رويدا مطر/ imshe شبكة (أنا هي)- في زمن الحرب التي استعرت في كل شبر من سوريا، ووسط خراب لا نستطيع التنبؤ بنهايته، يأتي كتيب بعنوان “خمس كاتبات ورجل وفيروس” ليروي قصصاً عن مواجهة فيروس كورونا من قلب الحرب.
ظهر فيروس كورونا الذي سعى إلى العالم كله، ولم تكن سوريا استثناء، ليزيد من قلق السوريين الذين يقارعون الموت في كل لحظة، وباحتمالات متعددة زادها احتمال الموت بفيروس مجهول الهوية، وسط تخبط وزارة الصحة السورية في الإعلان عن الفايروس وكيفية مواجهته.
قررت خمس كاتبات وكاتب يعيشون داخل سوريا وبالتعاون مع “شبكة أنا هي” إصدار الكتيب الذي يحوي مقالات تروي كاتباتها وكاتبها تجاربهن/م الشخصية في مواجهة الفيروس، للتحدث عن ما حمل لهن/م هذا الوباء من مشاعر متناقضة، تعكس في معظمها ما عايشه السوريون والسوريات أثناء تفشي الوباء، والحجر، عن الوحدة والعزلة، والقلق من المجهول والتناقض التي حملته عبارة “مسافة الأمان” بين حماية الآخر بالابتعاد عنه، وبين الحاجة للتقارب الجسدي مع الأحبة.
تروي الفنانة التشكيلية سوسن جلال قصتها، وهي من اتخذت قراراً بمغادرة منزلها بعد أن حاصرتها الحرب في دمشق متجهة إلى لبنان إلى أرض قريبة من الحدود السورية لتكون على مقربة من مناخ وطبيعة البلد التي طالما أحبت، لتحاصرها جائحة كورونا، وتعلم بمرض أختها، فتقرر العودة مجدداً إلى منزلها في دمشق علها أيضاً تحتمي من الجائحة.
رحلة مؤلمة ترويها الفنانة جلال مع إصابة أختها التي أخطأ الأطباء في التعامل مع حالتها الصحية، فأعطوها كمّاً من المضادات الحيوية، لعدم معرفتهم بإصابتها، ولعدم توفر تحليل لوجود الفايروس في المشافي السورية يثبت لهم إصابتها أو ينفيها، ما أدى لوفاتها، وليبقى السؤال: هل توفيت بسبب الفايروس؟ أم بسبب خطأ طبي؟ أم هو قدرها؟.
تحملنا الكاتبة سلوى زكزك معها لنعيش حالة الحصار أثناء الحجر، وهي القاصة التي اعتادت التجول بين الناس في الشوارع، والأسواق لنقل قصصهم آلامهم، وأفراحهم، وتعابير الوجوه، وردات الفعل، لكن الحجر كان حائلاً دون ذلك. “هل تنجو الحكايات إن لم تدوّن؟ مؤكد أنها لن تنجو، وإن نجت كوقائع ستفتقد العاطفة، ستفتقد وهج اللقاء وتعابير وجوه الرواة، وحرارة الكلمات المتدفقة. أسئلة حادة ويومية فرضها حضور الفايروس بيننا كحاجز من الصمت القابل للتفجر، أو كحالة حصار ينبغي تدبّر حل سريع، وآمن وبأقل الخسائر للخروج منها وكسرها سريعاً”.
تكتب عن الصدمة، صدمة الحجر، التي أظهرت هشاشتنا، هشاشة العلاقات والروابط وهشاشة النظام الاجتماعي والطبي، تفاصيل ترويها بعمق وتصور حالة الجمود أثناء الإغلاق وتتناول حال المواطنين الذين فرض عليهم الحجر أسوة بكل سكان العالم.. لكن وبالمقابل هل توفر لهم ما كان يتوفر للمواطنين في باقي الدول، فقد غاب الضمان الاجتماعي والطبي مقابل خسارتهم للدخل وانقطاع أعمالهم.
تتقمص الكاتبة كوليت بهنا شخصية الفايروس لتروي لنا تفاصيل عن حال دمشق وسكانها، وقوة نسائها اللواتي تقاتل، وتتحدى لتأمين لقمة عيشها، لدرجة أن الفيروس عجب منهن فهن المتابعات لعدة أعمال في آن معاً في حين ينأى رجالهن بأنفسهم عن المشاركة بتلك الأعمال، ولا ينكر أن بعض الأزواج قدموا مساعدات “فضلاً عن أني صرت أراقب بعض النساء الملزمات بمتابعة أعمالهن عبر الإنترنت، وهو الأسلوب الجديد الذي فرضْتُه أنا على العالم، حيث كنَّ في معظم الحالات يتابعن إلكترونياً عبر السماعات، ويستكملن باليد الأخرى طهو الطعام أو تغيير فوطة لرضيع، وهنّ يحاولن أن يضبطن تشويش أطفالهن حولهن. فيما حضرة الزوج يجلس قريباً، يلف ساقاً فوق ساق، ويبدو متأففاً من انشغال زوجته. وبالتأكيد لا أنكر أنني صادفت قلة من الرجال المنصفين والداعمين لزوجاتهم، وتأملت أن يصبح الأمر اعتيادياً في المستقبل، والتعامل مع أعباء الأسرة الداخلية والخارجية بعدالة وتشاركية”.
وتستغل الفرصة لتصف لنا ما يعانيه الناس من الوقوف على الطوابير لشراء خبزهم ووقودهم وشظف عيشهم لدرجة أن الفيروس أشفق على حالهم، وقرر تحاشيهم قدر الإمكان، فهو لم يكن السبب الأساسي في هذا الشقاء تقول على لسان الفيروس: “انتابني الأسى، فهرولتُ خارج منزلها، وأنا أصرخ دون أن يسمعني أو يراني أحد، وأعتذر من أهل الشام، كل الشام، وأخبرهم أنني جرّبتُ عدم أذيتهم بما استطعت من قوة، وأني غير مسؤول عن شقائهم المقيم، لكني أضفت لهم ثقلاً جديداً، أقسمت أن أخفف من وطأته، وأن أختفي بعيداً بقدر المتاح لي”.
ينقل لنا الكتيب صورة مصغرة للشعب السوري أثناء الوباء الذي تحملت نساءه العبء الأكبر في مواجهته، كما في كل أزمة، وبصور مختلفة، فقد أدخلنا إلى بعض البيوت لنشهد تحملهن عبء الاهتمام بأفراد الأسرة، ومنهن من فقدت عملها وهي المعيلة الوحيدة لأفراد أسرتها، ومنهن من تعرضت للعنف بسبب الضغوط التي سببها الحجر على الرجال لعدم قدرتهم على الخروج لمزاولة أعمالهم، لكنه ومن جهة أخرى ينقل لنا وقائع عن حكمة النساء في التعامل مع الأزمات، على الرغم أن ظاهر تصرفاتهن قسوة إلا أنها الرحمة بعينها.
خضع الكاتب يعرب العيسى للحجر مائة يوم تحت “حكم بابل” ابنته التي استبقت إدراك الحكومة للخطر القادم، وهي من كانت تغرق كل من في المنزل بالإجراءات الاحترازية ضد الفايروس، فكانت تمارس سلطتها بصرامة تامة على كل من في البيت وتخضعهم لإجراءات التعقيم والتباعد الاجتماعي ولبس الكفوف والكمامات، وتتابع إحصاء المصابين والوفيات والمعافين، كما أنها اتخذت على عاتقها مهمة الخروج لإحضار احتياجات المنزل، وكانت نافذتهم الوحيدة على العالم الخارجي حتى أحس بالاختناق واحتال عليها ليهرب.
يسرد من خلال الأحداث مقارنة مع ما يجري في الدول الأخرى عن اهتمام الدول بالأطفال والشباب ففي خطاب لرئيسة وزراء نيوزلندا تعطي استثناء لإيصال “أرنب الفصح” إلى بيوت الأطفال، كم كانت الفكرة عذبة لو أنها اجتاحت العالم!
يقارن بين تصريحات السياسيين والسياسيات في العالم، ما يقودنا للتفكير لو أن النساء تستلم زمام الأمور في التعامل مع الأزمات ” كانت الصورة تتوضح في ذهني وأنا في الطريق.. على خارطة العالم كانت البقع الأفضل أداءً هي البقع التي أدارتها النساء، آيسلندا وفنلندا والنرويج، والدانمارك وتايوان وبنغلادش ونيوزلندا و… بيتي كذلك”.
تتجدد المقارنات وتتكرر بين الكتاب بين تفاعل السياسيين والأثرياء مع أزمات شعوبهم وبين السوريين المحاصرين بكل أسباب الموت والعنف لنجد ذلك عند الكاتبة رغد الفيصل في نصها “سقف الألم”.
تسلّط الفيصل الضوء على العنف الذي وقع على النساء أثناء الحجر واضطرارهن للخضوع لكن ما إن سنحت لإحداهن الفرصة حتى هربت بعيداً..
لكن نص المصورة علياء حجل ورغم إحساسها بأن صورها افتقدت للحياة أثناء الحجر، ورغم إصابة والدتها والقلق الذي فرضته الإصابة على أجواء المنزل إلا أنها أضفت جانباً مشرقا من خلال نصها عن الحياة التشاركية بينها وبين والدها وتضامن أخيها معها.
لكن كما أن الطبيعة في تجدد دائم، فالإنسان جزء منها تستعيد الكاتبات والكاتب أورواحن/م الآملة بقادم أفضل، وبأحلام جديدة.
وأقتبس هنا من نص سوسن جلال “في يوم من الأيام، قال الفنان العالمي ماتيس: ثمة أزهار في كل مكان لمن أراد أن يرى. أنا فنانة تشكيلية، هاوية ومحترفة للفن، وعاشقة متيمة به، سأظل أبحث عن هذه الأزهار لأراها بين جدران دمشق وفضائها وثناياها، لأنني أنا سوسن، التي كان لاسمها نصيب في معظم ما رسمته من أزهار السوسن الزرقاء الحزينة، أزهار كانت تبدو حزينة لناظرها، لكنها كانت دوماً آسرة الجمال لمن يتذوق الفن ويفهم رسوخه في الأرض، الأم، الأنثى الأبدية”.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.