اليوم تواجه الحركة النسوية تحديا جديدا حيث تحريك قضايا ومحاولات تشويه وانتقادات لما قام به الكثير من مجموعات نسوية من أنشطة علنية وتحركات سلمية خاصة في السنوات الأخيرة، ومن بين تلك التهديدات ما تتعرض له «نظرة للدراسات النسوية» كإحدي المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا الشأن.
لكن قبل الإلزام بالرد الرسمي المفروض قانونا فهناك أقوال أخرى نقاشها أصبح ضرورة، أو استجابة لضرورتين إن أردنا الدقة.. ضرورة يفرضها ما نقوم به من عمل يستهدف مجتمع حقه علينا أن يعرف، وأخري في مواجهة التشويش حيث تختلط الحقائق ولربما تضيع أو تغيب عن عمد.
الاتهامات الموجهة لنا كنسويات قانونا تتراح عقوباتها من السجن ستة أشهر إلى خمسة وعشرين عاما، ومجتمعيا فهناك محاولات تشويه عملنا ودورنا المعني بإتاحة مساحة آمنة لنساء وفتيات هذا الوطن. في المجمل فنحن «نتآمر ضد هذا الوطن بكيان غير شرعي، وجزء من مؤامرة تستهدفه» هكذا للأسف يقدم الامر للجمهور، أو هكذا تقول حملة الاستهداف ضمنيا.
وما زلت لا أعلم هل مثل تلك الاتهامات هي فقط في إطار الاتجاه المتزايد نحو تأميم المجال العام، أم لأن مجتمعاتنا ما زالت تضع قضايا النساء في إطار تصفية الخصومة السياسية كحلقة أضعف، أم ترى أن الدفاع عن نساء هذا الوطن جريمة أم كل تلك الأسباب وهو الأرجح!
والحقيقة أن جملة الاتهامات الموجهة إلينا بشكل خاص بتنوعها تفرض علينا الرد حول أسئلة كثيرة تشغل الرأي العام وهنا سنبدأ بالقول إن «نظرة» إحدي المستهدفات بتلك الحالة هي منظمة غير حكومية تعمل على قضايا النساء منذ عام 2008، بداية من مواجهة العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي انتهاء بالعمل كي تتحمل الدولة مسؤولية مواطناتها وتضمين قضاياهن على قائمة الألولويات. تلك هي مهمتنا ببساطة التي سنحاسب بموجبها!
لكني ما زلت أتساءل أي مخالفات للقانون تلك وقد عملت «نظرة» في ظل القانون المصري وأمام أعين الدولة منذ عام 2008، بمقر مشهر ورسمي ومعروف للجميع، وبسجلات ودفاتر واضحة ومتاحة ومنضبطة ومراجعة ومدققة من قبل محاسبين رسميين، وبحسابات بنكية علنية في بنوك مصرية تحت رقابة البنك المركزي ووحدة غسيل الأموال، وبضرائب مدفوعة وتأمينات على العاملين قائمة وموثقة بسجلات الدولة، وبأنشطة علنية شاركنا فيها شابات، وأكاديميين وساسة وأطباء نفسيين ومحامين، وبتبرعات ومنح تدخل إلى حساباتنا البنكية أمام أعين الجميع بكل شفافية ويقتطع منها حصيلة الضرائب، وبفعاليات يتم تغطيتها بشكل دوري عبر موقعنا، وبأبحاث ودراسات ومطبوعات وببيانات أو أخبار صحفية نرسلها بشكل دوري للصحف والمسؤولين وكل القطاعات المعنية بقضايانا.. لذا فإذا كانت الدولة ترانا خطرا على أمنها لماذا لم توقف عملنا خلال تلك السنوات؟
وكذلك أي اتهامات تلك ولم يكن لدينا شيء نحجبه عن كل الأطراف التي رأينا ضرورة حضورها في إطار استراتيجية شاملة لمعالجة قضايا النساء، وحين سعينا لأن يكون وصولنا لأوسع قطاعات من الناجيات والجمهور والسياسيين والمسؤولين، بل وكل المعنيين والمعنيات بقضايا النساء في هذا المجتمع.. تلك القناعة التي لم نعتنقها رغبة في إلا نحسب على طرف بعينه، ولكن بالأساس لإيماننا بأن قضايا النساء في المجال العام هي أكبر وأوسع من أي سجال سياسي ضيق كثيرا ما تدفع النساء ثمنه من أجسادهن كما شاهدنا في السنوات السابقة.
لقد عملنا ونسقنا وأدرنا لقاءات مع الجميع بداية من منظمات المجتمع المدني والأحزاب انتهاء بإدارة مكافحة العنف ضد المرأة في وزارة الداخلية حول العنف الجنسي، وجامعة القاهرة في حملات ضد التحرش الجنسي، ومسؤولي وزارة العدل حول تعديل مواد قانون العقوبات ليتضمن تعريف جريمة التحرش، ومسؤولي وزارة الصحة والطب الشرعي للتعامل مع الناجيات من العنف، ولجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري فيما يتعلق بمواد المرأة والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان وغيرها من اللقاءات التي ربما لن تتسع تلك السطور لذكرها جميعا. ليبقي سؤال آخر، هل كل تلك الجهات لا تعلم أننا كيان شرعي وعلني؟ لماذا لم يعترض أحد، ولم تتردد أي جهة رسمية وأكرر «رسمية» في لقائنا أو العمل معنا تحت دعاوي أننا متآمرون على الوطن أو نهدد أمنه القومي؟!
ولا أعرف أي تهديد للوطن من هؤلاء العاملات كي لا تنتهك أجساد النساء أو يعنفن، أو أن يتمتعن بحقهن في أن يحظين بمجال عام آمن، أو أن يمكن لنيل حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
هل ونحن في عام 2016 ما زلنا نري بهذا المنظور؟ هل حماية أجساد النساء من الانتهاك خطر؟ هل معالجة الناجيات من العنف والاغتصاب خطر؟ هل الحديث عن تمثيل المرأة خطر؟ هل محاولة مساعدة المجتمعات لأن تعمل بكل طاقتها دون استثناء أو استبعاد للنساء خطر؟ هل العمل مع المعنيين من مجتمع مدني وسياسيين ودولة من أجل تمكين المرأة خطر؟ هل كان كل ما طالبت به نسويات بدءا من هدي شعراوي انتهاء بدرية شفيق ما زلنا نراه خطرا؟!
الخوف اليوم ليس فقط من أن العاملين على قضايا النساء أصبحن قيد الملاحقة بل لأن الحركة النسوية المصرية تبدو اليوم في قيد تراجع جديد لتعود، لتواجه بالسؤال الأساسي وهو كيف يمكن أن تتواجد حركة دون حرية تنظيم؟ ومراجعة من الدولة حول أن قضايانا ليست جزءا من مؤامرة غربية على مصر؟