إيمان احمد ونوس/الحياة- منذ أن اكتشفت الزراعة في العصور السحيقة، واكتشفت من خلالها علاجاً لبعض الأمراض، صارت المرأة سيّدة الحقول والمزارع على مدى مراحل التاريخ، وفي مختلف البلدان والمجتمعات.
وباعتبارنا مجتمعات زراعية رعوية، فإن نساء الريف حكماً عاملات بالزراعة، إلاّ أنهن يلاقين تمييزاً اجتماعياً وتنموياً وحقوقياً أكثر مما تلاقيه المرأة المدنية، وذلك بحكم القيم والأعراف المجتمعية التي تسود الريف من جهة، والإهمال الحكومي للريف عموماً، وللمرأة الريفية خصوصاً. فمثلاً، لا يدخل عملهن في حساب الدخل الوطني، لأنهن لا يُعتبرن منتجات أصلاً. وقد زادت الحرب السورية من معاناة الريفيات، لاسيما في المناطق المتوتّرة، حيث شهدن وعايشن ويلات ومآسي هذه الحرب بكل تسمياتها وتصنيفاتها، غير أن غالبيتهن لم تستسلم لمصيرها، بل عملت جاهدة وبكل ما تملك من معرفة وقوة، فقامت بداية بزراعة بعض حاجاتها الغذائية الخاصة بها ضمن سلل كرتونية أو بلاستيكية، ومن ثم انتقلت إلى بيع إنتاجها، إضافة إلى صناعة مشتقات الحليب ولو على نطاق ضيّق، كي تؤمّن بقية متطلبات أهلها وأسرتها في ظلّ الغلاء المتوّحش الذي أججت الحرب نيرانه بكل الاتجاهات.
تقول أم أحمد، وهي سيدة تُعيل أولادها إضافة إلى عائلة الزوج الذي أقعدته الحرب لإصابته وبتر ساقه، «لم يكن أمامي من خيار لتأمين رغيف الخبز سوى أن أعمل كما كنت أعمل قبل الحرب، فبدأت أشتري كمية من الحليب لأصنع منها الجبن واللبن وسواهما، فأبيعها لأسر الحي الذي لجأنا إليه، وهكذا عرفني الجميع وأعجبوا بالنظافة وجودة المنتج، حتى أنني أحياناً لا أملك الوقت الكافي لتلبية طلبات الجميع، وكل هذا بإمكانات وأدوات بسيطة، كل ما أتمناه أن أمتلك بقرة تغنيني عن شراء الحليب من السوق».
أمّا السيدة أم سهيل فتحدّثنا عمّا كانت تقوم به في منطقتها قبل الحرب، وكيف كانت تستثمر منتجات أشجار حديقتها ونباتاتها كي تصنع منها مؤونة البيت من مربيات ومجففات على مدار السنة، وهذا ما ساعدها اليوم، بعد نزوحها إلى مدينة آمنة، في تلبية بقية حاجات أسرتها، إذ تشتري كل ما تحتاج إليه المؤونة من خضار وفواكه وتحضّرها في البيت لتبيعها إلى المعارف والجيران وسكان الحي، حتى ذاع صيتها في غالبية الأحياء القريبة، وتأمل لو يتوافر لها رأس مال أكبر من أجل إنتاج أكبر ومردود أفضل.
بالتأكيد، هناك كثيرات أمثال أم أحمد وأم سهيل، لم يُسعفنا الوقت للتعرّف إليهن وإلى ما يقمن به من أعمال تُساهم بتأمين بعض، إن لم يكن متطلّبات الأسرة كلها في ظلّ غياب الرجل والوضع الاقتصادي والمعيشي الضاغط، الذي فرضته حرب السنوات السبع والمستمرة بويلاتها وآلامها.
في المقابل، انتعش مُجدداً مصطلح (تنمية المرأة الريفية) في الأوساط الحكومية على نطاق واسع، سواء أثناء وضع الخطط الإسعافية التي تعدها الحكومة ووزاراتها المختلفة من أجل النهوض بواقع المرأة السورية التي تحمّلت وحيدة أعباء الأسرة والمجتمع خلال سنوات الحرب باقتدار وإحساس عالٍ بالمسؤولية. وأثناء افتتاح مهرجان منتجات مشاريع النساء الريفيات الذي أقامته وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بالتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة «أكساد» تحت شعار «النساء الريفيات شريكات في التنمية»، صرّح رئيس الحكومة عماد محمد ديب خميس أن المهرجان يُشكّل رسالة لكل العالم عن قوة المرأة السورية وإصرارها على ممارسة دورها في العملية التنموية من خلال مشاركتها في الإنتاج في شكل حرفي ومهني مميز. كما وجه وزارات الدولة والجهات المعنية للمساهمة في تسويق منتجات مشاريع المرأة الريفية والتعريف بها والترويج لها، لاسيما أن هذه المنتجات تدل على عراقة المرأة السورية وأصالتها. وطالب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بشراء هذه المنتجات وعرضها بأسعار منافسة في منافذ التدخّل الإيجابي بالمحافظات.
بدوره، أكّد وزير الزراعة المهندس محمد القادري مواصلة دعم المرأة الريفية ومنح القروض لها لإنشاء مشاريع صغيرة مُدرّة للدخل. وهذا ما أكّدته مديرة تنمية المرأة الريفية في وزارة الزراعة التي موّلت 19835 مشروعاً و24 ألف مشروع زراعة أسرية، كما وافقت الحكومة للوزارة على تمويل مشروع بقيمة بليون ليرة سورية لإنشاء وحدات تصنيع تستهدف خمسة آلاف وحدة، مُبيّنة أن مديرية تنمية المرأة الريفية حققت سلسلة من هذه المشاريع عبر التدريب والخدمات التمويلية ومنح القروض والتصنيع والتسويق.
أما وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريمة القادري، فقد أشادت بقدرة المرأة السورية وتصديها للواقع الرهيب الذي فرضته ظروف الحرب، فكانت أكثر قدرة على إعالة نفسها وعائلتها. ونوّهت بأهمية المشاريع متناهية الصغر، كونها تساهم في مواجهة الواقع الاقتصادي الذي تعاني منه الأسرة السورية.
وأعلن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبدالله الغربي أن الوزارة تعمل وفقاً لشعارها الدائم «من المنتج إلى المستهلك مباشرة» أي من دون المرور عبر حلقات الوسطاء، مشيراً إلى أن الوزارة توفّر عبر شرائها المنتجات مباشرة من المرأة الريفية نحو 25 في المئة من سعر هذه المنتجات.
وفي السياق ذاته، وافق مجلس الوزراء أخيراً على منح قروض ميّسرة للريفيات الراغبات في تأسيس مشاريع مولّدة للدخل في مجال التصنيع الريفي مع تقديم التدريب الفني اللازم للاستفادة القصوى من هذا القرض. وقد أكّد وزير الزراعة أن القروض التي ستمنح من خلال المصرف بفائدة 10 في المئة، سيغطي صندوق المعونة الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل 4 في المئة منها، والهدف من المشروع استكمال السلسلة التي بدأتها الحكومة بتشجيع الزراعات الأسرية عبر عمليات الإقراض للتصنيع وصولاً إلى التسويق من خلال المراكز التي استحدثت في المحافظات.
وتتطلّع المرأة الريفية التي تطمح للإنجاز، إلى أن تغدو هذه المشاريع واقعاً ملموساً، لأنها في حال تحققت ستُـــنقذها وأســـرتها من براثن الفقر والجوع والجهل. فهل سيطول الانتظار، أم أن الآمال متجددة دائماً؟