جمانة حداد/mc-doualiya- منذ بضعة أيام، وتحديداً في الثامن من شهر أيلول/سبتمبر، صادف اليوم العالمي لمحو الأمية، الذي كانت حدّدته منظمة اليونيسكو، منذ عام ١٩٦٦، مناسبةً للتذكير بأهمية هذه المسألة. فتذكّرتُ، على المستوى الشخصي، الكنوزَ التي منحتني إياها القدرةُ على القراءة والكتابة، لا بل كيف صنعتني هاتان القدرتان وجعلتاني المرأة والإنسانة التي أنا عليها اليوم.
لكني تذكّرتُ أيضاً، على المستوى العام، كم هناك من الجهلاء حولنا ممّن يتقنون القراءة والكتابة. هم موجودون في مجال السياسة.. في مجال الصحافة.. في مجال الأدب.. في مجال الأكاديميا، وفي كلّ ما يتعلّق بالشأن العام. أستمع إليهم أو أقرأ كلماتهم وأفكّر: يا ضيعان هذه النعمة، نعمة اللغة، عليهم. يهدرونها على الكذب.. على الافتراء.. على النميمة.. على الشتائم.. على غسل الأدمغة.. على الشرّ.. على تخويف الناس.. على التلاعب بعقول الناس.. على التفرقة بينهم…
أجل، في المعنى العام، المتعارف عليه، الأُميّة تعني العجز عن القراءة والكتابة. ولكن في المعنى الأكثر عمقاً، نقيض الأُميّة هو التنوّر.. هو الوعي.. هو الإنسانية.. هو الأخلاقيات.. هو المعرفة التي لا تقتصر على التهجئة بل تتخطاها الى الفهم والتحليل والقدرة على التمييز والاختيار وقبول الاختلاف.
فكم من أُمّي في هذا المعنى يا ترى في لبنان؟ لا بل في العالم العربي؟ لا بل في العالم أجمع؟
كم من أصحاب الشهادات العليا والمناصب الكبرى الذين لا يزالون أُميين على مستوى الفكر والرقي والانفتاح؟
في مناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، أتمنى ما هو أكثر من أن يملك كل إنسان على هذه الأرض هبة القدرة على القراءة.
أتمنى أن نمحو من الوجود أمية التطرّف، والقمع السياسي والفكري، والتمييز الجنسي والجندري والعرقي والطبقي، وسواها من أشكال الظلم.
وأتمنى، خصوصاً، أن نمحو أمّية الطائفية من لبنان.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.