“حُلُمْ” الزواجُ المدنيّ في سوريا
الزواجُ المدنيّ في سوريا

بلدنا نيوز- انتشرت في السنوات الأخيرة عدة حالات زواج مدني في سوريا, وهو زواج قائم على موافقة الرجل والمرأة فقط إلا أنه مرفوض في التشريعات الدينية والقانونية في سوريا وكذلك في معظم المجتمعات الشرقية كونه يَمُس بشكل مباشر أهم المواضيع الحسّاسة وهو “الدين” .
ويعتبر الزواج المدني من أكثر المواضيع جدلاً في الأوساط الشعبية السورية والشرقية بين معارض لهذا النوع من العلاقات الأسرية والاجتماعية,  والذي يعتبر أنها علاقة محرمة خرقت أصول الدين وما ينص عليه الشرع وما يتأتّى عنه من نتائج سلبية على مستقبل الأبناء والمجتمع , وبين مؤيد يرى أن القوانين الرادعة لهذا الزواج مجحفة, ويعتبر أن الحُب أسمى العواطف, والحرية الشخصية في اتخاذ قرار الزواج ممن نحب وتقرير المصير حق إنساني لا بد من ممارسته.
عن ذلك قال إلياس وهبة في استطلاع رأي لـ موقع (بلدنانيوز) الإخباري “أنا ضد الزواج المدني .. بدايةً إن الزواج المدني في أغلب الدول الأوربية هو أمر طبيعي وقامت تلك الدول بفصل الدين عن الدولة .. كان من الممكن أن أوافق على هذا الزواج في حال لم يخالف القرآن الكريم لأنه دستور الحياة للمسلمين, حيث أنه يجوز للرجل أن يتزوج من امرأة نصرانية أو يهودية وغير محرم عليه بعكس المرأة غير مسموح لها أن تتزوج من رجل غير مسلم, وأنا لذلك ضد الزواج المدني لأن المرأة في هذه الحال ستكون منتهكة الحقوق”, مضيفاً “في نهاية الأمر الدولة هي من تقوم بإقراره وتنظيمه من خلال إصدار قوانين بعيدة عن الدين “.
من جهتها, قالت سالبي بطرس “أنا مع الزواج المدني 100%، بغض النظر عن أسبابه, في مجتمعنا السبب الرئيسي للزواج المدني هو اختلاف الدين وبرأيي الزواج المدني حل جيد في حال أراد الزوجين الحفاظ على دينهم ، بينما في المجتمع الأوروبي الزواج المدني هو الاختيار الأول لأنه لارابط بين الدين والزواج .. حتى أن الدين لايلعب دور رئيسي في حياة الأغلبية  والحب والارتباط لايتعلق بورقة .. لذلك أنا مع الزواج المدني وفصل الدين عن الزواج حل لكثير من المشاكل ممكن أن تواجه اثنين متحابين, وتبقى مشكلة العادات والتقاليد لذلك يجب أن يتهيأ المجتمع لقبول هذه الفكرة بشكل أوسع .. كذلك سن قوانين داعمة لهذه الخطوة من قبل الدولة”.
و الزواج المدني ليس مطلباً جديدا في سوريا بل هو مطلب شريحة واسعة من المجتمع السوري العلماني والذي يريد سوريا علمانيه ولا يريدها أن تذهب باتجاه التطرف الديني والمذهبي, إلا أن أجواء الحرب والتوترات في سوريا تعتبر أحد المعوقات التي تقف في وجه هذا المطلب , عن ذلك قال مازن محمد “في المحاكم السورية لم يتم إقرار الموافقة على الزواج المدني لأن قانون الأحوال الشخصية مأخوذ من الشريعة الإسلامية, وهو بدوره يمنع الزواج من دينين مخالفين لاسيما للمرأة المسلمة”, مضيفاً “نحن بكل بساطة في حالة حرب .. لولا الحرب لشاركت بكل اعتصام يطالب بإقرار الزواج المدني “.
ويعتبر الزواج المدني من وجهة نظر الكنيسة مرفوضاً وترى الكنيسة أن الزواج هو عقد مقدس ولا وجود للطلاق أو فسخ لعقد الزواج، وفي حال حصول الزواج المدني فالأمر سيبقى مختلفاً لاختلاف الرؤى والمعتقدات بين كل من الزوجين، حيث ستتم وتنتشر حالات الطلاق والزواج مما ينجم عنها فوضى مجتمعية، وسيكون الأطفال الضحية الأكبر لذلك، بالإضافة إلى حصول حالة من التشتت الديني بالنسبة لهم.

وكذلك يقابل الزواج المدني بالرفض في الدين الإسلامي إلا أنه يحُق للمسلم الزواج بامرأة من غير دينه، لأنها أديان السماوية والتي اعترف بها الرسول الكريم محمد (ص)، فيحق لها البقاء على دينها وأن تمارس فرائضها الدينية وصلواتها، بعد طلب الإذن من زوجها لممارسة السنن والطقوس غير المفروضة في دينها، وتحتفل بأعيادها مع توفير زوجها المسلم الظروف والمتطلبات التي تحتاجها لممارسة عبادتها، كما ويحق لها الدخول في دين الإسلام رغبةً منها دون إكراه أو إجبار، أما المسلمة لا يحق لها الزواج من رجل من غير دينها.

حنين هي شابة سورية كان لها تجربة الزواج المدني من شاب يخالفها في الدين .. تحدثت حنين عن تجربتها قائلة ” أنا من سوريا من خلفية مسلمة متزوجة من شاب سوري من خلفية مسيحية طبعا نحن تزوجنا خارج سوريا بعد قصة حب طويلة تشبه قصص كثير من شباب و فتيات لهم نفس الوضع .. نحن الآن نعيش في  السويد, طبعا زوجي اتفق مع إخوتي على مساعدتي والوقوف إلى جانبي وتقديم الدعم لي , في البداية أقربائي رفضوا فكرة الزواج وكثير من الناس قاطعوا إخوتي لكن مع الوقت اعتادوا على الفكرة لاسيما بعد معرفتهم بمقدار سعادتي والاستقرار الذي حققه لي زوجي”.

وأضافت حنين ” لدي مشكلة واحدة هي القانون المدني في سوريا لايعتبر زواجي شرعي كما أن القانون يرفض تسجيل أطفالنا ويعتبرهم أطفال غير شرعيين ويتم تسجيلهم باسم الأم فقط أما خانة الأب تبقى فارغة ويتم تسجيل الطفل على أنه مجهول النسب إلا في حال أشهر الأب إسلامه وهذا انتهاك لحرية الدين”.

وفيما يخص الناحية القانونية للزواج المدني, كشف القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي أن “أغلب الناس يجهلون المدلول الحقيقي للزواج المدني، فالعقد الذي ينشأ بين طرفين بحضور الشاهدين عقد صحيح، لأن أساسه الإيجاب والقبول، لذلك عقد الزواج في الإسلام أصله مدني أما المتعارف عليه حالياً للزواج المدني فهو إيجاب وقبول لكن بغض النظر عن الأحكام الشرعية الأخرى، مثلا زواج المسلمة بمسيحي برضا الطرفين زواج باطل، وكذلك زواج المرأة المتزوجة برجل آخر، مؤكداً أن الزواج المدني يعني التحلل من القيود الشرعية لعقد الزواج لأي دين أو طائفة، علماً أنه في سورية محاكم بداية تنظر بأمور الأحوال الشخصية للأجانب فقط الذين يخضعون في بلادهم لقانون مدني “.

وبيَّن المعراوي أن للزواج المدني مخاطر كبيرة وينتشر في أوروبا بكثرة ما أدى إلى ما يسمى زواج (المثل) الذي لا يرضى به إنسان عاقل، فالزواج هو الارتباط بين زوجين بقوله تعالى (وخلقنا من كل شيء زوجين اثنين) بهدف استمرار نسل الإنسان في الأرض، أما زواج المثل فهو شذوذ بالمطلق لخروجه عن الفطرة السليمة للإنسان، حيث جعل اللـه الأساس في الزواج لقضاء الشهوة الموجودة فيزيولوجياً في البشر من هنا جعل لهذا التواصل طريقاً مشروعاً ومنطقياً هو مؤسسة الزواج “.

وختم القاضي الشرعي الأول بالقول أن ” الزواج المدني في سورية مخالف للنظام العام السوري وقانون الأحوال الشخصية، فلا يمكن الاعتراف فيه بأي شكل من الأشكال، كما لا يتم تسجيله في المحكمة، حكمه كالزنى تماماً لأنه مخالف للأحكام الشرعية”.

وترى الأخصائية الاجتماعية نادية حسن أن “التنوع الطائفي و القومي والعرقي للشعب في سوريا و ماله من اختلافات في العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية ونُظُم الزواج والطلاق أدى إلى اختلاف مصير الزيجات المدنية منهم من فقد حياته أو تعرض لأعمال العنف والترهيب , ومنهم من اضطر لتغيير دينه بما يتفق مع هذا الزواج وللتمكن من تشريعه في المحاكم السورية”, موضحةً أن “الزواج المدني من أكثر المواضيع حساسية لارتباطها بأحد التابوهات المحرمة في المجتمع وهو الدين ومايترتب على هذا الزواج من نتائج لها تأثيرات اجتماعية سلبية لاسيما الأطفال لعدم التمكن من نسبهم إلى الوالد الفعلي واعتبارهم غير شرعيين في القانون السوري الذي يرفض الاعتراف بشرعية الزواج المدني”.

وقال ناشطون مدنيون في وقت سابق أنه “بالنسبة للمجتمع المدني فلا يوجد أي فرق بين البشر، حيث لا حواجز دينية أو مذهبية أو قومية، فنحن لا نعارض هذه الحالات، ولكن لا نستطيع أن نوجه الناس على أن يتزوجوا من أديان مختلفة، لكيلا نتصارع مع المؤسسات الدينية، والأعراف السائدة في المجتمع، لكن إذا حدث مثل هذا الزواج في المجتمع نقف مع العروسين ضد أي عنف سيمارس عليهم”.

وأشار ناشط مدني آخر إلى أن “الزواج المدني هو الفكر الأكثر تقدماً في المجتمعات، حيث تفصل الدولة عن الدين ويقضي على الطائفية، فالعادات والتقاليد البالية باتت تتجه نحو الزوال، مع بقاء أخلاقنا المكونة لعاداتنا التي كانت تنطلق من مبدأ الإنسان مقابل الإنسان بعيداً عن أي تحسب، فهذا الفكر بحاجة للطرح في مجتمعاتنا بنظرة توعوية، ولكننا بحاجة لبعض من الوقت إلى حين تقارب المكونات بشكل أكبر مما هو عليه الآن”.

يشار إلى أن المجتمعات البشرية منذ أن وجدَت حتى الوقت الحاضر تميزت بالتطور والنمو الحضاري والتقدم ومازالت مستمرة بالتطور السريع .. والمطالبة بقوانين تنص على تنظيم العلاقات الإنسانية التي تهدف بدورها إلى تنظيم مسيرة المجتمع بشكل صحيح ليس إلا جزءاً من مسيرة التطور المجتمعي والسعي لتحقيق الجزء الأكبر من حقوق الإنسان, واستحضار للمستقبل رغم حالات الحروب والجدل القانوني والديني واختلاف العادات والتقاليد,  وكل ماذُكر يدخل فيما يسمى صناعة التاريخ البشري المُظلم منه والمُشرق.

الزواجُ المدنيّ في سوريا

الزواجُ المدنيّ في سوريا

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015