ريم شطيح/ الحوار المتمدن- في مواجهة الشر أو المتاعب والظروف في كل العصور، لا بدّ للإنسان رجلاً كان أو امرأةً أن يكون قوياً قادراً على المواجهة. وكي يكون قادراً أو على الأقل يستطيع حماية نفسه، لا بدّ من نوع من الحصانة الاقتصادية المادية كي تَضمن له استقلاليته لاتخاذ أي قرار يُبعده عن محيط العنف والشر، أو يساعده على الحل في مواجهة الظروف وخاصةً للجنس المُستضعف في المجتمعات الشرقية أَلا وهو المرأة.
خاضتْ المرأة (معارك) منذ عقود وما زالت من أجل مساواتها بالرجل ومطالبتها بحقوقها، إذ عملت المجتمعات البدائية بالتزامن مع الأفكار الدينية سائدة على عدم مساواة المرأة والرجل في الأدوار أو حتى في القيمة، فجُعِل دور المرأة نفعياً يقتصر على خدمة الزوج والأولاد، وحصرها في دورها البيولوجي في الإنجاب، وإبعادها عن معترك الحياة العملية والمهنية، وإبقائها في دورها المنزلي التَّبَعي، فمِن تحت وصاية أبيها إلى وصاية زوجها.
وكانت وما زالت تتعرض للكثير من العنف الأُسَري من دون أن تجد لنفسها أو لأطفالها حيلةً أو مرجعيةً للحماية خصوصاً إذا كانت غير قادرة أن تُعيل نفسها اقتصادياً، ولأن البنود التي ينصّ عليها قانون الأحوال الشخصية في معظم الدول العربية والشرق أوسطية لا تُساند المرأة بشكل كامل، لاسيما في حالات الطلاق وحرمانها من بيت الزوجية في هذه الظروف؛ تجد المرأة نفسها ضعيفة لا حيلة لها فتستسلم للحلول التي تُبقيها على الأقل تحت سقف منزل يؤويها. من هنا، كان لعمل المرأة وعلمها وثقافتها دور مهم في حماية نفسها وتحرّرها سواء كان من التبعية الاقتصادية للرجل أو من العنف المُوجَّه لها منه في حال وُجِد. وإنّ في حماية نفسها حمايةٌ أيضاً لأطفالها في حال كانت تتعرض وأطفالها للعنف الأُسَري من الزوج أو حتى من الأهل، فضلاً عن أنّ في عملها مساندة للرجل ومشاركة في العبء المادي الذي يقع عليه في تأمين حاجيات العائلة.
لا بدّ من التأكيد أنّ الاستقلالية الاقتصادية هي أساس وركيزة مهمة في حياة الإنسان عموماً، ولكي تضمن المرأة حصولها على عمل، عليها أن تتسلح بالعلم وبشهادة جامعية كحدٍّ أدنى قد يضمن لها إيجاد عمل يحميها تُعيل نفسها من خلاله. إلاّ أنّ عمل المرأة خارج المنزل ما زال يُشكِّل معضِّلة ما عند مُناهِضَيه مِمَّن يعتبر أنّ عمل المرأة يتعارض نوعاً ما مع أدائها في الحياة المنزلية وقدرتها على الموازنة بين العمل والعائلة أُماً وزوجةً ومربية، إلاّ أن هذا قابلٌ للحل بمشاركة الزوجين في العناية بالأولاد أو الأمور المنزلية الطارئة وغيرها.
من جهة أخرى، ما زالت في مجتمعنا فئة تعتبر عمل المرأة خطراً على الرجل، وذلك لأسباب قد تساوي بينهما، وهذا ما لا يقبله الكثير من الرجال في المجتمعات الذكورية، أو لأسباب أخرى لها علاقة بالموروث الثقافي والديني الذي قد يعارض وجود المرأة وتعاملها بكيان مستقل في العمل، إذ ما زالتْ مسألة حصار المرأة تحت ذريعة حمايتها تُشكِّل العائق الأهم والأكبر، وكذلك السيطرة عليها وإبقائها حبيسة منزلها والعائلة و(القليل من الحقوق).
إذاً الضروري اليوم هو العمل على تغيير النظرة الذكورية إلى المرأة العاملة، وحثّ المرأة على الاستمرارية في نضالها من أجل تحرّرها من قيود المجتمع الذكوري مع الحفاظ على دورها أماً وزوجة في حال كانت أو أرادت أن تكونَ أُماً وراعية لشؤون العائلة.
على المرأة اليوم الاجتهاد على وضعها وتثقيف نفسها وأن تعرف أولاً حقوقها وواجباتها وحقوق الرجل أيضاً لتستطيع تربية أولادها والمساهمة في تعليمهم. عملها خارج المنزل يُعطيها حصانةً اقتصاديةً تستطيع من خلالها حماية نفسها ليس فقط من عنف الزوج، بل من الأفكار البدائية والقيود والتقاليد الموروثة التي تُعيق تحرّرها ومساواتها بالرجل بالحقوق والواجبات ولتستطيع أن تكون إنسانة تشعر بإنسانيتها وقيمتها.
وعلى الحقوقيين اليوم والمثقفين من كل الفئات المطالبة بتعديل المواد والبنود في قانون الأحوال الشخصية التي لا تُساوي بين الرجل والمرأة، والعمل على رفع وصاية رجال الدين عن القانون والمطالبة بقوانين مدَنية أكثر إنسانية تحفظ حقوق الجميع.
ريم شطيح – كاتبة وباحثة سورية