قالت نائب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) البحرينية خولة مطر، في أول تعليق لها بعد حصولها على جائزة أمين عام الأمم المتحدة للشجاعة:
في داريا تذوقت «شوربة الحصار»… وفي سوريا أطفال لا يعرفون الفواكه والشوكولاته
أجرت جريدة الوسط البحرينية لقاءً هاتفياً مع مطر المتواجدة حالياً في نيويورك، وفيما يأتي ما دار في اللقاء:
كيف تم ترشيحك للحصول على جائزة الشجاعة؟
– الأمين العام للأمم المتحدة يمنح سنوياً جوائز في فئات مختلفة للموظفين، وفي كل عام يتم وضع معايير من قبل اللجنة المختصة بالجائزة ويتم الاحتفال بهم في يوم موظفي الأمم المتحدة الذي يصادف الـ25 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، وإحدى فئات منح الجائزة هي فئة الشجاعة.
وفي العادة يتم ترشيح الأشخاص لهذه الجوائز قبل فترة، ولم أكن أعلم بأنه تم ترشيحي لهذه الجائزة إلا مؤخراً، بل إنني لم أفكر أبداً بأن أحداً قد يرشحني لها، وذلك لأسباب عدة، أولها أني لم أقم بما هو أكبر من واجبي، وكنت جزءاً من فريق عمل، والجائزة يستحقها الكل، والسوريون يستحقون ما نقوم به، بل وأكثر من ذلك… فهم من علمونا الشجاعة والمثابرة والصبر، وأنه بعد الجوع والعطش والتعب والقصف وخسارة أفراد من عائلتهم، إلا أنهم لايزالون قادرين على استقبال وفود من الأمم المتحدة للقيام بواجبهم.
ومن رشحك للحصول على الجائزة؟
– تم ترشيحي من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، ونائب الأمين العام للشئون السياسية جيفري فيلتمان لجائزة الشجاعة. وتضمن شرح الأسباب التي دفعتهما لترشيحي للحصول على الجائزة، أنني استطعت خلال فترة عملي التي تقارب العامين في سورية أن أتنقل بين المناطق هناك، بما فيها المناطق المحاصرة والمناطق التي يسيطر عليها المسلحون، وأن وصولي إلى هذه الأماكن أسهم في تعزيز دخول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق، كما ساعدت في مسار العملية السياسية في سورية وتطلعاتهم إلى المستقبل.
كما أشارا أيضاً إلى أنني تمكنت من دخول داريا بعد خمسة أعوام من حصارها، وتمكنَّا بعد ذلك من إيصال المساعدات لأهالي داريا.
ومتى علمتِ أنك كنت مرشحة للحصول على الجائزة؟
– استلمت رسالة عبر البريد الإلكتروني قبل أسبوعين تبلغني بترشيحي للجائزة مع أربعة آخرين، وتفاجأت بهذا الترشح، لأني لم أرَ أني عملت شيئاً، ولكن مديرتي الحالية وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للاسكوا ريما خلف، شجعتني على حضور الاحتفالية في نيويورك.
وفوجئت أثناء عرض تعريف المرشحين للجائزة خلال الحفل، بأنني كنت الوحيدة التي أمثل شخصي، بينما الآخرون كانوا يمثلون فرقهم، وأنا أؤمن أن العمل الجماعي في الأمم المتحدة أهم من العمل الفردي.
وتفاجأت بعد تسلمي الجائزة بعدد الأشخاص الذين جاءوا لتهنئتي، وهم ليسوا من المنطقة العربية.
ما هو أول تعليق لك بعد استلام الجائزة؟
– عندما نستلم الجائزة، ليس مطلوباً منا أن نتحدث، ولكني قلت للأمين العام إن الشعب السوري يستحق ما نقوم به وأكثر، وأن هذه الجائزة ليست لي وحدي، وإنما لكل فريق الأمم المتحدة والشعب السوري.
بدا التأثر واضحاً عليك خلال زيارتك إلى داريا ولقائك بعدد من النساء والأطفال هناك، كيف تصفين هذا اللقاء؟
– اللقاء لا ينسى، فبمجرد دخولي إلى المنطقة، تجمع حولي الأطفال هناك، وكان ذلك أبرز دليل على ما أكدناه بوجود مدنيين، لا اقتصارها على المسلحين كما ادعى البعض. وبعدها أخذني الأطفال إلى المدارس التي كانت تحت الأرض بسبب القصف، وأوجعني الحديث معهم، إذا إنهم تحدثوا عن أمور كثيرة سمعوا عنها ولم يعرفوها أو يروها، ومرت عليهم سنوات طويلة لم يشاهدوا أحداً ولم يروا سيارة، وكانت سيارة الأمم المتحدة هي أول سيارة يرونها.
وكان المعلمون يرفعون من الكتب الصفحات التي تضم صوراً لفواكه وطعاماً طيباً، وكنت أسأل الأطفال، لو استطعت أن أدخل لهم شيئاً، فما الذي يحبون أن أدخله؟ فقال أحدهم إنه يتمنى الحصول على فراولة وآخرون تمنوا فواكه أخرى، والأطفال الذين ولدوا خلال الخمسة أعوام الأخيرة هناك لا يعرفون الفراولة أو الشوكولاتة أو بقية الفواكه، لأنهم لم يروها أو يحصلوا على أي منها.
والواقع أنني حين دخلت داريا، كنت واضحة جداً، إذ لم أكن أود أن تسود فكرة أن دخولي للمنطقة يعني رفع الحصار أو إدخال مساعدات إنسانية، على رغم أن ذلك الهدف الرئيسي من الزيارة، وأننا سنعمل على ذلك.
كما أنني زرت هناك جامعاً، وكان يتجمع هناك نحو 90 امرأة وأطفالهن، وفور أن التقوا بي أخذوني بالأحضان، لأني كسرت الحصار المفروض على منطقتهم.
كما أنني وخلال هذه الزيارة، تذوقت ما أسموه بـ «شوربة الحصار»، وهي عبارة عن ماء مغلي مضاف إليه الملح والبهارات.
وهل ذهبت إلى داريا مرة أخرى؟
– نعم، بعد فترة، استطعنا الدخول مرة أخرى إلى داريا مع مساعدات إنسانية في شهر رمضان المبارك، على رغم أننا في الليلة التي توجهنا فيها إلى المنطقة كان هناك قصف وظلام دامس لا تنيره إلا الحرائق. ولكنني كنت في سعادة لا متناهية، لأننا تمكننا على رغم الظروف والصعاب من إدخال بعض المساعدات، حتى وإن لم تكن مساعدات كافية، وبعد ذلك تعرضت المنطقة لقصف شديد، وغيرها من الأمور الصعبة التي مررنا بها.
وهذا الأمر تكرر أثناء دخولنا منطقة مضايا وغيرها من المناطق.
وما هي الفترة التي كنتم تقضونها في هذه المناطق لتقديم المساعدات؟
– أنا وزملائي من الأمم المتحدة كنا نقضي أحياناً ليلة بكاملها أو يومين، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ الأمم المتحدة، أن يسمح لفرق تابعة للأمم المتحدة بدخول مناطق لا تخضع لسيطرة دولة، عملياً لم يكن أمراً سهلاً، وهذا القرار أخذه على عاتقه مسئول الأمم المتحدة في سورية يعقوب الحلو، الذي كان مرافقاً في كل هذه البعثات الخاصة.
وأود أن أقول هنا، إنني لم أقم بأي شيء خارج عن إطار عملي في الأمم المتحدة، والبعض يرى أن العمل السياسي ينفصل عن الإنساني، ولكني لا أجد فرقاً بين الإثنين، وكلا الطرفين يقع عليه ممارسة الدورين.
خلال مسيرة عملك في الأمم المتحدة، عملت في مجالات التنمية وحقوق الإنسان وحقوق العمال والإعلام وحقوق الأطفال وغيرها من المجالات، أين تجد خولة مطر نفسها بين جميع هذه المجالات؟
– حين عملت في سورية، أجد نفسي دائماً أكثر حين أكون قريبة من الناس، وطوال عملي في الأمم المتحدة الذي مضى عليه نحو 22 عاماً، لم أعمل في المقرات الرئيسية للمنظمة أو قرب مكاتب صنع القرار، وإنما دائماً أفضل العمل في صمت وعلى الأرض.
وفي سورية، كنت سعيدة جداً على رغم أننا مررنا بأيام لم نكن ننام أو نرتاح فيها، إلى جانب الإحساس الدائم بالذنب تجاه السوريين لأنني كنت أرى أننا لم نقم بالمطلوب بصورة كافية.
وأشد ما يؤلمني حين يتحدثون عن قتلى أعرفهم بالأسماء، كما أن هناك أطفالاً في داريا كانوا يسألون عني بالاسم خلال زيارات فريق الأمم المتحدة، فحين وضعت نفسي مع الأطفال، أصبحت سعيدة جداً بالتعامل معهم.
وحين عملت مع العمالة الوافدة، كنت سعيدة جداً بالاقتراب من هذا العالم، وحين عملت مع منظمات حقوق الإنسان، وناقشت موضوعات حقوق الإنسان، بما فيها الحق في التعبير عن الرأي والمشاركة، كنت لا أنطلق في دفاعي عن هذه المبادئ لأني ممثلة للأمم المتحدة فقط، وإنما لأني أؤمن فيها تماماً، والعمل الأقرب إلى قلبي، هو العمل القريب من الناس.
إلى من تهدين جائزة الشجاعة؟
– أهديها إلى الشعب السوري في جميع المناطق، كل الشعب السوري من دون تفريق بين مواطن ومواطنة، لأنه من أعطاني الثقة لتقديم ما قدمته. كما أهديها إلى فريق الأمم المتحدة في سورية، هذا الفريق الرائع بقيادة يعقوب الحلو، لأن بقيادته استطعنا جميعاً أن نخلق حالة خاصة لم توجد في أي مكان في العالم.
كما أهديها لبلدي البحرين، ولوالديَّ العزيزين اللذين دائماً ما يقولان لي: «اذهبي وساعدي الآخرين».