موقع (دنيا الوطن)- يعتبر حقّ المرأة في اختيار ماهية اللباس الذي تراه مناسبًا لها، من الحقوق الأساسية التي استطاعت المرأة السورية تحصيلها عبر التاريخ القديم والحديث، ولم يكن هذا الحق في يومٍ من الأيام منتهكًا، إلا في حالات بعينها، وضمن ظروف من القمع والعنف الممارس على النساء، كما حصل مع نساء سورية في عام 1981، عندما انتهكت حرمة هذا اللباس، ميليشيا (سرايا الدفاع) التي كان يرأسها في حينه، رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري حافظ الأسد، حيث شكلت ردّات فعل كبيرة من الناس، التي خرجت لتدافع عن حق المرأة في ارتداء الزي أو الحجاب الذي يناسبها، أو يتماشى مع عاداتها وتقاليدها وأعرافها المجتمعية، أما أن تتم اليوم محاولة فرض النقاب على المرأة السورية في محافظة ادلب، فهو من الأمور المستغربة، والتي (هي الأخرى) تلقى رفضًا مجتمعيًا وقيميًا مستمرًا.
اليوم ومع انتشار حالات فرض النقاب على المرأة السورية في ادلب، فإننا نجد حالةً من عدم الرضى (في مجتمعات ادلب) عندما يتم فرض النقاب بالقوة على المرأة، لأنه لا يتوافق مع حالة الحرية المبتغاة والمُتَطلع إليها في سورية المستقبل.
السيدة (لقاء– س) من بلدة سلقين في إدلب أكّدت لنا أنّ “الفصائل المتشددة تقوم بفرض الحجاب وبشكل قسري، ومن تجربتي الشخصية فقد قامت عناصر ما يسمى ب (الحسبة) التابعة ل (هيئة تحرير الشام)، بضربي وتعنيفي في الشارع العام، بسبب طفلتي البالغة من العمر الحادية عشر عامًا، بالرغم من وضعها غطاء الرأس، لأنه مخالف لنظام فرض النقاب، ولم تكن الحادثة الأولى فقد تعرضوا لنا أكثر من مرة، وبشكل سافر، على الرغم من أن طفلتي لم تبلغ السن الشرعي للحجاب”.
وتعتقد لقاء بأنّ “هناك رفض اجتماعي لشريعتهم البعيدة عن الدين الإسلامي، والدليل أنه في إحدى المرات تدخّلت إحدى الداعيات المرسلة من (الحسبة) ولما ناقشتها بأن الطفلة لم تبلغ السن الشرعي، وقلت لها: أليس هذا كلام الله؟ فردّت: (لا لأن حجمها يدعو للحجاب)، والواقع أن لا مرجعًا دينيًا ولا خلفية دينية صحيحة وراء كلامهم”.
وتابعت السيدة لقاء قولها “قامت الداعية هذه برفع دعوى ضدي، وتم استدعائي لمحكمتهم الشرعية، ولم أستجب طبعًا فتعرّض زوجي للمساءلة عوضًا عني، والحقيقة أن في قلبي الكثير من الجروح والاحساس بالإهانة من هذا الفرض”.
أما الطالبة الجامعية (صفية – ع) فقد تحدثت عما أسمته حجز الحرية حيث قالت “في تصرفاتهم ليس حجز لحريتنا فحسب، بل جلدٌ مدمى لإنسانيتنا، وأطفالنا تحملوا العبء الأكبر من خوف، وشعورٌ قاتل بمحو ملامح الطفولة من حياتهم، وحجم المعاناة من المحاصرة الصعبة”.
وتابعت تقول “هل هذا هو الدين؟ أقول لا، لأن أفكارهم مشتتة ومشوهة، وعلى المدى البعيد يجب أن تكون هناك رؤيةٌ صحيحةٌ للدين، نربّي عليها أولادنا، ولابدّ من فصل الدين عن المجريات السياسية، وأعتبر أن ما يحصل لنا هو فسادٌ يجب بتره”.
وانطلاقاً من أنه لابد من تشاركية مع بعض مفاصل ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة، وبحقوق الناس، كي تقف إلى جانب المرأة في الحصول على حريتها هذه، وضمن مفاعيل ميدانية ومجتمعية غاية بالدقة والمسؤولية، كان لا يمكن الحديث عن أهمية التصدي لهذه الانتهاكات لحقوق المرأة، دون الوقوف مع منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة وكذلك المعنية بحقوق الانسان عمومًا. فالتقينا بالسيدة الهام حقي رئيسة (رابطة سوريات) المعنية بالمرأة السورية في المناطق الداخلية السورية، حيث أكّدت حقي أن “رابطة سوريات تهتم بالمرأة وشؤونها، وتعمل على إيصال صوتها الحر إلى كل مكان، وتحريرها من الظلم الذي ألم بها”.
وأضافت السيدة حقّي “نحن نساند النساء في مدينة ادلب بحرية الاختيار، وهن بالأساس محتشمات، ولا نسمح لأي كان بالتدخل في خصوصيتهن، ونرفص عودة العبودية، وعودة التسلّط الذكوري المطلق، طالما هن ضمن الأصول، ولا يحقّ لأيّ كان فرض النقاب عليهن، ولقد كثر الجدل حول موضوع النقاب، حيث يعتبره المجتمع الواعي معيقًا للمرأة، وخاصةً في هذه الأوضاع، فالعائلة تحتاج لجهود وعمل المرأة الحرّة، إذ يغيب معظم الرجال في الحرب، ونؤكّد أن المرأة السورية محتشمة، ولا يحقّ لأيّ كان فرض النقاب عليها، فعلاقتها مع خالقها وهو أرحم الراحمين، ولسنا بحاجةٍ لمن يُنصِّب نفسه وسيطًا بيننا وبين ربنا، ونحن نتدخل دائمًا بما يحمي المرأة، وهو ما أدى إلى التراجع النسبي لعملية فرض النقاب”.
المحامي مروان حمزة رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية قال “هذه المشكلة معقدة ومن كل الجهات. حيث يتداخل فيها الرأي الديني وأيضًا بصورة أدق المذهبي، وللأسف الكبير المليشياوي. وكل ادلب محكومة من قبل فصائل، وكل فصيل يدّعي بأنه الصحيح، والباقي على خطأ. وإن فرض النقاب في المناطق السنية قد يكون أمرًا عاديًا، ومن الممكن أن يقبلوا به. لكن هل تقبل به بقية المذاهب الأخرى؟ هو أمر غاية بالصعوبة. وإذا كان الأمر بالإكراه على كل الطوائف فهو مرفوض في أيّة صورةٍ كانت، حيث يترافق ذلك مع تعديات على حريات الناس، وإجبارهم بالقوة على تنفيذ أوامر تلك الجماعات المهيمنة في تلك المناطق”.
وعن كيفية التصدي لهذه الظاهرة ودور المنظمة في ذلك قال حمزة “لن يكون ذلك سهلًا مادام السلاح غير الشرعي هو سيد الموقف في ادلب. فالمواجهة مع تلك الفصائل هو باب جديد للاقتتال وسقوط المزيد من الضحايا. وكلّ ما يفرض فرضًا على الإنسان الفرد هو مخالفةٌ للقوانين وحقوق الانسان، حتى لو كان من أي جهة سياسية أو دينية وعلى المنظمات الحقوقية الانسانية كافةً، رصد هذه الحالات وكشفها وأخذ موقف منها، كما أن إدانتها ضرورية، لأنها انتهاك لحقوق الانسان وحرياته”.
وفي سياق المحاسبة فإنّ كلّ قوى الأمر الواقع، والفصائل العسكرية المتشددة التي يجري الحديث عن أنها كانت قد ألزمت المرأة والنساء عمومًا بارتداء النقاب وفرضه فرضًا بالقوة؛ سألنا أحد قادة (هيئة تحرير الشام) محمد أبو حفص، وهو الفصيل الأكبر والأكثر هيمنةً في محافظة ادلب، الذي نفى ما قيل عن عملية فرض النقاب واكتفى بالقول: ” إن ما يُروّج له على أنّ (هيئة تحرير الشام) تقوم بفرض النقاب على عامة الشعب، محض افتراء، وهذا الأمر لم يحدث أبدًا، وإن الهيئة لم تفرض على الناس أي نوع من الحجاب، ويقتصر الأمر على (النصح والتوجيه) من خلال (مكتب الدعوة) الذي ينشط بالأسواق والأماكن العامة، وينحصر عمل المكتب بالإرشاد والنصح، وتبيان شروط الحجاب الشرعي للعامّة، دون فرض أي نوع، ويأتي بعد هذا دور (الحسبة) حيث تكون من مهمته منع أي نوع من مظاهر (التبرج) كاللباس الضيق، أو القصير غير المحتشم، أو إظهار بعض النساء لزينتهن، من مكياج وغيرها في الأسواق”.
وتبقى الشريحة المُستهدفة هي المرأة السورية، وخاصةً التي تسكن في محافظة ادلب، لأنها المُتضررة من فرض النقاب، وبالتالي فإن العمل على إعادة الحقّ في اللباس بكلّ حريةٍ، هو المسار الذي ينعكس بالفائدة المباشرة عليهن، ومن ثم القدرة على الحركة والعمل المفيد للمجتمع برمّته. وإن عملية التمكين التي يُشتغل عليها في هذا المضمار، سيستفيد منها كل القطاع النسائي في ادلب وبالتالي سورية.
كما أن حق اختيار اللباس المناسب للمرأة، ولعاداتها المجتمعية، هو جزءٌ مهم من الحريات العامة للبشر، حيث خُلِق الناس أحرارًا كما ورد في شرعة حقوق الانسان. وهذا ما أكده الدكتور إبراهيم فاضل عضو مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الانسان في مدينة سلقين/ادلب، الذي أشار إلى أنه “توجد عملية فرض الخمار أو النقاب على النساء في عموم مناطق سيطرة (هيئة تحرير الشام) المُتشدّدة في محافظة ادلب، من قبل مؤسسات الهيئة وعناصرها (الحسبة) وكذلك من قبل (جيش الفتح) سابقًا، وعموم المتأسلمين. و(داعش) كانت كذلك، وهذه السياسة أدت إلى حالة تذمر الأهالي والقرف والكره والحقد على من فرضها. لأنهم أظهروا العداء الأساسي للنساء، وكأنهم الخصم والفتنة، وهم يعتبرون النساء عورة، من هنا كانت ملاحقة البنات الصغار في سن عشر سنوات وما فوق والتحرّش بهن بالتأنيب والكلام المسيء، لأنهم أي (الحسبة) وعناصرها لا هَمَّ لهم إلا ملاحقة النساء”.
ثم تحدّث الدكتور فاضل بصراحة متناهية قائلًا “لا دور لنا كمنظمة حقوق إنسان، لأنه غير مسموحٍ لنا العمل، لأنهم يعتبروننا منظمات عَلمانية، ومجتمع مدني وكفار، وعقابنا القتل، وغير مسموحٍ بغير صوتهم”.
من هنا كانت عملية طرح هذه المسألة كحقّ مهم ويجب أن يكون مصانًا، من أجل المرأة السورية، في ادلب، حيث يسيطر من يرى بالنقاب مسألةً لابدّ من فرضها، وجدّ ضرورية، وتدعونا أنساق المجتمع السوري إلى رفضها، من منطلق أنها مسألة حرياتٍ شخصية، لايجوز التدخل فيها سلبًا أم إيجابًا، فمن حقّ الانسان امرأةً كان أم رجلًا ارتداء اللباس الذي يراه مناسبًا له، دون التعدي على حرمة المجتمع السوري المدني وقيمه السائدة.