عمل المرأة مقابل “الشرف”.. الجريمة السرية
التحرش الجنسي بالمرأة أثناء العمل

موقع “الشروق”- ينظر البعض إلى المرأة العاملة على أنها صيد ثمين وفريسة يتحايلون للإيقاع بها بشتى الطرق، فيدسون السم في العسل بإغرائها بتقلد المناصب الحساسة والمسؤولة وعرض ترقيات مغرية لا تقاومها إلاذوات الأخلاق العالية والإيمان الكبير بالله وحده القادر على تقسيم رزق العباد فيعطي من يشاء ويمنع عمن يشاء.

“الشروق” توقفت عند الظاهرة واستنطقت المختصين من المحامين والناشطين والجمعيات النسوية الذي أجمعوا على أن الظاهرة بلغت حدا لا يمكن السكوت عنه بعد أن هدّمت أسرا وهدرت أنفسا.. فهل ينصف المجتمع المرأة أم إنه يواصل في إدانتها رغم أنها ضحية بامتياز.

خروج المرأة للعمل لا يعني أبدا تنازلها عن شرفها أو مقايضته كما يعتقده بعض المهووسين بـ “ثقافة الجسد”، بل هو نابع عن حاجة أساسية لها، سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم فكرية، لكن في خضم كل هذا تصطدم المرأة بعقبات جمة تحول دون تفوقها في العديد من الأحيان، فتنتهي إمّا بالرضوخ أو الاستقالة أو الانتحار.

على المرأة كسر جدار الصمت 

أكدت شائعة جعفري، رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، استقبال المرصد حالات من مختلف ولايات الوطن تعكس معاناة أليمة لنساء عاملات يعانين في صمت.

هؤلاء العاملات، حسب جعفري، تعرضن لتحرش معنوي وبسيكولوجي من قبل مسؤوليهم تطوّر فيما بعد أمام محاولات التجاهل واللامبالاة إلى تحرش “جسدي” ومقايضة بين الاستمرار في الوظيفة أو الخضوع لرغباتهم.

ودعت المتحدثة النساء إلى عدم الخضوع وضرورة التبليغ عن كل ما يتعرضن له لكسر جدار الصمت، فالسكوت عن الظاهرة، كما قالت، يجعل الفاعلين يتمادون في أفعالهم، مضيفة أنه على المجتمع تفهم هذه المرأة التي تخرج للعمل لإعالة أسرتها وتحقيق ذاتها.

وتطرقت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة إلى الفراغ القانوني المسجل في التشريع الجزائري المجرم للتحرش بالمرأة بسبب عدم ثبوت الدلائل.

وتفصل أكثر فتقول إنّ التحرش سلوك يتم في شكل سرّيّ وينتهي عادة ببراءة المتهم، لذا يجب دعم القوانين بما يساعد على تطبيقها، مؤكدة أنّ قانون تجريم العنف ضد المرأة مكسب إضافي للمرأة، لكن يجب إيجاد الآليات الكاملة لتطبيقه.

3 سنوات أقصى عقوبة للتحرش والبراءة غالبا للجناة

من جهتها،أكّدت المحامية والحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم أن المتحرشين من أرباب العمل يبدؤون دوما بتحرش جنسي وإذا لم يوفّقوا فيه يتحولون إلى التحرش المعنوي، حيث يحاول المسؤول الانفراد بـ”فريسته” في مكتبه أو مواعدتها خارجا بحجة مرافقته في عشاء عمل أو غداء عمل،وإذا ما لمس مقاومة في الأمر وإصرارا على رفضه يتحول إلى مهاجم شرس فلا يفوت فرصة للنيل منها معنويا عن طريق التقليل من قيمتها والحط من كرامتها وتوجيه الألفاظالقبيحة إليها أو على النقيض من ذلك يتجاهلها ويعزلها تماما وكأنها جماد ويحبط لها قدراتها في العمل، فالكفاءة لا تؤخذ بعين الاعتبار عند عديمي الشرف.

وأضافت بن براهم أنّ تجريم التحرش الجنسي هو ثمرة سنوات عديدة من النضال، غير أنّ القانون الجزائري لم يشر إلى التحرش المعنوي ولم يتناوله بالتفصيل والتوضيح المستحق.وفصّلت بن براهم في أنواع التحرش الذي تواجهه المرأة وهي التحرش الجنسي والمعنوي والاقتصادي مؤكدة أنّ خروج المرأة للعمل يجب أن يحفظ لها كرامتها وإنسانيتها ويضمن لها مساواة في الحقوق والواجبات.

وكشفت بن براهم أن هذا النوع من المسؤولين يدرس الحالة العامة لفريسته على جميع الأصعدة ويمسكها من اليد التي توجعها وهو لا يفرق بين المنظفة والمرأةفكلاهما يتساويان أمام نزواته.وأبرزت بن براهم إشكاليةإثبات الدلائل في القانون فالجريمة غالبا ما تتم في شكل سري وأماكن مغلقة، وبصعوبة جدا يثبت الأمر.

وحددت المحامية العقوبة المنصوص عليها قانونا بثلاث سنوات سجنا في أحسن الحالات وأحيانا لا ترقى إلى هذا حيث يدمج فيها جريمة التحرش الجنسي والاعتداء الجسدي والابتزاز.

لكن للأسف غالبا ما يحصل المتحرشون من المسؤولين على البراءة إما بسبب الصمت من قبل الضحية وعدم الإفصاح عما تتعرض له أو بسبب خشيتها من نظرة المجتمع إليها وعدم التمكن من الظفر بوظيفة أخرى.

أزواج وإخوة يساندون زوجاتهم وأخواتهم 

أعربت المحامية بن براهم وعدد من الجمعيات الناشطة في مجال حقوق المرأة أن بعض الذهنيات بدأت تتغير إزاء هذا الموضوع فلم تعد المرأة الضحية مذنبة في نظر زوجها وأخيها وأبيها بل وأكثر من هذا أصبح هؤلاء مساندين لها ويرافقونها في المسار القانوني الذي تبدأ فيه من تبليغ لدى النقابة أو الشرطة وحتى رفع القضية إلى المحكمة.

نساء ينتحرن بعد الرّضوخ للتحرش الجنسي

كشفت لنا المحامية بن براهم وعدد من المختصين أن بعض النساء اللواتي يضعفن أمام مساومات مسؤوليهم غالبا ما ينتحرن ويتركن رسائل لأهلهن يطلبن فيها المعذرة والسماح لأنهن لم يكن على قدر الثقة التي وضعت فيهن.

وتأتي هذه الخطوة بعد استنفاد كل محاولات التوسل إلى الجناة للتوقف عن تحرشهم وطي الصفحة، غير أنه للأسف يصدمن بالتشهير بهن عبر مختلف الوسائط التكنولوجية.

واستدلت بن براهم ببعض الحالات اللواتي تقدمن بدعوى ضد مسؤوليهن لكن أخبارهن انقطعت بعد مدّة لتفاجأ بأنهن انتحرن، وهو نفس ما ذهبت إليه بعض تقارير مصالح الأمن والشرطة في سنوات خلت.

غياب الأدلة يحوّل الضحية إلى متهمة ولا بد من حماية الشهود

وصفت النقابية والمختصة النفسانية سمية صالحي، الناشطة في مجال حماية حقوق المرأة، التحرش الجنسي بالمرأة بالمعاناة الكبيرة، مؤكدة أن نشاط خلية الإصغاء ومساعدة ضحايا التحرش الجنسي غيّرت الكثير من المعطيات وأسقطت كل الأحكام المسبقة.

وأكدت صالحي أنّ التحرش الجنسي الممارس على المرأة العاملة من قبل مسؤوليها لا يعترف بالحدود، فالكل مستباحات أمامه سواء متزوجة أو أرملة أو مطلقة وسواء كانت شابة أو مسنة وسواء كانت متبرجة أو متحجبة أو محافظة وسواء أيضا كانت جميلة أو قبيحة.

وغالبا ما يقتنص هؤلاء فرصة طلب المرأة للوظيفة أو الترقية لمساوماتهم الدنيئة، فالعقلية الذكورية تقول النقابية تنظر للمرأة على أنها أداة متعة وهو ما يعيق تطور المرأة في مجالها المهني الذي ضمنه لها الدستور وبالتالي مضايقتها للتخلي عن طموحها، في إطار استغلال النفوذ.

وأرجعت المختصة النفسانية تكتم المرأة عن الحادث إلى تحميل المجتمع المرأة الضحية المسؤولية وتحويلها من ضحية إلى مذنبة، لاسيما وأن التحرش يتم في مكان سري بعيدا عن الأعين والشهود وهي إشكالية تطرح نفسها بإلحاح في مجال توفر الأدلة وحماية الشهود، وإذا ما لم تتمكن المرأة من الإثبات، فإن الأمر سينقلب عليها وتتحول عليها التهمة بالتشهير والقذف وأنّها هي التي أثارته بهيأتها وسلوكياتها، لتطالب بالتعويض، لذا يجب مرافقة المرأة للأخذ بيدها إلى الطريق الصحيح للاقتصاص ولكي لا تستغل بطريقة بشعة لاسيما في ظل القوانين الجديدة التي وسعت من دائرة المتحرشين.

واستعرضت محدثتنا قوانين 2004 و2006 و2015 وما قدمته من مكاسب للمرأة برفع العقوبة من عام حبسا إلى 3 سنوات حبسا، في انتظار بعض التفاصيل التي يجب مراجعتها، أهمها حماية الشهود من الانتقام.

وتسجل الجزائر سنويا مئات الحالات من التحرش غالبها يكون مصيره الكتمان وقطرة من بحر فقط تعرف طريقها للإفصاح والقضاء.

وفي الأخير دعت المتحدثة جميع النساء الضحايا إلى إتباع الإجراءات الدقيقة لاسترداد كرامتهن المهدورة لاسيما في ظل وسائل التكنولوجيا المتاحة التي تضمن لهن إثبات الجريمة بعد الحصول طبعا على رخصة من قبل وكيل الجمهورية في الجزائر.

التحرش الجنسي بالمرأة أثناء العمل

التحرش الجنسي بالمرأة أثناء العمل

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015