تركيا/المونيتور- عندما نزحت ميساء من إدلب إلى تركيا منذ أكثر من أربع سنوات، ظنّت انها ستبقى في مخيم “الإصلاحية” للاجئين السوريين المجاور للحدود التركيّة-السوريّة لفترة وجيزة. الاّ أن الأيام تحوّلت الى سنوات مع اندلاع الحرب في سورية. وعلى الرغم من امتنانها على المساعدة التي قدّمتها الحكومة التركيّة، قالت أنه ليس من السهل العيش في مخيم للاجئين حيث توضع حياة المرء على قيد الانتظار.
تحدّثت ميساء التي تبلغ 40 عاماً الى موقع المونيتور شرط عدم ذكر اسم عائلتها. قالت، “اما يكون الحرّ شديداً واما يكون البرد قارساً داخل الخيمة. كما تسحيل راحة البال هنا.”
كان زوج ميساء يعمل كموظف حكومي في سورية، الاّ أنه لم يجد عملاً يقوم به منذ وصوله الى المخيّم. اذ ان مهاراته غير مطلوبة في تركيا، حيث يشغل السوريون مهناً كالعمل في حقول الزيتون. لذلك عندما طُلب من ميساء المشاركة في ورشة عمل لتعلم حرف يدوية جديدة منذ ثلاث سنوات، سَرّها قبول الدعوة.
قالت، “صحيح أن سورية قريبة جداً من هنا، الاّ أنه لا يمكننا الذهاب إليها. يكفي الجلوس هنا والانتظار ليسبّبا لنا الاحباط. لهذا السبب كنت مسرورة لقيامي بعمل مفيد، لكسب بعض المال الاضافي وتثقيف نفسي،” مشدّدة أنها لم تكن تجيد الخياطة قبل وصولها إلى تركيا.
تعلّمت مجموعة تتألف من 20 امرأة سورية الخياطة والتطريز وصناعة البطانيات وإصلاح الملابس بفضل استاذة تركيّة. وتُباع الملابس والبطانيات في المحلات التجارية والأسواق في مدينة غازي عنتاب وداخل المخيم. ولم يقتصر الأمر على كسب ميساء بعض المال الاضافي فحسب، بل قدّم لها نادي الخياطة ما هو قيّم.
توفي نجل ميساء منذ عامين عن عمر 19 عاماً. كان يقاتل في صفوف الجيش السوري الحر وبقي في سورية لمحاربة نظام بشار الأسد بدلاً من الفرار الى تركيا مع أهله. الاّ أنّه وهو يجلس في سيارته في مدينة حلب في يوم من الأيام، قتله رصاص قناصة تابعة للحكومة السورية. فكُسر قلب ميساء.
قالت، “دفن ابني في سورية وعجزت عن الذهاب لتوديعه. لا أزال غير قادة على زيارة قبره حتّى اليوم، وهذا يؤلمني كثيراً.”
بدأت ميساء بالبكاء وهي تخبر المونيتور عن مرارتها عندما أدركت أنها لن ترى ابنها مرة أخرى. انفعلت النساء السوريات في ورشة العمل، وهنّ يجلسن على شكل دائرة يستمعن إلى ميساء. حتّى أن بعضهن بدأن بالبكاء بصمت.
على الرغم من أن ميساء ظلّت محطّمة لعدة أشهر، واظبت على الحضور الى ورشة العمل، حيث تحدثت عن الخسارة التي مُنيت بها الى نساء أخريات – عاشت بعضهنّ التجربة نفسها – ووجدن دعماً قيمًا.
“أما أسماء، وهي احدى المشاركات، فقالت للمونيتور، “لقد فقد كلّ سوريّ في هذا المخيم تقريباً أحد الأشخاص خلال الحرب. نتحدث عن خسائرنا وندعم بعضنا البعض ونبكي معاً عندما نشعر بالحزن بينما نعمل. لقد بتنا عائلة كبيرة واحدة على مرّ السنين.”
يعيش حوالي 2.7 مليون لاجئ في تركيا، من بينهم 10٪ في مخيمات اللاجئين. ويعيش 8.050 لاجئ سوري في مخيم “الإصلاحية” في غازي عنتاب، وكثير منهم أتى من إدلب. يتلقى كل لاجئ 85 ليرة تركية (أي 30 دولاراً) شهرياً لشراء البقالة. يرتاد حوالي 2700 طفل داخل المخيم المدرسة. ويتم غسيل الملابس في قاعات كبيرة مخصّصة للغسيل، أما المأوى والكهرباء فيتم توفيرهما مجاناً.
قال مدير المخيّم محمد أفشي للمونيتور انه يخرج حوالي 2.500 لاجىء للعمل خارج المخيّم يومياً، ليقطفوا الزيتون أو العنب حسب الموسم. الاّ أن معظم اللاجئين يجدون صعوبة في تغطية نفقاتهم. كما يعيش في هذا المخيّم فتيات سوريات عازبات ومتزوّجات يعجز أزواجهنّ عن العمل.
أضاف، “لذلك، نجد أن مشاركة المرأة أمر مهم جداً ولهذا نظّمنا دورات مختلفة للنساء، كالحياكة والخياطة. تعمل نساء سوريات أخريات في بيع الملابس النسائية في المحلات التجارية أو كمصفّفات شعر.”
يفتح نادي الخياطة خمسة أيام في الأسبوع، من الساعة الثامنة صباحاً حتّى الخامسة مساءً وتذهب النساء اليه وتخرجن منه عندما يناسبهن ذلك، لأنّهن غالباً ما يقمن بالاهتمام بأولادهنّ بعد عودتهم من المدرسة. قالت ليلى يلدرير وهي المعلّمة في ورشة العمل للمونيتور أن الهدف من النادي منذ البداية هو تعليم المهارات حتى يتسنى للنساء السوريات كسب لقمة عيشهن. اذ لم يكن لدى كثيرات منهنّ وظيفة في سورية. ليس نادي الخياطة مكاناً للتعلم فحسب، بل أيضاً مكاناً تشفى فيه الجروح مع مرور السنوات.
وتابعت يلدرير، “تتعلّم النساء كيفية صنع الملابس والبطانيات وكيفية التعامل مع الاجهاد بسبب الصراع والنزوح. لم نكن نخطط لذلك عندما نظّمنا الدورة في البداية، ولكنها أصبحت احدى نقاط القوة. وباتت ورشة العمل حول الخياطة ملاذاً للنساء، والأمر سيّان بالنسبة للدورات النسائية الأخرى في هذا المخيم .”
وصفت يلدير كيف تقدّم النصح للنساء السوريات اللواتي يعشن في المخيم. ففي الكثير من الأحيان، تواجهن مشاكل كفقدان أحبائهنّ أو مشاكل منزليّة أخرى أو صدمات ناجمة عن الحرب. أما ليديا، وهي احدى هذه النساء، فقد فقدت والدها وابنها في الحرب. لقد مرّت بأوقات عصيبة، الاّ أن الحديث عن تجربتها مع نساء أخريات حسّن من حالها.
وفي هذا الصدد، قالت ميساء، “ساعدتني الخياطة على نسيان مشاكلي وأعطتني الثقة. وبصراحة، لا أعرف ما كنت لأفعل لولا شقيقاتي.”قالتا للمونيتور انه منذ بضعة أشهر، وجدتا أن العديد من اللاجئين يغادرون الى أوروبا. عندما سُئلتا ما اذا كانتا تريدان السفر إلى أوروبا لبناء حياة جديدة هناك، كان الجواب كلاّ. لا يزال معظم اللاجئين في مخيّم الاصلاحيّة الذي يقع على بعد مسافة قصيرة من سورية يأمل أن يتمكّن من العودة الى ديارهم يوماً ما. أجابتا انه في حال الذهاب الى أوروبا، ستبعد المسافة الى الديار.
قالت ميساء، “عندما تضع الحرب أوزارها، سأكون أول من يعبر الحدود لزيارة قبر ابني، وأنتظر حلول ذلك اليوم.”