دعم الاتحاد الأوروبي للنساء اللواتي يدفعنَ بناءَ السلام في سورية
قرار الأمم المتحدة 1325: النساء و السلام و الأمن

الاتجاد الأوروبي- تقول رجاء التلي من المعنيات بإدارة مركز المجتمع المدني و الديمقراطية المدعوم من الاتحاد الأوروبي: “أصوات الأسلحة في سورية صاخبة جداً، يعلم الجميع أن النظام السوري قد قصف شعبه، و أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و سورية قد أعدم الكثير من الصحفيين و الناشطين. و غالباً ما تمّ إسكات أصوات المدنيين السوريين من رجال و نساء على الساحة العالمية”.

بعد ستة أعوام من الصراع و ما تمخّض عنه من دمار و عنف، يتبقى من سورية مجتمع يعاني من انقسام و تمزّق عميقين، لن تندمل جراحه على مدى أجيال قادمة. سرعان ما تحوّلت الاحتجاجات السلمية في البداية إلى حرب أهلية مُفضِية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي إرباً إرباً.

إلا أن التاريخ أظهر أن النساء في زمن الصراع غالباً ما يشغلنَ مكاناً أعظم في الحياة العامة، و بإمكان الحرب أن تكون لحظة محورية على صعيد المساواة بين الجنسين. غالباً ما يعني الخواءُ الناجم عن غياب الرجال بسبب انخراطهم في القتال أو مصرعهم نزعَ النساء عباءة أدوارهنّ التقليدية. بعد ستة أعوام من الصراع تغيّرت البنى الأسرية، و بات عدد الأسر التي تعيلها نساؤها أكبر من أي وقت مضى.

قالت أم محمد و هي لاجئة سورية قدمت إلى لبنان من دون زوجها: “أن تكون المرأة الزوجة و الزوج في آن واحد معاً هو أقوى ما بإمكان المرأة أن تؤديه من أدوار، هذا هو الجزء الأصعب، ينبغي لي أن أؤدي دوريْ الأم و الأب معاً: دور الأب بالعمل و تأمين قوت الأسرة، و دور الأم من خلال الطهي و رعاية الأطفال”.

في ظلّ ما تم ارتكابه من فظائع لا تعدّ و لا تحصى أثناء الصراع، من تعذيب و عنف على أساس الجنس و “الجندر” و غياب المحاسبة و التلاعب بالهوية الدينية و العرقية، تبدو مهمة إعادة بناء الثقة بين المجتمعات هائلة.

نساء يدفعنَ جهود ترسيخ السلام

على غرار الكثير من ساحات الصراع، تعمل نساء سورية في مجالات عدة كالطب و التمريض و التعليم. و بعيداً عن الجهود المبذولة من أجل البقاء الأساسي، تتطلّع النساء قدماً أيضاً نحو المستقبل، و يدافعنَ عن سورية المستقبل طامحاتٍ إلى أن يحظينَ فيها بالتمثيل، كما يستعدينَ للسلام.

في كلمة ألقتها هذا العام الممثلة العليا للشؤون الخارجية و السياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني بمناسبة يوم المرأة العالمي، قالت: “غالباً ما تكون النساء في عِداد الأكثر ضعفاً و تضرراً. إلا أنهنّ في أغلب الأحيان أول من يسعى إلى الحلول و تأمين متطلبات الصمود في زمن التحديات، و هن اللواتي يملكنَ رؤية من أجل مستقبل بلادهن”، و أضافت مشددة: “لن نكفّ عن السعي الحثيث إلى تحقيق المساواة بين الجنسين و إبقاء النساء و الفتيات بأمان، و تمكينهنّ من تحقيق إمكاناتهنّ بالكامل. الاتحاد الأوروبي ملتزم الآن كما عهدناه منذ ستين عاماً بضمان المساواة من أجل النساء حول العالم”.

وتقول رجاء: “تعمل النساء السوريات على تعزيز تحمّل الناس لظروف الحياة في سورية، و هنّ مصدر إلهام بالنسبة إلى السوريين الذين تخونهم الكلمات أمام شجاعتهنّ و وطنيتهنّ”.

على الرغم من دور النساء الفعّال في ترويج السلام، يتمّ وضعهنّ جانباً عادةً لدى البدء بمفاوضات السلام الرسمية و الشروع ببناء الاقتصاد، كما يتم إقصاؤهنّ عن الأقنية الرسمية. بيد أنه من المستحيل العودة إلى الأدوار الاجتماعية و القيم التقليدية التي كانت سائدة ما قبل الحرب و التي تعرّضت لهزة عميقة بسبب هذه التجربة. باتت إعادة تشكيل تلك الأدوار جزءاً لا يتجزأ من إعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الحروب.

هند قبوات، مؤسّـِسة أحد برامج تمكين المرأة و عضو في اللجنة العليا للمفاوضات، وفد المعارضة إلى المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، حضرتْ في بركسل ندوة من تمويل الاتحاد الأوروبي تتناول تطويرَ رؤيةِ اللجنة العليا للمفاوضات المتعلقة بالانتقال في سورية. هند محامية سابقة و أستاذة جامعية، شهدت إلى الآن على نقلة كبيرة في أدوار الرجال و النساء. تقول هند: “قبل الثورة، كانت النساء مجردَ تجميل للواقع، كانت لدينا سفيرات و وزيرات و كانت النساء مشاركات، لكننا كنا مجرد تجميلٍ للواقع، و لم يكن لنا رأي مسموع فعلياً. أما اليوم، فإنني فخورة جداً و أعرب عن بالغ إعجابي بالنساء اللواتي لم يعدْنَ مجرد أرقام، باتت المرأة تبلي بلاءً حسناً. في كل منظمة و في شتى المجالات على اختلافها، بات للنساء تأثير. تريد النساء قرنَ الأقوال بالأفعال، يردنَ العمل، و هنّ يتعاونّ في البناء، هذا هو الفرق الذي ألاحظه”.

ثمة أدلة دامغة على أن مشاركة النساء في عمليات السلام أساسية بالنسبة إلى فعاليتها، و أنه بات من الأكثر ترجيحاً أن يُفضي ضلوع النساء إلى ترسيخ سلام ثابت و مستدام. غالباً ما تكون النساء في غاية الفعالية في حركات السلام و المجتمع المدني، و على سبيل المثال في كولومبية كانت النساءُ مسؤولاتٍ عن شبكات معقدة من الحركات المؤيدة للسلام. في إيرلندة الشمالية و بوروندي و ليبيريا نشطت ائتلافات نسائية عبر الأطراف المتحاربة.

المشاركة في المفاوضات

بعد مضي خمسة عشر عاماً على تبني قرار الأمم المتحدة رقم 1325 حول ” النساء و السلام  و الأمن” تستمر النساء في الكفاح من أجل المشاركة  في المفاوضات. إذ اقتصر كبارُ المفاوضين من ممثلي المعارضة السورية و النظام  على الذكور إلى عام 2016. لهذا يدعم الاتحاد الأوروبي مبادرات على غرار المجلس الاستشاري النسائي، و هو مجموعة من النساء السوريات المشاركات في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، و يقدّمن المشورة إلى المبعوث الأممي الخاص بشأن سورية ستافان دي ميستورا.

يشرح دي ميستورا بالقول: “المجلس الاستشاري النسائي طريقة مختلفة  لتتمكن (النساء) من طرح رسالتهن الخاصة، لماذا؟ لأن عضوات المجلس جميعهن يتحدثن في كافة الأوقات، كما يقدّمن مداخلاتهنّ حول شتى المواضيع. إضافة إلى ما يقدّمنه من أوراق عمل و يطرحنه من أفكار و اقتراحات و أسئلة”.

إلى ذلك، كانت الممثلة العليا موغيريني منخرطة بفعالية مع النساء السوريات الساعيات إلى إحداث فرق في الحياة العامة، و المساهمة في ترسيخ السلام في بلدهنّ، فبادرت مرتين إلى دعوة مجموعة من موفدات المجلس الاستشاري النسائي إلى بركسل، لمناقشة آرائهنّ حول طرق المضي بسورية قدماً.

تقول رجاء الناشطة في المشاورات في جنيف: “لا بد من رفع صوت النساء السوريات و المجتمع المدني السوري و لا بد من أن يؤخذ في الحسبان لدى إجراء المناقشات السياسية في جنيف و أي مكان آخر”.

بالطبع ليست المشاركة عالية المستوى في جنيف سوى جانبٍ واحد، و من الهام الاعتراف بمساهمات شبكات المنظمات النسائية الشعبية في سورية و البلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين. إذا كان مقدّراً لسورية التعددية و الشاملة أن تنهض من ركام الرماد فلا بد من الإصغاء إلى الأصوات كلها، و ألا يقتصر ذلك على أصوات النخبة المتعلمة.

تقول هند: “بدعم الاتحاد الأوروبي نعدّ النساء من القاعدة الشعبية كي ينخرطن مستقبلاً في الحياة السياسية. سيبذلن قصارى جهدهن، نحن اليوم نمهد لهنّ السبيل لكنهنّ مستقبلاً سيتولّين زمام الأمور”.

مكتوب في المستقبل

في نهاية المطاف، لدى التوصل إلى حلّ سلمي للصراع وعملية إعادة رسم العملية التشريعية الطويلة و دستور جديد من أجل سورية، تعمل مثيلات دعد، بدعم من الاتحاد الأوروبي، على ضمان شمل النساء فعلياً في الدستور. “نناقش و نروّج دستوراً سورياً من شأنه أن يحترم و يشمل حقوق النساء. قمنا بصياغة مبادىء دستورية متعلقة بمسائل الجنسين و تتـّسم بالحساسية، و نحن الآن في طور ترويجها. نعمل على بناء مقدرات المحامين و على تطوير التوعية على مستوى أوسع بغية خلق ثقافة الديمقراطية و المساواة”.

نيرفان المحامية و الناشطة تشرح بالقول: “عندما يحين وقت صياغة دستور سورية الجديد ستكون بحوزتنا المعرفة و الأدوات اللازمة من أجل الدفع نحو شمل حقوق النساء فيه. يغيّر هذا البرنامج قواعد اللعبة لأنه يجمع المحامين السوريين و يحفّزهم على العمل المنهجي حول مسائل “الجندر” في الدستور و التشريع”.

أظهرت التجربة أن المساواة بين الجنسين على الورق أمر، و ترسيخها أمر آخر يستدعي تناولَ شريحة واسعة و متنوعة من المجتمع، و أن أصعب ما يمكن أن يتغير هو الصور النمطية و المواقف.

تقول هند: “إن لم نستخدم نظام الحصص النسبية فلن تصل النساء إلى أي مكان. لهذا حاربنا بشدة و نلنا موافقة اللجنة العليا للمفاوضات، و مصادقة الأمم المتحدة فيما بعد، ففي سورية المستقبل سنطبق نظام الحصص النسبية بنسبة 30% لمشاركة النساء في الحياة العامة”. “من الصعب تغيير مواقف الرجال و قد سئمنا محاولة تغييرها، لهذا علينا الدفع من أجل نظام الحصص النسبية: سيكون للمرأة مكان شاؤوا أم أبوا”.

قرار الأمم المتحدة 1325: النساء و السلام و الأمن

قرار الأمم المتحدة 1325: النساء و السلام و الأمن

قرار الأمم المتحدة 1325: النساء و السلام و الأمن

يؤكد القرار أهمية مشاركة النساء و تضمين منظور الجنسين في مفاوضات السلام، التخطيط الإنساني، عمليات حفظ السلام، بناء السلام و الحوكمة ما بعد الصراع.

كما يدعو القرار إلى مشاركة النساء في كافة عناصر صنع السلام، و لا سيما مفاوضات السلام.

يحثّ القرار الأمين العام على تعيين المزيد من النساء لتولي مهام “ممثل خاص” و “مبعوث خاص”، و توسيع دور النساء في العمليات الميدانية، بما في ذلك وضع مستشارين في مسائل الجنسين في بعثات الأمم المتحدة.

يحثّ القرار أيضاً على بناء مقدرات الاستجابة لمسائل الجنسين في بعثات حفظ السلام، و التدريب في مسائل “الجندر” المتعلقة بحقوق و احتياجات النساء لكافة العاملين في مجال حفظ السلام و الأمن.

يشدد القرار على الحاجة إلى حفظ الطابع المدني لمخيّمات اللاجئين/ النازحين داخلياً و أهمية تصميم مخيّمات على نحو من شأنه منع العنف الجنسي.

كما يدعو هذا القرار إلى اتخاذ تدابير خاصة لحماية النساء و الفتيات من العنف على أساس الجنس و “الجندر”.

و يؤكد القرار أهمية تولي المرأة دور القيادة و مشاركتها في التوصل إلى حل الصراع و محادثات السلام و التعافي.

تعليق واحد في “دعم الاتحاد الأوروبي للنساء اللواتي يدفعنَ بناءَ السلام في سورية”

  1. شكرا لكل الجهود المبذولة للعمل على المرأة والمرأة السورية وخصوصا في الازمات والحروب لان المرأة هي من تدفع الثمن على كل المستويات
    لكن لي رجاء الدقة في اختيار الفاعلين فعلا في التمثيل للمرأة السورية لان من عانين حقيقة غيبن عن كل اهتمامات الامم المتحدة
    لكم الود والاحترام

أترك تعليق

مقالات
يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015