قضايا المرأة بين النسائيّة والنسويّة
قضايا المرأة بين النسائيّة والنسويّة

عليا أحمد/ مجلة “aswat-sy”- مع تطاول أمد الصراع وتعقّده في سورية، ازدادت الهيمنة الذكوريّة تعمّقًا وترسّخًا بكلّ محمولاتها العنفيّة، وازداد اتّساع النطاق الجغرافيّ للعنف الذكوريّ الموجّه ضدّ المرأة؛ إذ لم يعد مقتصرًا على المجتمعات المحلّيّة، بل امتدّ ليطال النساء السوريّات، ليس في تجمّعات اللاجئين في دول الجوار فحسب، وإنّما أيضًا اللواتي لجأن إلى البلدان الأوروبيّة، حيث وجدت الكثيرات أنفسهنّ محاصراتٍ بالقيود ذاتها التي رافقتهنّ من المجتمع الأصليّ إلى بلدان اللجوء.

ولمّا كانت المعلومات والأرقام المتداولة توثّق وجود أكثر من 260 منظّمةً تستهدف النساء في عملها، فإنّ ازدياد تردّي أحوال النساء يدفع إلى التساؤل، ما الذي قامت وتقوم به هذه المنظّمات، وهل هي حقًّا منظّماتٌ نسويّةٌ أو أنّها تحمل رؤيةً نسويّةً واضحةً وإستراتيجيّات عملٍ ملائمةً بالفعل لتحقيق مهامّها، والدفع بشكلٍ فعليٍّ نحو تغيير الصور النمطيّة والحدّ من هيمنة السلطة البطركيّة؟

في إطار عملي ودراساتي في هذا المجال، كثيرًا ما لمست ضبابيّةً في المفاهيم وتشوّشًا في الرؤى والأفكار لدى منظّماتٍ وحتى ناشطاتٍ يرفعن يافطة “النسويّة”، ممّا يتطلّب تحديد المصطلحات، والحدّ من الالتباس الذي يحيط بالنسويّة مفهومًا وأبعادًا.

ثمّة خلطٌ بين “النسويّة” و”النسائيّة”، نجده في الخطاب الثقافيّ والحقوقيّ والسياسيّ عمومًا، ويظهر أيضًا عند “المنظّمات النسويّة” التي يحاول بعضها بلورة رؤى نسويّة. من نافلة القول عدم وجود تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لأيّ مصطلحٍ أيًّا كان منبته، فلسفيًّا أو ثقافيًّا أو اجتماعيًّا، لكن يمكن ضبط مفهوم الرؤية النسويّة اعتمادًا على أدبيّات مختصّة متنوّعة.

النسويّة (feminism) هي مجموعةٌ من التصوّرات الفكريّة والفلسفيّة المؤسّسة على تمحور وتمركز الأنثى حول نفسها وتفاعلها مع العالم، انطلاقًا من ذاتها الحرّة بعيدًا عن أيّ تأثّر بالأيديولوجيّات التي سعت طويلًا إلى ترسيخ فكرة دونيّتها أمام الرجل، مؤكّدةً أنّ المرأة والرجل متساويان في الجدارة الإنسانيّة، وباحثةً في الجذور والأسباب التي أدّت إلى حدوث التفرقة غير العادلة بين الرجال والنساء، استنادًا إلى حقائقَ وإحصاءاتٍ حول أوضاع النساء في العالم، ترصد التمييز القائم عليهنّ سواء من حيث توزيع الثروة، أو المناصب والفرص إلى ما هنالك من الحقوق الأساسيّة للإنسان. فالنسويّة، بإيجاز، هي وعيٌ فكريٌّ مؤسّسٌ على حقائقَ ماديّةٍ وليست مجرّد هويّة، ويترجم هذا الوعي على الصعيد الشخصيّ عند النساء، ويمتدّ ليصلَ إلى مشاركتهنّ في مجالات الحياة كلّها العامّة والخاصّة والسياسيّة.

استنادًا إلى هذا التعريف يمكن القول إنّ الرؤية النسويّة (Feminist Vision) هي المنظور الذي ترى منه النساء العالم من موقعهنّ كنساء، بعقولهنّ ولغتهنّ وعيونهنّ وأحاسيسهنّ، وسواء اختلفت توجهاتهنّ الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة وغيرها، فهنّ يشتركن في وعيهنّ الأنثويّ تجاه ذواتهنّ وتجاه العالم، ويعملن من مواقعهنّ المختلفة على المشاركة في تشكيل قوانينه، بما يناسب وجودهنّ ويحفظ حقوقهنّ، وصياغة قيمه وأحكامه انطلاقًا من استقلالهنّ الذاتيّ، بعيدًا عن التأثّر أو الخضوع للنظرة البطركيّة التي تعلي من شأن الرجل، وتجيز له ما لا تجيزه للأنثى، مستندةً في تبريراتها على أيديولوجيّاتٍ مختلفةٍ سواء كانت ثقافيّةً أو دينيّةً أو سياسيّةً أو غيرها. و”الرؤية النسويّة، النقديّة، ترمي إلى الكشف عن الجزئيّ والحصريّ في وجهة النظر الأخرى (الرجاليّة)، وتُظهر الخطابات الأبويّة على حقيقتها، أي على أنّها ليست موضوعيّةً، وليست شاملةً كما تدّعي، ولا تشكّل نماذج نهائيّةً، بل هي أثرٌ أو نتيجةٌ للمواقع السياسيّة التي يحتلّها الرجال”.

أمّا النسائيّة (womenism)، فهي مفهومٌ يتركّز على النشاطات التي تقوم بها النساء على مختلف الصعد الحقوقيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة التي تشدّد على مطلب المساواة مع الرجل في الحقوق التي شرّعها الرجال أنفسهم وفق رؤيتهم الذكوريّة.

في التفريق ما بين النسويّة والنسائيّة، أريد القول إنّ النسويّة والنسائيّة تتقاطعان في استهدافهما الفئة ذاتها (النساء) ومعالجة قضاياها، وإنّ النسويّة تتضمّن النسائيّة، ويمكن أن تكون النسائيّة إحدى أدوات تحقيق الرؤية النسويّة، شريطة عدم تماهيها مع الثقافة الذكوريّة، فتعيد النسائيّة إنتاج هذه الثقافة من خلال تبنّي الرؤية الذكوريّة للعالم من دون العودة إلى الذات الأنثويّة المختلفة والمتكاملة مع الذكورة، في حين تعيد النسويّة صياغة المطالب بشكلٍ يعبّر عنها وفق رؤيتها، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ النسويّة فلسفةٌ لا تقتصر على النساء فحسب، وإنّما تنطلق أيضًا من الذات الأنثويّة الحرّة الموجودة في كلِّ رجلٍ حرٍّ. فلا استمرار للحياة من دون تكامل الروحين الأنثوية والذكوريّة معًا.

قضايا المرأة بين النسائيّة والنسويّة

قضايا المرأة بين النسائيّة والنسويّة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015