رصيف22- “رغم مرور قرابة الـ17 عاماً على عملية ختاني، لم أزل لا أقوى على أن أخبر أحداً عن الألم الذي أشعر به شهرياً في مكان القطع، ولا أستطيع حتى أن أتحسسه. ظللت سنوات عدة أعاني في صمت. أتساءل: هل يتهمني زوجي بالبرودة؟ هل يقبلني أحد الرجال؟ هل أستطيع الزواج؟”.
كلمات قليلة قالتها لرصيف22 واختصرت بها الناشطة النسوية شيماء طنطاوي، 27 عاماً، ذكريات وصفتها بالأليمة عن تعرضها لعملية الختان وهي في عمر 11 عاماً.
شيماء التي صارت تنادي فى كل مكان بوقف عمليات الختان وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث هي واحدة من ملايين الفتيات المصريات اللواتي تعرضن للختان خلال طفولتهن.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) تأتي مصر بين أعلى الدول ممارسةً لختان الإناث، بنسبة بلغت نحو 97%، خاصة مع انتمائها إلى القارة السمراء صاحبه الريادة فى تلك العمليات.
وتشير “يونيسيف” عبر موقعها الإلكتروني إلى أن أكثر من 70 مليون فتاة وامرأة تراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً تعرضن للختان في 28 بلداً أفريقياً، وهناك ثلاثة ملايين فتاة يواجهن مخاطر الختان كل عام في القارة الأفريقية وحدها.
لم يكن الختان مجرّماً دولياً إلى أن أعلنت الأمم المتحدة في مايو 2005، اعتبار يوم 6 فبراير من كل عام يوماً عالمياً لرفض ختان الإناث، ثم أصدرت مصر عام 2008، قانون تجريم ختان الإناث.
وعام 2016 وبعد ضغوط عدة من منظمات نسوية أقر البرلمان المصري تعديلات لقانون العقوبات بموجب قانون رقم 78 لسنة 2016، ليُدخل لأول مرة تعريفاً لختان الاناث في متن القانون، معرّفاً إياه بأنه “ختان من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي”، وذلك بعد أن قضت عشرات الفتيات ضحايا للختان بمحافظات مصر المختلفة.
تستكمل شيماء قصتها: “جرت عملية ختاني على يد طبيب، كنت أخشى الذهاب للحمام من شدة الألم لدى التبول، وما كنت أخشاه حدث. فمع ذهابي لقضاء حاجتي ظللت أنزف دماً وشعرت وكأن قلبي سيتوقف من الخوف. فالجرح لم يلتئم وظللت أتداوى قرابة الشهر. لفترات طويلة بقيت أشعر أن جزءاً مني مفقود”.
تبلغ نسبة عمليات ختان الإناث التي أجريت لفتيات عمرهنّ أقل من 20 عاماً على يد أطباء، 74%، وتزداد هذه النسبة إلى 82% إذا ما تم حساب العمليات التي أجراها أطباء وأصحاب المهن الصحية الأخرى كالممرضات، بحسب المسح الصحي الديموغرافي في مصر عام 2014.
تصف رباب عزام التي تعمل صحافية بإحدى الصحف المصرية تجربتها مع الختان بانها أسوأ حادث تحرش جماعي وقع لها، وهو برأيها تحرش نفسي واجتماعي قبل أن يكون جسدياً، وقد وقع بموافقة أهلها وأمامهم.
رباب كانت قد دونت مؤخراً تحت هاشتاج مناهض للتحرش الجنسي: “مش هقدر أوصف البشاعة في تحرشهم كلهم بيا في نفس الوقت وعقلي مقدرش يستوعب إزاي يسمحوا لراجل يكشفني ويبقى زي الجزار ويدبحني وكلهم قاعدين يتفرجوا”.
قالت لرصيف22 إنها استطاعت أن تقنع أهلها بعد سنوات بألا يقوموا بتنفيذ العملية نفسها مع شقيقتها الصغرى ونجحت فى ذلك، متسائلة عن إمكانية وجود قانون يتيح للبنت رفع دعوى ضد أهلها عندما تكبر بسبب الأذى الذي وقعت فيه.
“أخشى العلاقة الجنسية”
“أخاف من دخولي في علاقه جسديه وأشعر بأنني سأكون باردة”، كلمات وصفت بها “هبه الله” الطالبة بإحدى كليات الإعلام والتى تم ختانها بعمر الثماني سنوات.
هبة التي تبلغ من العمر الآن 20 عاماً تروى لرصيف22 أنها لم تكن تعلم أن ما حدث في صغرها هو الختان. وقالت: “كنت في سن الثامنة تقريباً، أخبرتني أمي أنه يوجد بعانتي جزء لا أعلم اسمه إلى الآن، يكبر بشكل يضايق الفتاة فلا تواصل حياتها على نحو طبيعي لدى المشي أو لدى ممارسة الرياضة وهو مستمر في النمو، لكنها تخاف من أذيتي باستئصاله. فأتى دكتور من أبناء قريتي بجهاز يكوي هذا الجزء ويمنعه من مواصلة نموه بدون نقطة دماء. لم أشعر سوى “بشكة دبوس”، وعدت إلى البيت سيراً”.
تتابع هبه: “كبرت وفهمت معنى الختان لكني كنت لا أعلم إذا كان ما حدث لي هو ختان. فأمي متعلمة ولن تسمح بختاني، وهي ترفض الختان. كنت أظنها لا تعلم حقيقة أن هذا ختان، إلى أن تحدثت إلى صديق مقرب وكان طبيباً، فأخبرني أن ما وقع لي هو ختان. شعرت حينها أن أمي سرقت حقاً لي وصرت أخاف من الدخول فى علاقة جسدية”.
تختم هبه: “برغم معاملتي الجيدة لأمي، انتظر اليوم الذي إحرمها فيه من رؤية أولادي منفردين حماية لهم وعقاباً لها”.
“حتة اللحمة فضلت على ذراعي”
“ختنت في كشك خشبي من دون بنج وكنت أرتدي بيجاما، أنا أكره أهلي بسبب الختان وحتى العلاج النفسي لا يساعدني على التحسن”، ذكريات مؤلمة تستعيدها “سعاد”، اسم مستعار لشابة عمرها 26 عاماً، وتعد دراسات عليا فى العلوم بالولايات المتحدة حالياً.
تم ختان سعاد عندما كانت فى عمر الـ16 عاماً. تروي لرصيف22: “خالتي وأمي كانتا معي يومها. قالت لي أمي أن الرجل يريد أن يكشف علي فقط. كان عجوزاً جداً وكان يحمل موس الحلاقين، شعرت بلحمي يتقطع وصرخت حتى انقطع نفسي. تركت الصالة موجوعه بشدة ولما خرجت قالت خالتي: ايه اللي خرجك ادخلي جوا. قضيت شهراً كاملاً وأمي تجلسني في طبق من البلاستيك فيه مياه وملح لأن الألم كان فظيعاً”.
تستطرد سعاد: “حتة اللحمة التي قطعوها من جسمي بقيت مربوطه على ذراعي إلى أن توقف الجرح عن النزيف، وحينها فقط أزالتها أمي. لم أعرف ما حدث لي حينها حتى عمر العشرين، عندما أصبت بمشاكل صحية بسبب الختان ورفض أهلي أن أزور طبيب النساء وكأنه عيب، بينما من الطبيعي أن يقوم حلاق بقطع حتة من جسمي”.
مشرط الداية
أما حكاية أمل ج.، 28 عاماً، من محافظة القاهرة، فكانت مختلفة قليلاً، فمشرط الداية كان رحيماً بها وكادت الداية تنقذها، لكن أهلها أصروا على إجراء الختان.
روت لرصيف22: “كان عمري أحد عشر عاماً، كنا فى زيارة للبلد وأمي أخبرتني أن لدي قطعة جلد زائدة ولا بد من إزالتها. رفضت خوفاً ثم فوجئت بها تخبرني أن هناك امرأة ستأتي لزيارتنا يوم غد حتى تجري لي الختان، قائلةً: هتعملك عملية تجميل عشان تبقي حلوه وتعرفي تلبسي بناطيل، هنشيل حتة لحمة ميتة زيادة فى الجسم علشان ما توجعكي لما تكبري”.
وتابعت: “بدأت أفكر في الأمر وكان سؤالي هل سأشعر بألم؟ أجابتني أنني سأخذ بنجاً ولن أشعر بشيء. لم أنم تلك الليلة. في الصباح وجدت أمامي سيدة يسمونها “الداية”، وقالت لي: “انت عسولة أوي وهتبقي أحلى وأحلى كمان”.
وأكملت: “ظللت أتوسل حتى تنفست الصعداء حينما أخبرت الداية أمي “دي مش محتاجة وجميلة كده”، فوجئت بأمي في تلك اللحظة تصر على إجراء العملية وكانت صدمة كبيرة لي. وبالفعل استلقيت وفتحت رجلي، اقتربت الداية مني وقامت برش بنج أشبه ببنج أطباء الأسنان وأخرجت المشرط وقامت بإخفائه بجانبها”.
تضيف أمل: “حاولت مراراً النهوض لرؤيته، ثم بدأن أقرأ القرآن من الخوف، وفجأة شعرت بصرخه تخرج من بطني. ثم نمت”. وتشير إلى أنها رفضت أن يدخل عليها أحد بعدما استفاقت، ولا حتى أمها. “كنت أغلق الباب خشية أن يدخل على أحد ويكشف عورتي. أصبح لدي هاجس من الزواج، وكلما ذكر أحدهم لي سيرة الدورة الشهرية، والدماء، والزواج أتذكر ذلك المشهد. أي شيء يذكرني بالعضو التناسلي المبتور”.
تتذكر أمل أنها في إحدى المرات وهي تلهو بلعبتها، وجدت نفسها تفتح ساقي اللعبة وتحضر علبة كبريت وتشعل بها النيران وتحرق المكان نفسه الذي جرى فيه الختان.
كانت الدكتورة نوال السعداوي من أوائل النساء اللاتي أفصحن عن تجاربهن السيئة مع الختان وأثارت ضجة كبيرة عندما كتبت ما حدث معها حينما كانت طفلة لا تتعدى سبع سنوات من العمر.
وقالت: “اجتمع أفراد العائلة، قيدوني وكمموا فمي، وبالمشرط بتروا عضواً من جسدي، لم أعرف ما هو، كان الألم أكبر من قدرتي على المعرفة، ثم سقط الألم من ذاكرتي مع الزمن، لتطفو المعرفة بعد عشرين عاماً على سطح الوعي، حينما دخلت كلية الطب ورأيت الموت بأم عيني، وسمعت صراخ الأطفال”.
أكثر من 200 مليون امرأة في العالم تعرضت للختان بحسب تقرير أصدرته منظمة اليونيسف في اليوم العالمي للختان، وفي البلدان الـ30 التي تسجل أكبر معدلات لهذه الممارسة، تعرضت غالبية الفتيات للختان قبل سن 5 سنوات. أما في أفريقيا والشرق الأوسط، فتعرضت أكثر من 130 مليون امرأة في 29 دولة للختان بحسب تقرير صدر عن المنظمة عام 2015.
نصف اللواتي عانين من هذه الممارسة يعشن في مصر وإثيوبيا واندونيسيا، وتكاد تكون ممارسة الختان معممة في دول مثل مصر والصومال وجيبوتي، حيث تتخطى نسبة النساء اللواتي تعرضن للختان الـ90%. ولكن المشكلة لا تقتصر على النساء في المنطقة، إذ ارتفع عدد النساء المتعايشات مع الختان أو المتعرضات له من 168,000 في عام 1997 إلى 513,000 عام 2015 في الولايات المتحدة. أما في أوروبا، فيقدر أن مئات آلاف النساء قد تعرضن للختان فيما آلاف البنات معرضات له في المستقبل.
وفيما تحاول المنظمات الدولية مكافحة الختان الذي تجرّمه القوانين الدولية، تحل بعض البلدان العربية في صدارة قائمة البلدان التي تتعرّض فيها النساء لهذه العملية.