الحل دوت نت- انتشرت إعلانات الحاجة إلى موظفين بكثرة الفترة الأخيرة بالعاصمة دمشق، وريفها، وخاصة مع عودة الكثير من المنشآت الصناعية والتجارية للعمل بعد فترة توقّفٍ بسبب الاشتباكات، بالتوازي مع فقدان نسبة كبيرة من الأيدي العاملة خلال فترة الحرب سواء بالهجرة أو الموت أو سحب الإحتياط.
وفي جولة لموقع “الحل” على أسواق دمشق، مثل باب توما والقصاع، والحريقة والحميدية، والصالحية، إضافة إلى شوارع العاصمة كشارع الثورة والبرامكة، والمولات، وبعض شوارع الريف الحيوية كشارع جرمانا العام، لوحظ انتشار كثيف لطلبات الموظفين وخاصةً للإناث.
نظرة مختلفة
سابقاً، كانت تدور العديد من الشكوك حول الإعلانات التي تطلب موظفاتٍ دون خبرة، لكن القضية اليوم “منطقية وتخضع للظروف المفروضة” كما يقول أحد أصحاب الكافتيريات في المرجة وسط دمشق، ويقول “سابقاً، كنا نعتمد على الذكور في العمل، لكن لم يتبقَ من العمال أحد، بعضهم سافر والآخر سُحب لخدمة الإحتياط، وكنا أمام خيارين، إما التوقف عن العمل، أو ايجاد حل بديل”.
وتابع “قبل الحرب، لم يكن هناك الكثير من الفتيات يقبلن العمل في كافتيريا وخاصةً بمنطقة مثل المرجة، لكن اليوم الوضع مختلف، فالكثير من النساء والفتيات يقمن بإعالة عائلتهن”.
ميادين جديدة
بدأت المرأة السورية تخوض غمار العمل، في ميادين لم تكن مقبولةً سابقاً سواء للعادات والتقاليد، أو لعدم حاجة ذويها لمدخول إضافي يجبرهم على تشغيلها، فيمكن اليوم أن يدخل الدمشقيون إلى مطعم أو كافتيرا أو محل ملابس أو سوبر ماركت، كل العاملين فيه من النساء، إضافةً إلى نساء آخريات يقفن على الإشارات وأمام الأفران لبيع الخبز، في مشهدٍ كاد أن يصبح اعتيادياً.
وكشف أمين شؤون العمل وعضو المكتب التنفيذي باتحاد العمال السوري (حيدر حسن) عن تعيين حوالي 8 نساء كسائقات باصات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بعد أن شهدت مسابقة التوظيف تقديم طلباتٍ من النساء فقط.
ونشر أحد مطاعم الشاورما منذ أيام، إعلاناً لترقّب افتتاحه، لكن بحلّةٍ ربما لم تشهدها سوريا سابقاً، باعتماده على كادر نسائي بالكامل، من عاملة السيخ حتى عاملة التنظيف.
وجاء في إعلان “شاورما على بالك” في أبو رمانة، أن تجربته ستكون جديدة ومميزة للشاورما، وستوزع ساندويتشات مجانية على الحضور في اليوم الأول، وربما هذا الإعلان “النسائي” مع الشاورما سيكون نقطة جذبٍ للكثيرين، وعاملاً مساعداً في زيادة أرباح المحل باستغلال حاجة الفتيات للعمل، كما استغله آخرون.
ووضع أحد محلات الألبسة في مول “شام ستي سنتر” اعلاناً يطلب موظفات، على أن يكون دوام العمل من 11 صباحاً حتى التاسعة ليلاً مقابل 40 ألف ليرة سورية فقط، أي أقل من 100 دولار في الشهر.
لم تكن الغاية من عمل النساء الربح فقط، فالأمر مختلف بالنسبة للحكومة السورية في دمشق، التي تعاني من عدم توفر الرجال، وصرح مدير مالية دمشق (محمد عيد) مؤخراً، حول التحصيلات الضريبة، أن “هناك مشكلة تعوق التحقيقات الضريبية، مرتبطة بعدم توفر الكادر الوظيفي، ففي دمشق هناك 73 منطقة جباية شاغرة من أصل 143 منطقة، أي نحو النصف، وذلك لعدم وجود عددٍ كافٍ من الجباة، حتى بعد الإعلان عن مسابقة للتعيين، فقد كان أغلب المتقدمين من النساء”، على حدّ قوله، وهو ما يؤكّد انخفاض عدد الرجال في سوريا.
غير مرغوب بالشباب
عدى عن شحّ الأيدي العاملة من الرجال، فإن أغلب المنشآت والفعاليات التجارية لم تعد تفضلهم للعمل حتى لو توفروا، بحسب أحد أصحاب محلات فروج البروستد في دمشق، الذي قال “بدأت أفكر فعلياً بالبحث عن سيداتٍ للعمل في المحل، فلم يستقر شابٌ في العمل أكثر من 6 أشهر، منهم من هاجر ومنهم من سُحب إلى الخدمة في الجيش النظامي”.
وتابع التاجر، “أعاني من عدم استقرار، فبعد هجرة أول طاقمي عمل في المحل، لم يستقر ولا طاقم آخر خلال 3 سنوات، وهذا غير مجدي، كلما تعلّم أحدهم الكار، فقدته”.
يقاطعه الرأي أحد أصحاب مكاتب التصميم الإعلاني، وهو يعمل في مكتبٍ 80% ممن يعملون فيه من النساء، ويقول “نبحث عن خريجين جامعيين شباب للعمل، لكن دون جدوى، فمن يتخرج من الجامعة يفضّل السفر وعدم البقاء، ومنهم من يلتحق بالجيش فور تخرجه، ومن الصعب جداً أن تصادف وحيداً أو معفى من الخدمة، ماجعل الإعتماد على الكادر النسائي حلاً أمثل”.
وبحسب اتحاد نقابات العمال، فإن 90 % من المؤسسات تعاني نقصاً مابين 30 – 40 % في الأيدي العاملة بسوريا، بينما زادت نسبة عمالة المرأة بشكلٍ كبير نتيجة الوضع الراهن.