نادية خلوف/الحوار المتمدن- يمكن أن نغيّر العالم. يمكن لشخصٍ أن يغيّر العالم. انطلقت حملة “METOO# مي تو” بهاشتاغ أطلقته امرأة فتجاوب معها في اليوم الأول نصف مليون امرأةً وبدأ بعدها العد التنازلي لسلطة المتحرّشين، وقلةٌ منهم من النساء آخرهم لوتا برومي العاملة في برنامج مهم في راديو السويد، والتي تركت عملها تحت مزاعم التحرّش الجنسي، ولا زالت هيئة العمل ومنذ شهر تناقش قضيتها.
لفترةٍ طويلة، عرفت معظم النساء التحرّش الجنسي والاعتداء، ولكنها المرة الأولى التي تتحدث فيها علناً. نتحدّث عن الحملة في عالم غربي تحكمه قوانين المساواة، ولو تطرّقنا لعالمنا لاحتاج الموضوع لمتخصصين في العلوم النفسية والإنسانية، والتحرّش يشعر المرأة بالعار، وهو شيء تخجل من الاعتراف به. وحتى لو اعترفت به في سورية مثلاً سوف تكون هي الخاطئة، علماً بأنّ البيوت التي يدخلها ضبّاط الأمن كأصدقاء للعائلة يكون الضباط متحرشين لكن العائلة سعيدةٌ بهم.
بالنسبة لي لم أكن أتصوّر حقيقةً أن الكثير من النساء تعرّضن للإكراه الجنسي أو التخويف؛ كنت أعتقد أن الاغتصاب هو بسبب الظروف التي تضع المرأة نفسها بها، وإذ هو كالحكم الدكتاتوري له علاقة بالتسلط والابتزاز.
يقول جينس ليلجيستراند الكاتب ومساعد رئيس تحرير صفحة الثقافة في صحيفة اكسبرسن السويدية “أن هناك نقلة نوعية عندما ينتقل العار من الضحية إلى الجاني وإلى من يحميه”. وقد قال هذا بمناسبة اتهام ثمانية عشر امرأةً كنّ طالبات في الأكاديمية الموسيقية، وتمّ التحرّش بهن من أستاذٍ معروف، وتقول الصحيفة أن الجميع تقريباً في عالم الموسيقى الكلاسيكية يعرف من هو. ومن غير المحتمل أن يكون الزملاء في الدورات التي عمل فيها لا يعرفون شيئاً. إنه عالم صغير، ومع هذا فقد انضم العام الماضي إلى لجنة المُحلَّفين في مدرسة ستوكهولم للأوبرا. واحدةٌ من أغلى برامج الدولة في السويد.
إذن ليس المنتج هارفي وينشتاين هو المعني فقط؛ ولكن الأكاديمي الموسيقي السويدي، حيث كتبت أحدى طالباته: ” النساء الثمانية عشر الذين يشهدن على ما هو مجرد جزءٍ صغيرٍ من النساء الذين ضايقهنّ الرجل على مر السنين. ما يجعلني أكثر حيرةً هو أن هذا استمر على الرغم من حقيقة أن الناس في هذه الصناعة يعرفون ذلك. لقد تمكّن شخصٌ على مدى عقود من استخدام نفوذه في العالم الأدبي لاستغلال النساء، وأجسادهن وطموحاتهن”.
وقد شاركت 4000 صحفية سويدية بتسجيل شهادتهن حول التحرّش الذي تعرضن له في حملة أطلقن عليها “#deadline”. وترى مديرة الإذاعة السويدية أنه شيءٌ جيد أن تتحد النساء من كل القطاعات وتعرب عما بداخلها.
أتحدث عما يجري في مكان إقامتي وأتابع ما يجري حول هذا الموضوع باهتمامٍ كبير، والمحكمة الأوروبية في طريقها لسنّ القوانين حول التّحرّش، وأهم ما في الموضوع بالنسبة لي هو التّخلص من مقولة أن الفنّ والأدب ليس له علاقة بالحياة الشخصية، وإذ بالإنسان لا يمكن أن يفصل نفسه عن قيمه، وها هي النساء في الغرب تقود حملةً سيكون تأثيرها ليس فقط على قوانين التحرّش، ولكن على كشف الفساد داخل المؤسسات، ومن خلال استبعاد مقولة أنّ الإنسان في الإبداع شيءٌ وفي القيم شيءٌ آخر، فالإنسان لا يتجزأ، وعندما يخسر مستقبله وماضيه كونه استقوى على امرأة واغتصبها سوف يكون قد أخذ عقابه الطبيعي.
أعتقد أن هذه الحملة سوف يكون لها نتائج إيجابية على المرأة في العالم، ولكنها لا تصلح للواقع في العالم العربي، حيث قانون إباحة تعدّد الزوجات وقانون الأحوال الشخصية، والتحرّش والاغتصاب المقنّع تحت أسماء متعددة، ولكنّ نتائجها سوف تنعكس إيجاباً على المرأة العربية، وتقوم بحملة لاستبدال قانون الأحوال الشخصية بقانونٍ مدني، ولا يمكن أن تبقى المرأة حتى في العالم الثالث رهينة الفقر والتخلف.