لينا ديوب/ snacksyrian- لو أردنا تحديد أصعب التحديات التي تواجه النساء السوريات اليوم، ما الذي نقوله؟..
هل نتحدث عن تعديل القوانين؟ عن رفع التحفّظات على اتفاقية “سيداو”؟ عن برامج تمويل للمشروعات الصغيرة؟ أم نناقش دستوراً جديداً يضمن مواطنة فاعلة ومساواة حقيقية للمرأة؟
ربما نحتاج كنساءٍ كل ما ذكرناه، لنضمن حياة عادلة كريمة في مجتمع قوانينه مستمدة من شرائع ذكورية، تجافي العدالة والمساواة، هذا في الأحوال الطبيعية فكيف في زمن الحرب وما بعدها، والتي فرضت أولويات لابد من التأكيد عليها، أبرزها سبل العيش، والحماية، لكن سؤالاً كبيراً يبرز هنا:
بعد حرب وتهجير ونزوح.. كيف تستطيع النساء إيجاد فرصة عمل ومصدر دخل يؤمن عيش كريم لها ولأسرتها؟ وكيف تكون فرصة العمل وبيئته آمنة لها؟
إذا تركنا جانباً شريحة الموظفات الحكوميات، ومن يملكن مشاريع عمل ضمن العائلة، وتوجهنا إلى النساء اللواتي أجبرن دون تأهيل للخروج إلى العمل، في ظل غياب غطاء قانوني إن وجد غير مفعل، ومن لم تخرجن وقد فقدن المعيل، لتأكدنا من أن الأولوية اليوم فرصة العمل والحماية حتى في نطاق الأسرة، حيث نجد أن الكثير من الأسر لجأت لتزويج بناتهن الصغيرات للتخلّص من إعالتهن وللحصول على المال، عبر زيجات ليست مضمونة، إما لشاب يسافر في أول فرصة، أو رجل متزوّج أو طاعن في السن، وكثيراً ما كان يَحولُ صغر سن الفتاة دون تسجيل عقد الزواج هذا في السجلات الرسمية، لينتهي المطاف بالفتاة وعائلتها بعد فترة وجيزة، إلى مزيد من الأزمات والآلام، فقد تعود مع أولادها لبيت أهلها غير القادرين على إعالتها بمفردها.
في مقابل ذلك خرجت العديد من النساء إلى سوق العمل مؤمنات بقدرتهن على العمل لتأمين ما هو أفضل للعائلة ككل، فعملن فيما بقي أو عاد للعمل من معامل، وفي المشاغل والورشات وتنظيف البيوت وغسل مداخل البنايات، وبادرت بعضهن إلى التدريب في الجمعيات وتعلّم مهن كالحلاقة والتطريز وصناعة الطعام وتوضيبه، بالإضافة لصيانة الأدوات الكهربائية والسباكة وهذه مهن كانت حكراً على الذكور، وازدادت الحاجة للعمل مع انهيار سعر الصرف، وتراجع الدخول، وتآكل الأرصدة، وغياب الذكر المعيل لدى شريحة واسعة من النساء في مختلف المناطق.
الحماية القانونية
إن الخروج الواسع إلى العمل، يحتاج إلى حماية من العنف لأنها خرجت إلى بيئة غير آمنة وفي ظروف حرب صعبة، لكن هنا سنقتصر بالحديث عن الحماية في العمل نفسه سواء من حيث الأجور، أو من حيث الدعم للبدء بمشروع، في دراسة للدكتور “أيهم أسد” صدرت عن مركز مداد للبحوث في “دمشق” عن اختلالات سوق العمل في الفترة من 2011 إلى2017، تبين أن عدم المساواة الأجرية بين الرجال والنساء أياً كان نوعها، منشأها هو القطاعان الخاص المنظم وغير المنظم، لأنَّ الأجور في القطاع العام الإنتاجي والإداري متساوية تماماً بين الجنسين، بسبب التطبيق المتساوي لسلم الرواتب والأجور والعلاوات والمكافآت في ذلك القطاع وبغض النظر عن الجنس، أما في القطاعين الخاص المنظم وغير المنظم، فإنَّ عدم المساواة تكون غير محققة بشكل كامل، بسبب عدم وجود معايير أجرية واضحة يقومون بتطبيقها، وبسبب القدرة على التهرب من الالتزامات القانونية التي تحكم هذه الناحية، أو بسبب استغلال حاجة الكثير من النساء لظروفهن الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
سياسات التمويل نسبة قليلة من المستفيدات
وفي دراسة أخرى لنفس الباحث بعنوان “دور سياسات التمويل الاجتماعي بالتمكين الاقتصادي للمرأة خلال الفترة من 2001 إلى 2017 ” يتبين من تحليل البيئة التشريعية والمؤسسية، ومن تحليل الوقائع العملية في ما يتعلق بسياسات التمويل الاجتماعي، من خلال المؤسسات العاملة في ذلك الحقل، والتشريعات الناظمة لها، والوقائع التمويلية الفعلية، أن تلك السياسات قد أسهمت إلى حد ما في عملية التمكين الاقتصادي للمرأة السورية، إلا أن ذلك التمكين لم يشمل إلا نسبة قليلة جداً، وهناك تأخر زمني شديد في دخول عمليات التمويل الاجتماعي إلى الاقتصاد السوري، قلة عدد مؤسسات التمويل الاجتماعي المرخصة على القانون الأساس لها، أي القانون رقم (15) لعام (2007) إذ توجد الآن مؤسستان فقط، رغم وجود طلب كبير على خدمات التمويل الاجتماعي، وقد يتطور ذلك الطلب بشكل أكبر في مرحلة ما بعد الحرب كنتيجة للحاجة المجتمعية له.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.