رشا عمران/ جريدة الوطن القطرية- يكثر الحديث في الآونة الأخيرة، من قبل منظمات المجتمع المدني الدولية المعنية بالشأن العربي والسوري تحديداً، عن الدور القادم للمرأة في تحقيق السلام، وعن ضرورة تشكيل هيئات مدنية نسوية لحماية المرأة وضمان حقها السياسي والاجتماعي في الأيام القادمة، قد تكون الغاية من هذه الدعوات نبيلة وبالغة الإنسانية، وهي محقة في جانب من الجوانب، ولكن، ودون أي افتراض سوء نية لدعوات كهذه، فإن الحديث عن حقوق للمرأة السورية وعن دور لها حالياً، هو بمثابة القفز فوق الواقع.
إذ إن الواقع السوري قد تجاوز حالياً، أي كلام يمكن أن يصفه، ووضع المرأة السورية تحديداً أصبح خارج أي تصنيف، سواء النساء اللواتي يعشن في الداخل السوري، أو اللواتي يعشن في المخيمات في دول الجوار، أو اللواتي يعشن في دول اللجوء ويجاهدن للبدء بحياتهن من جديد، فرغم أن عدد الضحايا من الذكور السوريين في الحرب التي تلت الثورة تفوق كثيراً على عدد النساء، إلا أن النتائج الكارثية للوضع السوري كانت أشد وقعاً على النساء والأطفال، فالرجال دخلوا الحرب بخيار شخصي أو بفرض واقع الحال أو سوقاً أو أي شيء آخر، فقد الكثير منهم حياتهم، وآخرون كثر أصيبوا بأعطاب جسدية جعلتهم مقعدين وعاطلين عن الحياة والعمل والفعل اليومي، مما اضطر النساء لأخذ دور الرجال في الحياة اليومية، النساء والأطفال في الحقيقة، صارت المرأة السورية الباقية على قيد الحياة مضطرة لتأمين حياة من تبقى من عائلتها ممن لم تفقدهم الحرب حياتهم، هذا بدوره عرضها للاستغلال الجسدي والانتهاك النفسي وانتهاك الكرامة الإنسانية والأنثوية، وجعلها تعتمد على الذكور من أطفالها الصغار للعمل درءاً لحاجة الفاقة الكبيرة ولصون نفسها، مما جعل الكثير من الأطفال يفقدون حقهم في التعليم، ومفردة الكثير هنا لا تعبر عن واقع الحال.
فالحقيقة أنه وحسب إحصاءات منظمة اليونيسكو هناك أكثر من مليوني طفل تسربوا من التعليم، مما ينذر بكارثة مستقبلية كبيرة في المجتمع السوري لاحقاً، هؤلاء الأطفال أيضاً معرضون في سوق العمل للاستغلال والانتهاك الجسدي والنفسي، من قبل مافيات عمالة الأطفال والتجارة بالرقيق الأبيض والأعضاء البشرية وخلافه، وكل ما سبق هو جزء صغير من الكوارث الاجتماعية التي حصلت للمجتمع السوري نتيجة الحرب المتعددة الأطراف، هذا ولم نتكلم عن عمليات الخطف والسرقة والقتل والاغتصاب التي مارستها أجهزة الأمن، والاغتصاب النفسي الجمعي، وانتشار السلاح والمرتزقة وعودة البلاد إلى عهود الانحطاط نتيجة سيطرة الكتائب التكفيرية على قسم لا يستهان به من سوريا، والشرخ الكبير في المجتمع السوري والذي يحتاج إلى سنين طويلة لإعادة ترميمه.
عدا أيضاً عن الدمار في البنى التحتية وفي فكرة الوطن والمواطنة ودمار المستقبل والأحلام، ثمة انهيار كامل يدفع ثمنه الجميع وأولهم النساء في سوريا، هذا الانهيار لا تنفع معه مؤسسات نسوية تكفل حق المرأة في السياسية والمجتمع لاحقاً، هذا الانهيار يحتاج إلى وقف الحرب أولاً، وإيجاد حلول جذرية للكوارث الاجتماعية وتحقيق العدالة وبناء الوطن ثم لاحقاً يمكن الحديث عن حقوق سياسية للجميع.