بريرنا سنج/ ترجمة وفاء (feministconsciousnessrevolution)- علاقتنا مع أجسادنا هي علاقة شائكة وصعبة. يستغرق الموضوع وقتاً طويلا لمعرفة كيف تعمل في المساحات العامة والخاصة. حتى أنها تصبح مساحات متنازع عليها، حيث تخضع أجساد النساء للمراقبة المستمرة، في الأماكن العامة والخاصة وفق النظرة الذكورية.
ومن بين آلاف المشاكل التي تهدد استقلالية أجساد النساء، نجد فكرة خرافة الجسد “المثالي الجميل والمرغوب”. وتصور الجمال وفق معايير المركزية الأوروبية، حيث تصبح المرأة الجميلة هي امرأة بيضاء رشيقة الجسم، ذات شعر طويل، من دون أي ندوب أو علامات، ويتم تعزيز هذه الفكرة بإستمرار وبأشكال مختلفة.
تُشييء النساء بناءً على مظهرهن ويدفعن للسعي وراء الجسم والشكل “المثالي”، مما يولد لديهن رقابة متسمرة على أجسادهن، وانعداما للثقة بالنفس والتي تسبب مشاكلا عقلية واضطرابات في الأكل. فالمراقبة المستمرة لأجساد النساء والضغط عليهن ليظهرن بشكل معين يجردهن من تحكمهن بأجسادهن ويشكلها وفق التصور الأبوي لمايجب أن تكون عليه المرأة.
تلعب العديد من وسائل الإعلام، وخاصة الأفلام والإعلانات، دورًا مهمًا للغاية في إظهار أنواع معينة من النساء – النساء اللواتي يتناسبن مع تعريف “الجمال”. فالعرض المستمر لفكرة المرأة “الجميلة” يجعلها تسعى لأن تصبح هذه الصورة “المثالية ” التي تعزّزها وسائل الإعلام، وهو مايجعل المرأة تكره جسدها لأنه لا يشبه ما تراه في الثقافة الشعبية والمرئية.
ظهرت حركة جديدة تعرض صورة مغايرة لفكرة المرأة “المثالية” على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي حركة “النظرة الإيجابية للجسد”. الشعار وراء الحركة هو أن جميع الأجسام جميلة، والسمنة ليست “قٌبحاً”، وأن الصحة لا ترتبط بالضرورة بوزن الجسم. وبالتالي، فإنها تهدف إلى طرح فكرة طبيعية وحقيقية حول كيف تبدو المرأة، وتعزز ثقافة حب الذات وصورة الجسد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. قدمت هذه الحركة، مفهوم “أحِبي جسدكِ”، بهدف تشجيع النساء على محبة أجسادهن، بغض النظر عما يخبرهن به المجتمع عنها.
ورغم أن هذا كان تغييرًا مرحبًا به وأعطى للمرأة مساحة آمنة للتعبير عن جسدها ومحبته، إلا أن حب أجسادنا ليس حلاً لمشكلات صورة الجسد.
بغضّ النظر أن حركة “النظرة الإيجابية للجسد” قد تم اختراقها بالكامل من قبل المشاريع الرأسمالية لبيع منتجاتها، فإن “محبة الجسد” هو جانب من الخطاب الإيجابي الذي يضع ضغط التعامل مع قضايا وشكل الجسد على المرأة نفسها. وهو ما يشتت التركيز عن حقيقة أن قضايا شكل الجسد لدى النساء (والرجال) متجذرة بعمق في الأنظمة الأبوية والرأسمالية التي تعمل معاً.
ففي الوقت الذي يعمل فيه النظام الأبوي على إبقاء النساء تحت الضغط المستمر والمخاوف من المظهر “المرغوب فيه”، فإن الرأسمالية تستغل وتستفيد من تلك المخاوف.
وصف ميشيل فوكو الأجساد بأنها “طيّعة”، وتُشكل من خلال القوة وتعمل كمسارح تُدرج عليها التسلسلات الهرمية والمعايير الثقافية. وبيّن البحث النسوي كيف يتم اخضاع أجساد النساء إلى الامتثال لمعايير معيّنة حول الجنسانية والشكل. تتحوّل القوة هنا إلى الأفكار الجمالية – الجسم النحيف، واللون الفاتح، والشعر الطويل، والجسم الخالي من الشعر – التي تنتج عن الرغبة والنظرة الذكورية، وتتحوّل إلى قاعدة لما يُعتَبَرُ جذّاباً ومرغوباً فيه.
فإلى جانب كونها “مواقع لرغبة الذكور”، تخضع أجساد النساء باستمرار للامتثال لأسطورة “الجمال” كوسيلة للسيطرة عليهنّ وممارسة السلطة على أجسادهنّ.
إن المفهوم الواسع الإنتشار لمعايير الجمال الغربية هو نتيجة للرأسمالية العالمية، التي باعت للنساء فكرة “المرأة المثالية”، التي لايمكن تحقيقها، وبالتالي تعيش النساء المزيد من المشاكل مع أجسادهنّ ثم تستفيد الرأسمالية والنظام الأبوي مرة أخرى من تلك المخاوف.
حلقة مفرغة يُسهّلها الإعلام من خلال الإعلانات والأفلام والبرامج التلفزيونية ومنصات عروض الأزياء وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، تتغذّى هذه الدوائر على قضايا “شكل الجسد” التي تنبع من الاستياء المستمر والإحباط من عدم “المثالية”.
منتجات التجميل والنظام الغذائي هي بعض من أكبر الأمثلة على النظام الرأسمالي والأبوي الذي يستفيد بشكل مباشر من انعدام الأمن والثقة لدى النساء، فإدامة “شكل معيّن بإسم “العرف”، يصبح جزءاً من الأسرة والحياة الاجتماعية.
لا تؤثّر مشاكل شكل الجسد على الصحة العقلية للنساء فحسب، بل لها أيضاً تأثيرات بعيدة المدى على حياتهنّ الاقتصادية والاجتماعية. فالنساء الممتلئات يواجهن صعوبات في الحصول على عمل، خاصةً في الوظائف المتعلّقة بالفنون والتمثيل، لأنهنّ يُعتَبَرن “غير صحيّات”. تعاني هاتيك النساء أيضاً من الكثير من التحيّز في الخدمة الطبية حيث يُطلب منهنّ في معظم الأحيان “فقدان الوزن” لعلاج المشاكل الصحية، مما يؤدّي بهنّ إلى عدم الحصول على العلاج المناسب.
في بلدٍ مثل الهند، يُعتَبَرُ لون البشرة علامة مهمّة على “الطبقة” ويصبح الأساس لكثير من التمييز والعنف الطبقي. إذا كانت بَشَرَتُك فاتحة فهذا دليلٌ على كونك “ناجحاً” لأنها علامة على “الطبقة العليا” والمعايير الإستعمارية للجمال.
تتعرّض النساء بإستمرار للسخرية بسبب مظهرهنّ، حيث يبدو شكلهنّ علامةً مهمّة على هويتهنّ، وليس عملهنّ أو مهنتهنّ أو إنجازاتهنّ، ويصبح التمييز أكثر حدّة عندما يتعلّق الأمر بأجساد العابرين والعابرات جنسياً و/أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
وهنا تكمن مشكلة أخرى في تركيز الحركة الإيجابية للجسم على “حبّ الذات” و “حبّ الجسد”. مشاكل شكل الجسد لا تتعلّق فقط بكراهية جسمك؛ بل بنظامٍ متجذّر بعمق يستفيد من انعدام الأمن لدى النساء، وهو جزءُُ من جميع جوانب حياتنا. هذا لايعني أن هناك أي خطأ في حبّ الجسد، فهو إلى حدٍّ ما يكسر الحلقة المُفرَغة للربح الرأسمالي، التي تعوّل على مشاكل شكل جسد المرأة. إذا كنتِ تحبّين جسمك، لن يستطع أحد دفعك للإعتقاد أنكِ غير كاملة وبالتالي لن تشتري المنتجات التي يحاولون بيعها. ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن يحبّ جسده طوال الوقت، فهذا يتحوّل مع الوقت لاستنزاف عاطفي. في بعض الأحيان لا تحبّين جسدك، وهذا لا يعني أن للرأسمالية والأبوية الحقّ في الاستفادة منه.
وكردٍّ على الحركة “الإيجابية للجسد” وضغطها المستمر على حبّ الذات، ظهرت حركة “حيادية الجسد”، وهي حركة تجديدية تبحث في إنجازات المرأة التي لا علاقة لها بمظهرها. وتُبعد التركيز تماماً عن جسد المرأة. وتركّز في المقابل على فكرة أن الجسد لا يحدّد قيمة الشخص، وتُعطي مساحة للأشخاص الموجودين والموجودات على الهامش، دون الضغط عليهنّ بخطاب محبّة الجسد.
بالرغم من أنها حركة مهمة، ولكن هناك حاجة إلى البحث المستمر حول اتجاهاتها ومن يستفيد منها. فمن الصعب أن تكون “محايداً” تجاه الجسد عندما يخضع بإستمرار للمراقبة ويتعرّض للتمييز.
من السهل أن تكون الأجساد الرفيعة محايدة أكثر من الأجساد الممتلئة، لأن كونك “ممتلئة” يصبح جانباً ثابتاً من الحياة التي يجب أن تتعايشي معها. علاوةً على ذلك، يتم استغلال الكثير من هذه الحركات من قبل الشركات التي تشارك في الميدان الحقوقي لبيع منتجاتها، بدلاً من إجراء تغييراتٍ حقيقية. الأخبار الأخيرة حول تغيير اسم شركة “Fair and Lovely” إلى”Glow and Lovely” دليل على ذلك.
لقد أحدثت حركات “النظرة الإيجابية للجسد” و”حيادية الجسد” تغييرات كبيرة من خلال تمكين الناس من مساحاتٍ للتحدّث عن قضايا الجسد وتمثيل مجموعة متنوّعة من النساء، حتى في وسائل الإعلام الرئيسية. لقد قطعنا شوطاً طويلاً، ولدينا طريق أطول لنقطعه. ويتطلّب منّا أن نفهم الأسباب الجذرية لقضايا صور الجسد.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.