداث العنف، لكن هذا يعد تمييزاً وكلاماً غير دقيق ولا يمت الى الواقع بصلة، فنحن المصورات نرصد أماكن الاشتباكات، وغالباً ما يكون حظنا أفضل في التغطية ولا نتعرض إلى عنف بدني مثل الرجال، فما زالت تقاليد المجتمع المصري تحظر ضرب النساء في الشوارع».
وتتابع شيماء: «نستطيع القول بأن رؤساء أقسام التصوير في مصر يعتبرون المصورة نصف مصور رجل، ورغم مساواتهم لنا في العمل مع الذكور، خاصة في ما يتعلق بدوام العمل الليلي، وكذلك السفر وتغطية الاشتباكات المسلحة والثورات، يبقى التمييز على حسب الجنس لا الكفاءة في مجتمع يفتقر إلى العدالة الاجتماعية».
علي حافظ: فرع الشركة في الخارج اشترط عدم تعيين النساء
علي حافظ، رئيس إحدى الشركات الدولية في الخليج ومصر، يؤكد أن التمييز في الرواتب على أساس الجنس أمر غير مقبول، إلا في الشرق فقط، إذ يرفضه الغرب تماماً، لافتاً إلى أنه أحد ضحايا هذا التمييز العربي».
ويحكي على قصته قائلاً: «أعيش في فرنسا منذ ثلاثين عاماً، وأعمل في شركة دولية هناك، وفي فرنسا والدول المتقدمة لا تمييز في العمل إلا على أساس الكفاءة. أما التمييز الجنسي في الترقيات والرواتب فلم أعرفه إلا في دول العالم الثالث، خاصة الدول العربية. وبناء عليه، عندما افتتحت الشركة فرعاً في إحدى دول الخليج، تقدمت إحدى زميلاتي لوظيفة في فرع الشركة هناك، والسبب أنها فرنسية ومتزوجة من استرالي، وتود أن تكون بالقرب من أهل زوجها في أستراليا، فالمسافة أقرب من الخليج إلى أستراليا، لكن تقدمها إلى الوظيفة قوبل بالرفض رغم جدارتها، لمجرد كونها امرأة وكانت الوظيفة من نصيبي لأنني ذكر».
ويتابع: «لم أصادف طوال حياتي في فرنسا تمييزاً على أساس الجنس، لكن هذا التمييز فرضته الدول العربية طبقاً لقناعات اجتماعية بعيدة تمام البعد عن المهنية، وأرى أن هذا التمييز يؤثر سلباً في المرأة والرجل على حد سواء، فزميلتي رُفضت لكونها امرأة، وأنا فرض عليَّ مكان عمل لم أكن أرغبه لمجرد كوني رجلاً».
مروة فتحي: اقتحمت ريادة الأعمال هرباً من مستنقع التمييز الذكوري
مروة فتحي، رائدة أعمال، 32 عاماً، تؤكد أنها عانت الأمرّين بسبب التمييز في الرواتب والامتيازات لمصلحة الرجال في القطاع الحكومي، وتقول: «كنت موظفة في إحدى الوزارات الحكومية، وبالطبع المديرون رجال يؤيدون أبناء جنسهم بشدة، فكانوا يمنحونهم كل البدلات التي يسمح بها القانون، ويقدمون لهم الامتيازات، بحجة أن الرجل مسؤول عن أسرة، أما المرأة فثمة رجل مسؤول عنها». وتتابع: «لم أستطع الاستمرار في عمل تهيمن عليه النزعة الذكورية، فتقدمت باستقالتي وتوجهت إلى القطاع الخاص، وعملت في التسويق، وهي أكثر وظيفة تعتمد على المهارة والعمل المتواصل، فتوقعت أن يتضاعف بذلك راتبي، لكن الواقع كان مشابهاً لبيئة العمل الحكومية، ومخالفاً لتوقعاتي، فإن كان الراتب الأساسي متساوياً مع الرجال، لكن كل الامتيازات والمكافآت تؤول الى الرجال، فمثلاً مكافآت السهر وبدلات السفر وإسناد المهام الإضافية كلها مخصصة للرجال فقط، وبالتالي تتضاعف أجورهم عن النساء». وتضيف مروة: «طلبت من مديري مراراً وتكراراً أن يسند إليّ أعمالاً إضافية، وأن أعمل في دوام ليلي، ولا مانع لديَّ من السفر، فأنا إنسانة طموحة، لكنه كان يرى أن المرأة تعمل من أجل الرفاهية فقط، وبناء عليه تقدمت باستقالتي، وأشرع حالياً في تأسيس شركتي الخاصة بالتسويق الإلكتروني لأخرج من مستنقع التمييز الذكوري».
سميرة إبراهيم: تعرضت للتمييز في الراتب فور تخرجي ومزاولتي العمل
الناشطة السياسية سميرة إبراهيم، باحثة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية، تؤكد أنها تعرضت إلى التمييز في الراتب في بداية عملها فور تخرجها، فكانت جميع البدلات والانتقالات والمكافآت من حق الرجال، والسبب الهيمنة الذكورية على الإدارة. وتقول: «في غالبية القطاعات في مصر تعاني النساء التمييز في الأجور، وعادة ما ينكر ذوو النزعة الذكورية التمييز في الراتب الأساسي، خاصة في القطاع الحكومي، حيث التمييز في الحوافز والمكافآت، ففي قطاعي التعليم والتمريض – على سبيل المثال لا الحصر – تشكو العاملات من التمييز في تقسيم العمل على أساس النوع، مما يؤدي إلى اختلاف الأجور، فمثلاً في قطاع التعليم تتذمر المعلمات من تكليف الرؤساء للرجال مهمة تصحيح الامتحانات، ويترتب على ذلك حصول الرجال على مكافآت مالية كبيرة تُحرم منها النساء.
وتفيد سميرة إبراهيم بأن الحل يكمن في ثورة ثقافية تنمّي الوعي الاجتماعي، ولن يتم ذلك إلا بالتكاتف مع الإعلام، لكن حتى الإعلام كثيراً ما يسيء إلى شكل المرأة… وتضيف: «على مصر أن تلجأ أيضاً إلى دراسة تجارب الدول الأخرى في القضاء على التمييز في الأجور، خاصةً أنها وقّعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، والتي تلزم مصر باتخاذ التدابير اللازمة لذلك، وفي بوليفيا مثلاً ينص الدستور على أن «تعمل الدولة على إدماج المرأة في عالم العمل، وتحرص على مساواة العاملات والعمال في الأجر عن العمل متساوي القيمة في القطاعين العام والخاص».
الدكتور أحمد عبدالله: ضعف القانون وجهات الرقابة هما السبب
في الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن التمييز في الأجور لا يعود إلى كوننا مجتمعاً ذكورياً، بل إلى فجوة في القوانين واستغلال أنوثة النساء. ويوضح: «هذا التمييز في الأجور يعود إلى فجوة في القوانين والممارسات التي تصب في مصلحة صاحب العمل، سواء كان قطاعاً خاصاً أو حكومياً،
ما من حوار مجتمعي أو رأي عام يثبت أن هناك مهناً خطرة يحظّر على النساء العمل بها، فالمرأة تعمل في قطاع النقل حيث تتولى قيادة السيارات ونقل الركاب مثلاً، هذا على مستوى الخطورة. أما على مستوى الوظائف العادية فتشارك الرجل فيها كلها، لكن الحقيقة أنه عندما تغيب النقابات العمالية لا ينجو العمل محاولات الاستعباد، وبناء عليه لا تجد المرأة من يتكاتف معها لتستعيد حقها المهدور بحجة تمييز المجتمع الذكوري». ويضيف د. أحمد عبدالله: «في المقابل، نجد تمييزاً في رواتب النساء في بعض المهن التي تستغل أنوثتهن وتتاجر بها، مثل عارضات الأزياء وموديل الإعلانات وموظفات خدمة الجمهور ومضيفات الطيران وغيرها، حتى أن هذه النوعية من الوظائف تشترط حسن المظهر، وبعضها يشترط عدم الإنجاب حتى سن معينة، مثل مضيفات الطيران، فهذه الوظائف حكر على النساء فقط، وإن عمل فيها رجال، تعود الرواتب العليا إلى النساء… ومن هنا نخلص إلى أن التمييز في الرواتب لا يعود إلى كون المجتمع ذكورياً، بل إلى غياب قانون عمل عادل وجِهات رقابية تتدخل على الفور لإصلاح الأمور».
الدكتورة زينب لاشين: التمييز في الرواتب أحد أشكال العنف ضد المرأة
تختلف الدكتورة زينب لاشين، أستاذة علم الاجتماع في جامعة القاهرة، في الرأي مع الدكتور أحمد عبدالله، مؤكدة أن التمييز في الرواتب بين الرجل والمرأة يعود إلى الثقافة الذكورية المهيمنة على المجتمع. وتقول: «التمييز في الأجور هو حصيلة العديد من أشكال العنف والتمييز التي تتعرض لها النساء في أماكن العمل، بسبب غياب سياسات واضحة للتشغيل من خلال منظور النوع الاجتماعي، وبالتالي تطاول تأثيرات الواقع الثقافي النساء في أماكن العمل، فتصبح فرص الرجال أقوى في الاستناد إلى مهمات ومأموريات تزيد من رواتبهم ومكافآتهم المادية، فتتجلى الفجوة في الرواتب بصورة أكبر».
وتتابع: «فضلاً عن أن أصحاب العمل الخاص يجدون ثغرات قانونية، تحميهم حال التمييز ضد النساء في الرواتب، مما يتسبب في فجوة كبيرة على أساس الجنس، خاصة أن رؤساء العمل غالباً ما يتبنون ثقافة الفكر الذكوري والنظرة الدونية للنساء، فتؤثر تلك الثقافة في نظرتهم الموضوعية الى كفاءة المرأة العملية».
التباين في الأجور بين الرجل والمرأة بالأرقام
ومن خلال بحث اجتماعي أجرته الصحافية منى عزت، تحت عنوان «المساواة في الأجور… سياسات جديدة»، كشفت «مؤسسة المرأة الجديدة» أن الإحصاءات خلال السنوات العشر الماضية أظهرت فجوة في الرواتب بين الرجل والمرأة، ففي عام 2006 بلغ مقدار التمييز ضد المرأة في الأجر 37 في المئة لمصلحة الرجل.
وفي عام 2008 بلغ متوسط الفجوة النوعية في الأجور 13.8 في المئة لمصلحة الرجال في معظم القطاعات، وفي مجال التعليم بلغت نسبة الفجوة نحو 7.4 في المئة، بينما وصلت إلى 28.4 في المئة لمصلحة الرجل في مجال الصحة.
في عام 2013، وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت نسبة الفجوة النوعية لمتوسط الأجور النقدية الأسبوعية في القطاع العام وقطاع الأعمال نحو 25.5 في المئة. وبالنسبة الى القطاع الخاص، فإن الفجوة النوعية كانت 23.2 في المئة لمصلحة الرجل. وعلى مستوى النشاط الاقتصادي للقطاعات، سجلت الإحصاءات أكبر فجوة نوعية في الأجور في القطاع العام في مجالات الإمداد المائي وشبكات الصرف الصحي وإدارة معالجة النفايات، حيث وصلت الفجوة إلى 98.8 في المئة لمصلحة الرجال.
وخلصت دراسة «مؤسسة المرأة الجديدة»، إلى توصيات ومطالب عدة لصناع القرار، من أجل تحقيق المساواة في الأجور، أدرجتها على النحو الآتي:
● إجراء إصلاح شامل وجذري لمنظومة الأجور في مصر من أجل تحقيق العدالة والمساواة.
● إعادة هيكلة المجلس القومي للأجور بحيث تتضمن اختصاصاته مراجعة الفجوة النوعية في الأجور وطرح الإجراءات اللازمة للقضاء عليها.
● مراعاة البعد النوعي في تمثيل النقابات في تشكيل المجلس القومي للأجور.
● العمل على أن يضم المجلس القومي للأجور في تشكيله منظمات غير حكومية معنية بقضية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقضايا النوع الاجتماعي.
● تشكيل مجموعة عمل دائمة بين المجلس القومي للأجور ووحدات تكافؤ الفرص في الوزارات للعمل على تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الأجر.
● إجراء البحوث والدراسات التي تحدد أي الأنماط التنموية هي الأنسب لتحسين منظومة الأجور في مصر، ومن ثم سد الفجوة بين الجنسين.
● تطبيق القانون في ما يتعلق بتوفير دور حضانة لأطفال العاملات داخل أماكن العمل.
● توفير وسائل مواصلات آمنة للنساء، حتى يتمكنَّ من أداء دوامهن الليلي في المؤسسات.
في سورية:
صعوبات قديمة ومستجدَّة أمام تحقّق المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة
رغم كل الامتيازات التي حصلت عليها، والقوانين التي أنصفتها، لا تزال المرأة السورية العاملة تعاني بعض الصعوبات التي تحد من دورها الحقيقي في بناء المجتمع… فهل ساوت بين الجنسين، أم انه لا يزال هناك إجحاف بحق المرأة؟
القانون ساوى بين الرجل والمرأة والحرب أساءت إلى الاثنين
تقول الباحثة القانونية جمانة عياد إن القانون الأساسي للعاملين في الدولة السورية قد ساوى بين المرأة العاملة والرجل العامل في الحقوق والواجبات، وبعيداً عن الظروف التي تمر بها البلاد حالياً، وبالعودة إلى قانون العمل الموحد في سورية والتشريعات التي نص عليها الدستور، نجد أن القانون قد ساوى بين الرجل والمرأة في العمل، كما كفل للمرأة جميع الفرص التي تحق للرجل، فأقر لها الحق من دون أي تمييز في تسلّم المواقع المتقدمة في العمل، فأصبحت نائباً للرئيس، ووزيرة، ونائباً عاماً، ومديرة، وعاملة…
كما راعى القانون المذكور خصائص المرأة في بعض المواد التي منعت مثلاً عمل المرأة ليلاً بقرار وزاري، وانخراطها في الأعمال الشاقة، أو الضارة صحياً وأخلاقياً. لكن الحرب في سورية أرخت بظلالها على العمال ككل من ناحية الأجور والصعوبات الحياتية، وعلى المرأة بشكل خاص، بحيث أصبحت تتحمل عبئاً مضاعفاً.
الأجر المتساوي للعمل المتساوي
يرى أيهم، مدير فرع أحد المصارف الخاصة في سورية، أن قوانين العمل السورية ساوت بين المرأة والرجل وكرست قاعدة الأجر المتساوي للعمل المتساوي. مثلاً في قطاع المصارف الخاصة في سورية، يتقاضى أمين الصندوق راتباً محدداً، سواء أكان رجلاً أم أمرأة، والأمر نفسه ينطبق على موظف خدمة العملاء، وغيرها من الأعمال المصرفية. وما يحدد الراتب والأجر في القطاع المصرفي وشركات التأمين السورية، هو التوصيف الوظيفي الذي تحكمه شروط تتعلق بالشهادات العلمية والخبرة المصرفية، بغض النظر عن جنس الموظف، أكان ذكراً أم أنثى.
وعما إذا كان منصب إدارة المصارف الخاصة وفروعها حكراً على الرجال، يقول أيهم: «لا أعتقد ذلك، فمثلاً بالنسبة الى قطاعنا المصرفي والذي يملك 28 فرعاً في سورية اليوم، ثمة خمس سيدات يرأسن فروعاً ضمن المحافظات السورية، مما يعني أن الأجدر بالعمل هو من يرأس الإدارة بغض النظر عن جنسه أو هويته».
المعوقات الاجتماعية تتغلب على القوانين
أما منى باهرلي، وهي موظفة في القطاع العام فترى أن المرأة السورية قد حصلت على الكثير من حقوقها، كما سجّلت تقدماً في مواقع صنع القرار على اختلافها. لكن وعلى الرغم من كل تلك الحقوق، لا تزال المعوقات الاجتماعية والثقافية المتمثلة بالأعراف والتقاليد، تشكل تمييزاً ضد المرأة، إضافة إلى بعض القوانين التمييزية التي تحكم علاقتها داخل الأسرة وحياتها الخاصة. يمكن كل هذه الأمور أن تؤثر في المرأة بشكل غير مباشر مما يعوق تقدمها في العمل ويخلّ بمساواتها الكاملة مع الرجل، لذا من الممكن أن يتم تفضيل الرجل في الأعمال الهامة على المرأة لكونه يملك الوقت الكافي والصلاحيات الاجتماعية الكاملة من دون أي قيود، وبالتالي يحصل على الأجر الأعلى من خلال الحوافز الشهرية والسنوية المرافقة للأجر الشهري المتساوي في ما بيننا… وهذا بسبب القمع الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة في كثير من الأحيان، والذي قد يتغلب على كل القوانين الرسمية التي يتم تنظيمها دولياً.
تفاوت الأجور بين الزوجين في العمل نفسه
وفي جانب آخر، يرى البعض وعلى عكس كل التوقعات أن المرأة تتقاضى راتباً يفوق أحياناً راتب الرجل في الوظيفة ذاتها… وفي ما يتعلق بهذه المسألة. تقول الإعلامية منى أحمد: «حتى لو تفوقت المرأة بالراتب الشهري على الرجل ضمن التوصيف الوظيفي نفسه، تعود العادات والتقاليد لتكبّلها، فتكون الغلبة والتفوق دائماً من نصيب الرجل. فمن حولي حالات كثيرة أعرفها وأعيش معها، يرى فيها الرجل أن راتب المرأة إذا تجاوز ولو قليلاً راتبه، يكون في ذلك إهانة له وتشكيك في قدراته، ومن هنا تنشأ المشكلات بينهما، ويصبح راتب المرأة المرتفع عبئاً عليها لناحية ما تعانيه من مضايقات، بعضها واضح جلي، وبعضها الآخر بأساليب وطرائق متعددة يتفنن الرجل في اتباعها ليُدخل إلى مدارك المرأة أن ما تتفوق عليه به ما هو إلا مجرد أمر لا قيمة أساسية له، وقد يصل به الأمر أحياناً إلى إيهامها بأن ذلك هو أكبر بكثير مما تستحقه، مما يفاقم حدة المشكلات بينهما، ولأسباب بات المجتمع يدركها جيداً. كما قد تتعرض المرأة للابتزاز ومحاولات سرقة جهدها لتصبح ملاحقة بتبعات وأعباء إضافية، منها أن من واجبها صرف ما تتقاضاه على من حولها لتثبت أنها امرأة صالحة ومتفانية.
أما إذا كان راتب الزوج أعلى من راتب الزوجة فلن نجد هذا النوع من المشاكل، باستثناء ما قد يعتري المرأة من خوف من تأخذ أخرى مكانها وتسرق ما تعتبره حقاً لها في امتلاك الرجل وماله، في مقابل أخرى تسخّر ذكاءها في الإكثار من متطلباتها لئلا تتحول تلك الأموال الى جهة أخرى.
كما لا يمكن تعميم هذه السلوكيات، فهناك من الطرفين من يحكم على الأمور بشكل منطقي ويقيس المردود على أساس الإنتاج ويقدر ما يقدمه الطرف الآخر، بل يشجعه ويثني عليه ويبارك له ما يتقاضاه، وصولاً الى جعل الأسرة مثالية، على أساس من الكفاءة ونتاج ما يقدَّم.
عائدة مرجان: التوتر يسود بين الأزواج عندما يتفاوت راتبهما في العمل نفسه
أما الكاتبة والأديبة عائدة مرجان فترى أن العلاقات الشخصية في العمل تأخذ الطابع الرسمي والمجاملات، أما في المنزل فلابد من المنغصات بسبب غيرة الرجل من المرأة إذا كان راتبه أدنى من راتبها، وذلك يعود إلى المفهوم الشرقي الذي يقول بأفضلية الرجل على المرأة. وتبرر المرأة غيرتها من الرجل إن كان هو صاحب الراتب الأكبر، بأنهما يعملان في العمل نفسه والمكان نفسه، وهي تتفوق عليه بأعمال المنزل والاهتمام بأطفالها، ورغم ذلك فهو صاحب الراتب الأكبر، ولذلك هي تغار، بحجة أنها تعمل أكثر وجهدها أكبر. «وبرأيي»، تختم مرجان حديثها «يسود التوتر دوماً العلاقة بين أولئك الأزواج».
في لبنان: فجوة الرواتب بين الذكور والإناث تتأرجح ما بين العقلية الذكورية وظروف الحياة
تعاني غالبية الإناث في العالم مشكلة تدني أجورهن مقارنة بأجور الذكور، وذلك بسبب الفكرة المزروعة في عقل من يضعون نظام الرواتب في المؤسسات والشركات وغيرها من مراكز التوظيف، إذ يظنون أن راتب الذكر يجب أن يكون أعلى من راتب الأنثى، فالرجل تقع على عاتقه مسؤوليات المنزل والعائلة والزواج والرفاهية، علماً أن هذه النظرة الى الأمور تبدلت مع تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية ومتطلبات الحياة، إذ باتت المرأة تعمل كالرجل وتخوض مختلف مجالات العمل وتتبوّأ أهم المراكز، كما باتت مسؤولة عن نفسها وعن عائلتها وتستطيع منافسة الرجل في ذلك.
لكن، ما هو واقع الأجور واختلافها بين الجنسين في دول العالم وخصوصاً في الدول العربية، وهل تعاني المرأة مساوئ هذه الظاهرة، وكيف تواجهها وتطالب بمساواتها مع الرجل في ما يخص الرواتب والمراكز والمناصب المهمة؟
مجلة «لها» سلّطت الضوء على هذه الظاهرة والتقت مجموعة من الموظفات اللواتي اختبرن العمل في الشركات، وتحدثت مع المحامية كريمة شبو الناشطة في المجتمع المدني والمجازة في علم نفس العمل المؤسساتي، وكان هذا التحقيق.
فارق الأجور بين الجنسين، والذي يُسمّى أيضاً الفجوة في الرواتب بين الجنسين، والفارق في الدخل بين الذكور والإناث، هو مشكلة اجتماعية متعارف عليها في جميع دول العالم، وأزمة قديمة تتجدد مع تجدد الأفكار العنصرية ومفهوم بعض المجتمعات لطبيعة دور المرأة في المجتمع ومسؤولياتها وأهمية فكرها وإنتاجها. وبالإضافة إلى هذه الاسباب، يُرجع البعض أسباب هذه الفجوة الى عوامل أخرى، أبرزها خيار المرأة بنوع العمل وعدد ساعات دوامه، وقدرتها على تلبية متطلبات ربّ العمل في مختلف الظروف.
وتُعرِّف المفوضية الأوروبية فجوة الأجور بين الجنسين بأنها متوسط الفارق بين دخل الرجال والنساء في الساعة. ومن المتفق عليه عموماً، أن نسبة كبيرة من الفجوة في الأجور لا تنشأ بسبب التمييز الواضح، وإنما بسبب الاختلافات في الخيارات التي يعتمدها كل جنس. ومع ذلك، لا يزال هناك جدل قائم حول ما إذا كان أي جانب من جوانب الفجوة في الأجور قد نجم عن التمييز الصريح، وحول مدى اضطرار النساء والرجال للجوء الى بعض الخيارات بسبب الضغوط الاجتماعية.
المحامية كريمة شبو: تمييز استنسابي
كريمة شبو، الناشطة في المجتمع المدني، والمجازة في علم نفس العمل المؤسساتي، ترى أن التمييز بين الرجل والمرأة في العمل في ما يخص الراتب والمستحقات المالية يحدث بشكل استنسابي ولا يكون مبنياً على أساس قانوني. ومن هذا المنطلق، يجب مناقشة هذه المشكلة ودراستها من منحى اجتماعي وليس من منحى قانوني فقط. فالقانون هو نص مُصاغ انتقائياً من جانب الدولة ووفق نظامها. فإذا كان القائمون على وضع القانون قد لحظوا هذا التمييز، يصبح التمييز مشرّعاً ومقونناً. لكن، في أغلب الأحيان، لا يلحظ القانون هذا التمييز ولا ينص عليه، ورغم ذلك يكون التمييز في الأجور بين المرأة والرجل أمراً واقعاً.
وتضيف الأستاذة شبو أن المجتمعات لم تتقبل في البدء فكرة دخول المرأة إلى سوق العمل، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تم قبوله، وكانت غالبية الأعمال والمناصب حكراً على الرجل، مما أدى إلى تفاوت الراتب بين المرأة والرجل. وإذا أردنا مقارنة معدل الأجور بين الجنسين، علينا تناول الوظيفة نفسها، وكذلك المنصب والدور والخدمات التي يقدمها كل منهما للتأكد مما اذا كان هناك تمييز أم لا. قانوناً، يجب عدم التمييز بين المرأة والرجل في ما يتعلق بالراتب في المؤسسات العامة والخاصة، ولا بد من المساواة بينهما في كل شيء، وعلى المؤسسات والشركات والنقابات أن تلحظ ذلك في قوانينها الخاصة، وبالتالي تراقب تطبيق هذه القوانين حتى تصبح الأمور استنسابية، وهذا بالتحديد ما نطالب به كناشطين في المجتمع المدني، لأن عدم مراقبة المؤسسات ومتابعة كيفية تعاطيها مع الأمور يجعل البعض يتصرف بشكل غير عادل. فمعظم أرباب العمل يستغلون المرأة ويتحكمون بها على مستوى العمل والأجر وفي كل المجالات. حتى في وظائف الدولة، التمييز واقع من خلال الحوافز والمستحقات بحيث تتقاضى المرأة الراتب نفسه، فيما يتم التمييز بينها وبين الرجل في ما يتعلق بالتعويض العائلي والضمان وغيره… باعتبار ان الرجل هو رب الأسرة والمسؤول عنها، وهذه الفكرة مرفوضة تماماً، لأن ثمة نساء كثيرات يتحملن مسؤولية عائلاتهن من كل النواحي. والأجر هو لقاء عمل وجهد يقدمه الانسان للمؤسسة او الشركة التي يعمل فيها، ومن غير المنطقي أن يتم تقييم هذا الجهد على أساس الجنس والوضع الاجتماعي. لذا، يجب ان يتقاضى كلا الجنسين الراتب نفسه إذ يمارسان الوظيفة نفسها ويبذلان الجهد نفسه، فالمرأة في النهاية مواطنة كالرجل، ولا يمكن القانون أن يميّز بينهما.
تشدد شبو على أهمية مراقبة تطبيق القانون ومحاربة فكرة اختيار الموظفين على أساس الجنس، لأن فرص العمل يجب ان تكون متاحة للجميع، رجلاً أكان أم امرأة… فطلب الموظفين وقبولهم يجب أن يكونا على أساس المؤهلات العلمية والخبرة والجدارة، لأن الكفاءة في العمل هي التي تميز موظفاً عن آخر وليس جنسه… وتقول:
«كاختصاصية في علم نفس العمل المؤسساتي، أرى أن من الضروري أن تُبنى قوانين المنظمات والمؤسسات والشركات على أساس الجدارة والكفاءة والتميز في العمل، وليس على أساس الجنس والوضع العائلي». وتختتم حديثها مؤكدة: «كخبراء وناشطين في المجتمع المدني، نركز على تعادل فرص العمل لجميع المواطنين، ذكوراً وإناثاً،
ونشدد على عدم التمييز على أساس الجنس، وهذا من ضمن المطالبات الأساسية التي نسعى إليها».
فريال موسى: لا خيارات للفتيات
فريال موسى مُحاسبة في إحدى الشركات، وقد عانت الكثير بسبب تدني الأجور، علماً أنها مُجازة في المحاسبة وتتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال. تقول فريال إن معظم أرباب العمل يفضّلون توظيف الإناث بدلاً من الذكور، لأنهم يستضعفونهن ويتحكّمون بهن من خلال تحديد أجور متدنية لهن ودوامات عمل قاسية وفرض شروط قد لا يقبل بها الرجال فيما لو كانوا مكانهن. كما أن غالبية الشركات تحدد في إعلاناتها حاجتها الى موظفات عازبات، لأن الفتاة العازبة لا تكون مسؤولة مادياً عن عائلتها إلا في حالات نادرة، ولا تحتاج بالتالي الى إجازات عمل مرضية أو أمومة كالمرأة المتزوجة، فتقبل براتب أقل بكثير مما يطلبه الشاب الذي يُعد معيلاً لأسرته. وتوضح فريال: «لا خيار للفتاة، لأن فرص العمل في البلد شبه معدومة، مما يضطرها إلى القبول بالحد الأدنى للأجور، الذي يرفضه الشاب بشدّة، والسكوت عن الظلم الواقع عليها. وحتى لو طالبت الموظفة بحقها أو بزيادة راتبها، فسيُقابل طلبها بالرفض، وقد يكون مصيرها الطرد أحياناً بذريعة الوضع الاقتصادي المتردي وضيق الأحوال المادية»… مؤكدةً: «رغم إخلاصي لعملي، اضطررت الى التنقل بين أكثر من مؤسسة بسبب استغلال رب العمل لجهودي ووقتي وعدم منحي الراتب العادل الذي يتناسب مع خبرتي وجودة العمل الذي أقدمه. ومع الأسف، أينما ذهبت، أواجه المشكلة نفسها. وعلى ما يبدو، لا حل يلوح في الأفق، ولا أمل في تحصيل حقوقي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلد، مما يضطرني إلى الرضوخ للأمر الواقع وعدم التمرد أو الثورة على الظلم اللاحق بنا كفتيات، لأن لا خيار آخر أمامنا، في ظل فرص العمل النادرة ومنافسة اليد العاملة الأجنبية».
نورا هدبا: رواتب زهيدة وكفاءات مهمّشة
نورا هدبا موظفة في إحدى شركات برمجة الكومبيوتر، وهي مُجازة في المعلوماتية وبرمجة الكومبيوتر، وعانت كثيراً من ضآلة فرص العمل وتناسب الأجر مع الوظيفة. منذ تخرّجها في الجامعة، ونورا في حال بحث دائم عن مؤسسة تقدّر شهادتها العلمية وتحترم جهودها وخبرتها في العمل، إذ كانت تُفاجأ على الدوام بأن الراتب أقل بكثير مما تستحقه الوظيفة التي تمارسها، فأي شاب سيكون مكانها لكان تقاضى راتباً أعلى بكثير مما كانت تتقاضاه، ولما كان قبِل أساساً بالعرض المقدّم الذي قبلت به هي، لأنه لن يتمكّن أبداً من شراء منزل وتكوين عائلة براتب متدنٍ. تقول نورا: «كنت أقبل بالوظيفة على أمل أن يختبر المسؤولون في الشركة عملي وجدارتي ويقدّروا خبرتي وجهودي، ولكنني كنت أفاجأ بعد مرور أشهر عدة بأنهم يوظفون شباناً جدداً ولا يملكون خبرة بنفس راتبي أو يفوقه أحياناً، مما كان يضايقني ويُشعرني بالغبن. وعندما أثور وأطالب بحقي، كنت أواجه بالرفض وعدم التجاوب، لذا تقدمت باستقالتي من مؤسسات عدة وحاولت البحث عن عمل خارج البلاد ولكن بلا جدوى، لأن غالبية المؤسسات تعمل على ما يبدو بمفهوم واحد ومنطق قائم على التمييز والإجحاف».
لم تيأس نورا ولم تستسلم، بل كافحت وصبرت وانتظرت حتى وجدت فرصتها بالعمل في مؤسسة تقدّر جهودها وتعاملها بمساواة مع زملائها من الذكور، وهي اليوم راضية بنسبة 80 في المئة عن عملها وراتبها، وتأمل أن يتحسن الوضع الاقتصادي في البلد فتتحسن معه الأجور… فالفتيات والشبان يعيشون الأزمة نفسها، ولا فارق بينهما من حيث الكفاءة والعطاء وتحمل المسؤولية، والجميع يريد أن يؤسس عائلة ويبني مستقبلاً واعداً، وهذا حقه الطبيعي».
عبير غزاوي نابلسي: لا فرص عمل جيدة وهذا أفضل الموجود
عبير غزاوي نابلسي سيدة متزوجة تهتم وزوجها بتربية أولادهما وبناء مستقبل مشرق لهم، وقد عملت منذ أن تزوجت في مؤسسات كثيرة، واكتسبت خبرة في مجال عملها. تقول عبير: «عملت في مؤسسات عدة، وخبِرت العمل مع أرباب عمل كثر، ولمست كم يحبون استغلال الموظف وممارسة الإجحاف في حقّة، خصوصاً العنصر النسائي.
كنت أعمل طوال النهار وأترك عائلتي لأتفانى في عملي، ولما كنت أطلب زيادة في الأجر أو إجازة مرضية أو حتى فرصة لدواعٍ عائلية، كنت ألقى منهم التذمر وعدم الرضا، علماً أنني كنت أقوم بعمل موظفين وأتقاضى أجراً زهيداً لا يمكن أي شاب القبول به. كنت أوافق على مضض لأنني أساعد زوجي في مصروف المنزل، مما كان يزعجني ويُشعرني بالظلم، ولهذا تخليت عن العمل في المؤسسات وحاولت تأسيس عمل حر، إلا أنني واجهت مشاكل بسبب الركود الاقتصادي في البلد، ولكوني أيضاً امرأة متزوجة ومسؤولة عن عائلة، فالمؤسسات المستقلة تحتاج الى دوام عمل كامل والى التضحية، وهذا ما لا تقدر عليه المرأة المتزوجة بمفردها».
لم تستطع عبير التكيف مع الأعمال التي تتحكم بدوامها وتسرقها أوقاتاً طويلة من عائلتها، لذا توظفت أخيراً في مؤسسة تتناسب مع متطلباتها، وهي اليوم شبه راضية عن عملها، وأكثر ارتياحاً، خصوصاً أنها تتمتع في هذه المؤسسة بمخصصات ضمان وحوافز وإجازات عمل قانونية خلافاً للمؤسسات السابقة التي عملت فيها. أما بالنسبة الى الراتب فتقول: «رغم أن راتبي أفضل نسبياً، ولكنني ما زلت أجده متدنياً مقارنة بالأجور التي يتقاضاها الشبان الذي يمارسون وظيفتي نفسها، ومع ذلك أنا راضية عن وضعي لأن لا فرص عمل جيدة في البلد، وهذا أفضل الموجود بالنسبة إليّ».
أحدث التقارير المتعلقة بالمساواة في الأجور في المنطقة العربية
قد يبدو مفهوم «مساواة الأجور بين النساء والرجال» مفهوماً حديثاً، إلا أنّ «منظمة العمل الدولية» أقرّته عام 1919 في دستورها كركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية. أصدرت المنظمة إعلانات متعددة لتكافؤ الفرص والقضاء على التمييز. إلا أن عام 1951 شهد الاتفاقية الرقم 100، أول اتفاقية حول المساواة في الأجور اعتُمدت عقب الحرب العالمية الثانية بعدما بدأت النساء يتبوّأن مناصب عدة خلال الحرب. وافقت على هذه الاتفاقية معظم الدول العربية الأعضاء باستثناء البحرين والكويت وعمان وقطر. أما الاتفاقية الرقم 111 (1958) «فتحظّر أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على أسس عدة منها الجنس»، وقد أقرّها أكثر من 90% من الدول الأعضاء في المنظمة.
ترى «منظمة العمل الدولية» أن «الفجوة بين الجنسين» مؤشر لقياس اللامساواة في الأجور بين الرجل والمرأة، وهي تُقدّر في العالم بنسبة 22,9%، إلا أنها تجاوزت الـ40% في عدد من دول آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب الدليل التعريفي حول المساواة في الأجور الذي أصدرته المنظمة عام 2013.
لكنّ نتائج التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين والصادر عام 2013 عن المنتدى الاقتصادي العالمي، كشف أن الفجوة قد تقلّصت بشكل طفيف على المستوى العالمي بسبب التحسّن الملحوظ ولو غير الشامل للمساواة الاقتصادية والمشاركة السياسية بين الجنسين. وكانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنطقة الوحيدة التي أحرزت تقدّماً ملحوظاً في تصنيفها لعام 2013. ويعتمد هذا التصنيف الذي شمل 136 دولة على معايير اقتصادية وسياسية وتعليمية وصحية. وقد حققت الإمارات العربية المتحدة أعلى ترتيب في المنطقة وحلّت في المركز الـ109، في حين حلّت البحرين في المركز الـ 112 وقطر في الـ 115 وسورية في المرتبة 133 واليمن في المرتبة الأخيرة الـ136.
ورغم هذا التطوّر، ما زالت هذه المنطقة تشهد أدنى مشاركة للمرأة في قطاع العمل في العالم بنسبة 26%، وما زالت المعايير الاجتماعية التمييزية والقوانين والممارسات في قلب اللامساواة بين الجنسين في الوطن العربي، وفق مقال نشر في مجلة الدراسات النسائية العالمية Journal of International Women>s Studies عام 2011 حول أهداف الألفية الإنمائية، ومن بينها تعزيز المساواة بين الجنسين.
تعاني المرأة مختلف أشكال التمييز كالحقّ في منح الجنسية لأطفالها وحقّ التعليم وحقّ الزواج وجرائم الشرف، بالإضافة الى التمييز في العمل والرواتب. ووفقاً للمقال حول أهداف الألفية الإنمائية، تحقّق النفاذ إلى التعليم العالي في عدد من الدول العربية على غرار الإمارات العربية المتحدة وليبيا، ولكن في دول كالسودان واليمن والمغرب لا تُشكّل النساء إلا 10% من مستويات التسجيل.
وعلى الرغم من تحسّن تعليم النساء، تبقى معدلات بطالة النساء في المنطقة العربية أعلى بكثير من أي منطقة أخرى في العالم. وتشهد دول مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية، قطر، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، عمان) أعلى معدلات تعليم النساء، إلا أنها تسجّل أعلى نسبة بطالة في المنطقة العربية، ولا سيّما بسبب المعايير والممارسات الاجتماعية التي تفضّل بقاء المرأة في المنزل.
تتميّز المنطقة العربية أيضاً بفجوة الرواتب بين الجنسين (في ما يتعلّق بممارسة الوظيفة ذاتها). بحسب مؤشر الرواتب العالمي 2013، تتقاضى النساء في موريتانيا 43% من راتب الرجال، وفي السعودية 56% (إلا أن إحصاء أجراه المركز العام للاحصاءات والمعلومات في المملكة كشف أن المرأة تتقاضى 20% فقط أقلّ من الرجل)، وفي المغرب 57% وفي الجزائر 58% وفي لبنان 61% وفي اليمن 65% وفي الكويت 66% وفي الأردن 68% وفي البحرين 69% (إلا أن الأرقام مختلفة وفق مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين لعام 2011، وتشير إلى أن راتب المرأة أعلى من الرجل بنسبة 10% في القطاع العام وأدنى بـ30% في القطاع الخاص). أما في الإمارات، فتتقاضى النساء 74% من راتب الرجال، مقابل 77% في مصر وقطر، و79% في عمان.
قد يصعب تفسير فجوة الرواتب بين الجنسين، ولا سيّما في الدول المتطوّرة حيث نالت المرأة معظم حقوقها، لكنّ بعض الأسباب تبدو بديهية بالنسبة الى منظمة العمل الدولية في دليلها التعريفي عن المساواة في الأجور. ويعتبر اختلاف التحصيل العلمي بين الرجال والنساء من أبرز الأسباب. فعلى الرغم من أن معظم الدول العربية قد ردمت الهوة في التعليم، فما زالت المرأة تقضي سنوات أقل على مقاعد الدراسة، لأن تعليم الفتيات يُعدّ أقل فائدة اقتصادية من تعليم الصبيان في بعض الدول، ولأن غالباً ما تمكث النساء في المنزل لتأدية الواجبات المنزلية.
ومن الأسباب الأخرى، اختلاف الخبرات المهنية، لأنّ النساء كثيراً ما يتوقّفن عن العمل لتربية أطفالهنّ على الرغم من أن عدد هؤلاء النساء إلى تراجع. ويعدّ الفصل المهني سبباً آخر، لا سيّما أن النساء في كل أنحاء العالم يعملن في قطاعات محدودة، غالباً هي متدنية الأجر. كما أنّ تمثيل المرأة لا يزال ناقصاً في المناصب ذات الأجر المرتفع. بالإضافة إلى أن النساء كثيراً ما يخترن الوظائف المرنة أو ذات الدوام الجزئي أو العمل المستقّل الذي يوفّر لهنّ فرصة التوفيق بين مسؤولياتهنّ المهنية والشخصية.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتقليص الفجوة في الأجور بين الجنسين، تشكّل هذه الظاهرة مشكلة عالمية حتى في الدول التي تمّ الاعتراف فيها بالمساواة في القوانين والممارسات.
لا شكّ في أن الحكومات العربية لا تبذل ما يكفي من الجهود لوقف التمييز على أنواعه ضد المرأة، لا سيّما في ما يتعلّق بالأجور. ومن الدول العربية القليلة التي تسعى إلى تحقيق الإنصاف في الأجور، الأردن الذي أنشأ اللجنة التوجيهية الوطنية الأردنية للإنصاف في الأجور عام 2011 بدعم من منظمة العمل الدولية. وتشمل اللجنة ممثلين عن نقابات العمال والجمعيات المهنية والمجتمع الأهلي والهيئات الحكومية وغرفة التجارة والصناعة وممثلين عن القطاع العام والخاص ووسائل الإعلام. وقد حصلت اللجنة على صفة رسمية من خلال مرسوم وزاري صدر في أيار/مايو 2013.
الفجوة على الصعيد العالمي
في دراسة جديدة، نُشرت أخيراً من جانب جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، تبين أن الاكتئاب والقلق لدى النساء العاملات، قد يكون سببه عدم المساواة بين الجنسين في سوق العمل وخارجه.
ورغم كل الجهود التي تبذلها المنظمات النسوية التي تهدف إلى تحسين وضع المرأة، فقد أظهر تقرير المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2015، أنه لم يتم سد سوى 4% من الفجوة بين الرجال والنساء في القطاعات الصحية والتعليمية وإتاحة الفرص الاقتصادية والتمثيل السياسي في غضون السنوات العشر الماضية. ومن النواحي الاقتصادية، فقد سُدت الفجوة بنسبة 3% فقط بسبب المماطلة الملحوظة في التقدم نحو تحقيق المساواة في الأجور ومساواة القوى العاملة منذ 2009 / 2010.
خلُصت دراسة بتكليف من وزارة العمل في الولايات المتحدة، إلى أن «هناك اختلافات ملحوظة في سمات الرجال والنساء، وأن هذه الاختلافات هي المسؤولة عن نسبة كبيرة من الفجوة في الأجور. وقد خلُص التحليل الإحصائي، الذي يتضمن هذه المتغيرات، إلى نتائج تشير إلى أن هذه المتغيرات مجتمعة هي المسؤولة عن نسبة تراوح ما بين 65.1 و76.4 في المئة من الفجوة الأولية في الأجور بين الجنسين والتي تبلغ نسبتها 20.4 في المئة، ومن ثم، فهي تترك فجوةً معدلةً في الأجور بين الجنسين تراوح ما بين 4.8 و7.1 في المئة». وخلُصت الدراسة أيضاً إلى أنه على الرغم من أن جزءاً كبيراً من الفجوة في الأجور يمكن أن يفسر مبدئياً كنتيجة للاختلافات بين المجموعات، إلا أن البيانات اللازمة لتفسير العوامل الإضافية لم تكن متوافرة.
في الوقت الذي تتفق فيه استنتاجات الدراسة التي تمت بتكليف من وزارة العمل في الولايات المتحدة بشأن الفجوة المعدّلة في الأجور بشكل عام مع البحوث الأخرى، هناك عدم اتفاق على العوامل التي تفسر النسبة المتبقية التي تراوح ما بين 5-7%. وتؤكد بعض الدراسات أن الفجوة المتبقية ترجع إلى التمييز، في حين يخلُص البعض الآخر، مثل الدراسة السالفة الذكر التي أجرتها وزارة العمل، إلى خلاف ذلك. ويعتقد العديد من الباحثين أن الاختلافات بين الخيارات التي يقوم بها الرجال والنساء هي في الواقع نتيجة للتمييز أو الضغوط الاجتماعية، حيث يتم إحباط همم النساء عن الدخول في المجالات ذات الأجور العالية، ويتم احباط همم الرجال عن عمل اختيارات معينة مثل جعل الرضا الوظيفي أولوية تفوق الأجر.