الأمم المتحدة- تتعرّض امرأة أو فتاة واحدة من بين كل ثلاث نساء إلى الاعتداء الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن، ويكون في معظم الأحيان من طرف شريك الحياة. وسواء كان المنفّذ شخصاً معروفاً (من الأقرباء أو الجيران) أو غريباً عن الضحية، فالآثار مدمرة نفسياً وجسدياً. وكثيراً ما يجبر المجتمع الضحية على الصمت وهكذا يفلت المعتدي من العقاب.
وفي اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، اختارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة موضوع عام 2019 ليكون “لوّن العالم برتقالياً: جيل المساواة ضد جرائم الاغتصاب.” حيث يرمز اللون البرتقالي إلى رؤية مستقبل مشرق يخلو من الاعتداءات الجسدية والجنسية والعنف ضدّ المرأة.
وفي كلمتها بهذه المناسبة في مقرّ الأمم المتحدة الدائم بنيويورك، قالت بومزيلي ملامبو-نوكا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة “إن الاغتصاب ليس فعلاً قصيراً ومنعزلاً، بل يدمّر الجسد وتظل أصداؤه تتردد في الذاكرة.” وقالت إن نتائج الاغتصاب تغير الحياة دون أن يكون للمرأة أي اختيار، كأن يؤدي للحمل أو الإصابة بمرض منقول جنسياً. وأضافت أن الاغتصاب يمثّل سلاحاً من أسلحة الحرب خلال النزاعات، لكن في غالبية الدول تكون المراهقات أشد عرضةً لمخاطر العنف الجنسي من الزوج أو شريك الحياة أو الصديق الحالي أو السابق، “فالمنزل لا يُعدّ مكاناً آمناً للملايين النساء والفتيات.”
تعريف العنف
بحسب إعلان القضاء على العنف ضدّ المرأة (1993) فإن العنف هو أي فعل عنيف مدفوع بعصبية الجنس ويترتب عنه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
ويشمل العنف: الضرب والإساءة النفسية والاغتصاب الزوجي وقتل النساء، إضافة إلى المضايقات الجنسية والاغتصاب والتحرّش والاعتداء الجنسي على الأطفال والزواج القسري والتحرّش في الشوارع والملاحقة الإلكترونية، ويضاف إليه الاتجار بالبشر والعبودية والاستغلال الجنسي، إضافة إلى تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وزواج الأطفال.
من جانبها، أوضحت ميليسا فليمنغ، وكيلة الأمين العام لإدارة التواصل العالمي، أن العنف الجنسي يقف عائقاً أمام تحقيق المساواة بين الجنسين، ودعت إلى القضاء على الاغتصاب ليس فقط في أوقات الحرب بل وفي أوقات السلم أيضاً، وأضافت “وقف العنف الجنسي ضدّ المرأة أمر قريب إلى قلبي، فقد عملت مع مفوضية اللاجئين لعشر سنوات وأتذكّر اللاجئات اللاتي أخبرنني قصصاً بشعة عن الاغتصاب الذي يهدف إلى إهدار الكرامة وتدمير المجتمعات والعائلات.”
وأكّدت فليمنغ أن إحياء اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة يأتي هذا العام تحت مظلة حملة الأمين العام للأمم المتحدة بعنوان “اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة بحلول عام 2030.” وهي حملة تهدف إلى زيادة التحركات الدولية لرفع مستوى الوعي ومضاعفة جهود التعبئة ونقل المعرفة والابتكارات.
ويمثّل اليوم أيضاً انطلاق “16 يوماً من النضال” والتي ستختتم في 10 كانون الأول/ديسمبر وهي حملة سنوية تبدأ من “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة” وتنتهي في “اليوم العالمي لحقوق الإنسان”، وبدأت هذه الحملة عام 1991 وتشمل دعوات لمنع والقضاء على العنف ضدّ النساء والفتيات.
أقل من 10% من الضحايا يطلبن المساعدة
لا يُبلغ عن معظم المغتَصِبين في جميع أنحاء العالم ولا يُعاقب المعتدي في معظم الحالات، ووفق بومزيلي ملامبو-نوكا المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، يتطلّب تقديم المرأة للبلاغات قدراً كبيراً من الشجاعة والصمود وإعادة معايشة الجريمة، وأضافت أن البحوث تُظهر أن نسبة ضئيلة للغاية من المراهقات اللاتي يتعرّضن للجنس القسري يسعين إلى الحصول على مساعدة المتخصصين “10% من النساء اللاتي طلبن المساعدة في أعقاب التعرّض للعنف اتصلن بالشرطة.”
وأكّدت السيدة ملامبو-نوكا أن زيادة المساءلة هي واحدة من الخطوات الإيجابية التي يمكن اتخاذها “لجعل الاغتصاب غير قانوني بصفة شاملة، إذ حتى الآن أكثر من نصف البلدان في العالم لا تمتلك قوانين تجرّم صراحة الاغتصاب الزوجي أو تستند إلى مبدأ الرضا.”
قوانين لا تنصف نصف سكان العالم
وقالت ماريا لويزا ريبيرو، رئيسة ديوان الأمين العام، في كلمة ألقتها نيابة عنه، إن العنف الجنسي هو واحد من أكبر الجرائم في العالم وأكثرها بشاعة، ويمنع المرأة من المشاركة في جميع مجالات المجتمع ما يؤثر على القرارات المتعلقة بهن وبمجتمعاتهن، وهو ما يُعدّ عائقاً أمام تنفيذ جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة وخطة الطريق لخلق عالم أكثر رخاءً وسلماً وأمناً.
وأشارت إلى أنه بحسب دراسة تم إجراؤها قبل أربع سنوات، فإن 41% فقط من الدول يوجد بها قوانين تجرّم صراحةً الاغتصاب، “وهذا الانتشار من الإفلات من العقاب ضدّ نصف سكان العالم يرسل رسالة قوية وغير مقبولة حول قيمة حياة المرأة.”
وأضافت ريبيرو “لا يمكن أن نقبل عالما يعاني فيه نصف السكان من التمييز والتهميش، يجب معالجة أحد الانتهاكات الأوسع في العالم لحقوق الإنسان.” ودعت إلى خلق ودعم البرامج والعمل مع الشركاء على تنفيذ الإصلاحات المؤسساتية والقانونية وتقديم الخدمات للنساء والفتيات.
وأكّدت أن الأمم المتحدة في هذا اليوم تقف ضد الاغتصاب والتحرش الجنسي والتعدي وكل أشكال العنف ضد المرأة والفتاة.