رصيف 22- تحاول دانة المعيوف، وهي فتاة سعودية أنهت قبل أشهر دراستها في أمريكا، الحصول على الإقامة هناك. ترفض العودة لبلادها مهما كان الثمن، وقد تقدمت بطلب هجرة.
تؤكد دانة في عدة تغريدات في حسابها الشخصي على تويتر أن قرار الهجرة كان أعظم قرار اتخذته في حياتها. معتبرةً أنه من الظلم أن تتزوج وتنجب أطفالاً وتتركهم بين مؤدلجين فكرياً.
وتضيف: “المرأة السعودية هي الوحيدة في العالم التي تحتاج إلى ولي أمر، وهي تعيش في بلدها وبين أهلها، ولا تقوم بأمر إلا بموافقة الكفيل وهو زوج أو أب”.
تفضل المعيوف أن تعيش من إيراد بيع الصور الفوتوغرافية التي تلتقطها على العودة إلى عائلتها. وهي ليست حالة فريدة، فقبل أيام من بروزها كناشطة ضد القيود المفروضة على النساء السعوديات، أعلنت مغردة أخرى، أطلقت على نفسها اسم “مظلومة قاضي بريدة”، أنها هاجرت للسويد هرباً من الظلم الذي وقع عليها، من أحد القضاة الذي وقف في صف زوجها، وهدد بحرمانها من أطفالها.
وبعد أن عجزت عن الحصول على حقوقها لأكثر من سبع سنوات، لم تجد حلاً سوى مغادرة البلاد دون رجعة، وخوفاً من أن يرفع زوجها والقاضي دعوى قضائية عليها بتهمة التشهير، كما ذكرت في عدة مقاطع فيديو نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
هناك حالات كثيرة
هذه بعض الحالات التي ظهرت على السطح في الأشهر الماضية، غير أن سلسلة الهروب أطول مما يبدو، وهي لا تقتصر على الفتيات فقط.
وقد دفع هذا الأمر عضو مجلس الشورى السعودي، الدكتور العزيز صدقة فاضل، لأن يطالب بدراسة أسباب هجرة مليون مواطن سعودي للعيش في الخارج، يقيم أكثرهم في مصر وبريطانيا وأميركا إلى جانب الإمارات ولبنان والمغرب.
واعتبر خلال كلمة ألقاها تحت قبة المجلس، في فبراير الماضي، أن إقامة نحو مليون سعودي في الخارج، خلال فترة وجيزة نسبياً، مؤشر على خلل ما، على الجهات المعنية مراجعته ودرسه قبل أن يتفاقم.
السجن بتهمة التشهير
تتكرر القصة في أكثر من مكان. ما تزال الفتاة السعودية التي هربت من عائلتها لجورجيا، خلال وجودهم في تركيا للسياحة، غير مكتملة الفصول. فلم تفلح عائلتها باستعادتها رغم جهودهم الكثيرة، خصوصاً أن الفتاة التي لم تتجاوز الـ17 من عمرها، نشرت عدة مقاطع فيديو تظهر والدها وهو يقوم بتعنيفها. واتهمت أخاها الأكبر بالتحرش بها، ما جعل عودتها للسعودية مستحيلة، لأنها ستودع السجن فور نزولها من الطائرة، بتهمة سرقة جوازات عائلتها، والتشهير بهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وهي جريمة تستوجب السجن لخمس سنوات، وفق قانون الجرائم المعلوماتية السعودي.
المصير نفسه قد تتعرض له فتاتان سعوديتان لم تتجاوزا العشرين من عمرهما، هربتا في أكتوبر الماضي لكوريا الجنوبية، دون سابق إنذار.
أكد حينها السفير السعودي في كوريا، رياض المباركي، دخول إحدى الفتاتين إلى كوريا، وقال في تصريح لقناة “الإخبارية” السعودية الحكومية، أنهم يعملون على تحديد مكان وجودها. بينما قالت السفارة السعودية في سيول، عبر سلسلة تغريدات على حسابها على تويتر، إنها تتابع الفتاتين لحل المشكلة.
غير أنه وبعد مرور أكثر من شهرين، ما تزال الفتاتان ترفضان العودة، ولم يتضح سبب هروبهما الحقيقي. فمع أن والد إحداهما، قال إن ابنته كانت تعشق المسلسلات الكورية، نقلت صحيفة عكاظ التي تصدر من جدة، عن والد الفتاة الأخرى، أنه تلقى رسالة بالبريد الإلكتروني منها، أخبرته فيها أنها سافرت لكوريا لغرض الدراسة والعيش هناك، وأنها لا ترغب في العودة للسعودية.
البحث عن الحرية
منذ تحذير عضو المجلس، لم يتم اتخاذ أي خطوات جادة لمعرفة الأسباب، وفضلت الجهات الرسمية التأكيد على أنها مجرد “حالات فردية”، لا تصل لمستوى الظاهرة التي يتطلب دراستها.
وهناك ناشطون حقوقيون، يؤكدون أن البحث عن الحرية، والتخلص من القيود القاسية، هما السبب وراء هروب الفتيات تحديداً.
تقول الناشطة الحقوقية وأستاذة الشريعة، الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، إنه في بعض الحالات، هناك قسوة على البنات من الأب أو الأم، أو حتى زوجة الأب. وتضيف لرصيف22: “غالبية الفتيات يبحثن عن الحرية، لأن لدينا تشدداً في كل شيء، وربط حياة الفتاة بولي أمرها بطريقة جعلتها تحت الولاية في كل خطواتها”.
وترى حماد أن الفتاة تشعر أنها مقيدة وليس لها كيان. وتوضح: “الرجل يتحكم في كل مناحي حياتها، ويستولي حتى على أموالها، وربما يعذبها، ويحرمها من الزواج ولو اشتكت يرفع عليها قضية عقوق فتُسجن وتُجلد، ولا تخرج من السجن إلا بموافقته”.
وتتابع: “علينا أن نبحث عن أسباب ما يحدث وندرسها لنعالجها، ونعدل الأنظمة التي تقيد تعاملات المرأة”.
سوء استخدام قانون العقوق
لا تبدو الجهات الرسمية متعجلة في دراسة الأسباب، بينما يشدد نائب رئيس الجمعية السعودية لحقوق الإنسان الدكتور خالد الفاخري، على أنه لا يجب التعميم، لأن الأمر لم يصل لمرحلة الظاهرة، ويقول لرصيف22: “هي حالات فردية، وكل حالة منها تختلف عن الأخرى ولها مبرراتها ودوافعها”.
ويرفض الفاخري الربط بين حالات الهروب، التي بدأت تتزايد، وبين حملة نزع الولاية. معتبراً أن للحملة هدفاً آخر يختلف عن أسباب الحالات التي غادرت البلاد، وأسبابها غالباً أسرية”.
ويضيف: “يصلنا كثير من الحالات، وعندما نرصدها نجد أن السبب هو سوء التعامل أو الحرمان من بعض الحقوق”.
لكنه يعترف أن هناك مشكلة حقيقية تكمن في استغلال بعض أولياء الأمور لقانون الجرائم الموجبة للإيقاف، ومن ضمنها “العقوق”.
ويوضح الفاخري: “في الفترة الحالية يتم القياس على سلوكيات الطرف الآخر، فقد يكون هناك سلوك سلبي له، أو طلبات غير معقولة، وعندما لا تنفذ يرفع قضية عقوق، لكن يتم اليوم التحقق من الدعوة، هل هي حقيقية أو لا، للتأكد من ألا تكون دعوى كيدية”.
قيود صارمة
سعوديات في السويد، وفي كوريا الجنوبية وفي جورجيا، وأكثر من 44 مبتعثة في بلدان مختلفة، يرفضن العودة لبلدهن، ويفضلن العيش في الخارج، بحسب الجمعية السعودية لحقوق الإنسان. منهن عالمات مشهورات مثل الدكتورة غادة المطيري التي تعمل حالياً أستاذة في جامعة كالفورنيا في سان دييغو.
لا يراها المسؤولون حالات تستحق الدراسة، مع أن جولة قصيرة على حسابات السعوديات في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً الصغيرات منهن، تكشف أن الهجرة حلم الكثيرات منهن، لكن صعوبة السفر دون موافقة ولي الأمر، والخوف من التجربة، يحول بينهن وبين ذلك.
من جهته استغرب الناشط الحقوقي وعضو مجلس الشورى السابق نجيب الزامل، تجاهل هذه الحالات، بداعي أنها حالات فريدة. ويقول: “علينا أولاً أن نعترف بأن لدينا مشكلة لنعالجها، حتى لو كانت حالة واحدة، ما دامت هناك فتيات وحتى شباب يهاجرون ويعيشون في الخارج، فالعقلية الدفاعية هي للتبرير وتعطيل الحلول لأن الأمر جرس إنذار، وعلينا الانتباه له”.
ولكن حتى يتم ذلك، ستستمر مثيلات دانة يحلمن بالهجرة ليشعرن بالحرية، والتخلص من سيطرة الرجل على كل ما يخصهن.