نظّم المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بالتعاون مع منظمة «نساء من أجل السلام عبر العالم» في مقريه في البيرة وغزة وعبر نظام «الفيديو كونفرنس»، مائدة السلام النسوية 2016 في فلسطين والتي تتناول السياق التحرري الفلسطيني من منظور نسوي، وذلك بالتّزامن مع عقد عشرات موائد السلام النسوية عبر العالم.
رام الله- جددت مائدة السلام الدعوة لبناء حركة نسوية فعالة قادرة على الدفاع عن المرأة وحقوقها السياسية والمجتمعية؛ فالنساء الفلسطينيات يناضلن من أجل إنهاء الاحتلال وإنهاء الانقسام وتحقيق الأمان والسلام العادل، والمساواة في النوع الاجتماعي. حيث أكد حشد من السياسيات والأكاديميات والناشطات أهمية بناء فكر نسوي يحمل قضايا المرأة، وخاصة في الحالة الفلسطينية التي تعاني من آثار الاحتلال والانقسام، وضرورة بناء حركة نسوية فلسطينية فعّالة، وكذلك العمل بشكل منظّم ومؤثر من أجل تعزيز دور المرأة في النظام السياسي الفلسطيني، ومشاركتها في الحوارات الوطنية، إضافة إلى المصالحة المجتمعية.
كما شددن على أهمية رفع الوعي والتثقيف في المجتمع الفلسطيني وفي أوساط صانعي القرار بأهمية دور المرأة ومشاركتها للرجل في مختلف مناحي الحياة، وخاصة السياسية، ولتأخذ حقها في الحضور الفاعل على كافة المستويات في المؤسسات الوطنية والأحزاب.
وأدارت المائدة الناشطة النسوية لمى حوراني، بينما يسّرت الحوار في غزة شادية الغول، منسقة مؤسسة «مفتاح» في القطاع.
وفي افتتاح المائدة، أشار خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، إلى أن هذه المائدة تنظم بالتعاون ما بين المركز ومنظمة «نساء من أجل السلام عبر العالم» للعام الثاني على التوالي، وتكرس لمناقشة مسودات ثلاث أوراق سياساتية حول دور المرأة في النظام السياسي والحوارات الوطنية والمصالحة المجتمعية، إضافة إلى طرح تصوّرات من منظور نسوي فلسطيني إزاء هذه القضايا. وأضاف: نأمل الخروج بتوصيات تساهم في تطوير الأوراق وكيفية تعزيز دور المرأة في النظام السياسي ومساهمتها في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وانتقال المرأة من حالة “المتلقي” إلى حالة “المبادر”.
وقدمت د. فيحاء عبد الهادي، كاتبة وأديبة فلسطينية، المنسقة الإقليمية للمنظمة النسوية “نساء من أجل السلام عبر العالم”، كلمة أوضحت فيها أن فكرة تنظيم موائد السلام جاءت بعد انعقاد القمة العالمية التي هدفت إلى إنهاء العنف الجنسي أثناء النزاعات في لندن العام 2014، وأن الهدف من تنظيم الموائد هو توفير منصة للنساء والرجال للحديث عن دور النساء أثناء الصراع وما بعده، إضافة إلى مناقشة مواضيع السلام من وجهة نظر نسوية.
ونوهت إلى أن مائدة السلام 2016 في فلسطين تنطلق مما وصلت إليه مائدة العام الماضي التي تناولت السلام في السياق التحرري الفلسطيني من منظور نسوي. فالنساء الفلسطينيات يناضلن من أجل إنهاء الاحتلال وإنهاء الانقسام وتحقيق الأمان والسلام العادل، والمساواة في النوع الاجتماعي. وطرحت أسئلة من نوع: ما الذي تحتاجه النساء ليعلو صوتهن أكثر، وما دورهن في بناء النظام السياسي وتحقيق المصالحة المجتمعية، وما رؤيتهن للمشروع التحرري الفلسطيني، وكيف يسهمن في الخروج من حالة الحوار الأخرس في ظل منهج الإقصاء والتفرد؟
وأعربت عبد الهادي عن أملها في أن تكتمل مائدة السلام النسوية العام القادم بمشاركة فلسطينيات وفلسطينيين من باقي التجمعات الفلسطينية في أراضي العام 48، وبلدان الشتات، إلى جانب الضفة الغربية وقطاع غزة، لتكون قضاياهن حاضرة وفق خصوصيات وظروف كل تجمع فلسطيني، وبما يمكن من بناء رؤى نسوية مشتركة إزاء مختلف القضايا والتحديات.
بناء النظام السياسي
وعرضت رلى أبو دحو، المحاضرة والباحثة في معهد دراسات المرأة في جامعة بيـرزيت، ورقتها بعنوان “دور المرأة في التغلب على العقبات أمام بناء نظام سياسي فلسطيني ديمقراطي موحد”، التي أخذت منحى الثنائيات المتضادة والمتناقضة في نقاش المضامين المختلفة: ثنائية العام والخاص الوطني، وثنائية الوطني والنسوي، وثنائية النسوي والحزبي.
وأوضحت أنه لا يمكن تناول العقبات أمام النساء دون رؤية مجمل السياق القائم في ظل الحالة الاستعمارية وغياب السيادة والاستقلال، وبالتالي تعثر إقامة مجتمع عدالة اجتماعية، فالنساء جزء من هذه الحالة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني. وعليه يقف القمع والاضطهاد المركب الطبقي والوطني والاجتماعي عقبة مركزية أمام فاعلية النساء في الحيز العام للمساهمة، ليس في بناء نظام ديمقراطي فحسب، بل في أبجديات الاندماج في السياق العام الفلسطيني.
وأضافت: تقف إشكالية العلاقة النسوية والوطنية والحزبية كمعيق إضافي وأساسي أمام مساهمة النساء في بناء نظام سياسي موحد وديمقراطي يعزز الصمود والمقاومة لتحقيق الاستقلال والسيادة والعدالة الاجتماعية. فمن دون الربط بين المقاومة لدحر الاحتلال وبين فرص الحياة للمجتمع الفلسطيني لن تتحقق أي فرصة لنظام سياسي ديمقراطي موحد. فلا مكان لا للرجال ولا للنساء في هذه المنظومة السياسية المحكومة استعماريًا إلا وفق إرادة الاحتلال، وهو ما يجب العمل على كسره أولًا.
وأشارت سهام البرغوثي، الوزيرة السابقة، ونائب الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، في تعقيبها على ورقة أبو دحو، إلى أنها ورقة شاملة شخصت الواقع الفلسطيني، مبينة أن النساء جزء من النسيج الوطني، وأن العقبات التي تواجهها هي نفسها العقبات التي تواجه الجميع، وأبرز عقبة في وجه بناء مجتمع ديمقراطي فلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على الأرض. فالمهمة المركزية هي التخلص من الاحتلال ومن ثم إنهاء الانقسام، إضافة إلى التخلص من الثقافة الذكورية. كما اقترحت عددا من النقاط الهادفة إلى تطوير الورقة، وبخاصة من حيث أهمية تناول قضية التمثيل الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية.
الحوارات الوطنية
وعرضت وفاء عبد الرحمن، مدير مؤسسة “فلسطينيات”، ورقتها بعنوان ” تعزيز مشاركة المرأة في الحوارات الوطنية”، بما في ذلك الحوار حول أسس الشراكة السياسية والعقد الاجتماعي بين مختلف التيارات التي تقبل بمبدأ الشراكة.
وقالت إن وثيقة إعلان الاستقلال تصلح لكي تكون خلاصة للحوارات الوطنية حول أسس الشراكة، كونها ترسم ملامح النظام السياسي الفلسطيني والأسس التي يجب أن يرتكز عليها، إضافة إلى وضوح المبادئ التي تؤسس لهذا النظام. فهي تشكل عقدًا اجتماعيًا لنظام الحكم وطبيعة المجتمع، لا ينقصه إلا تفاصيل أدوات إحقاقه، وتحديدًا فيما يتعلق بتداول السلطة والتحكيم وقت النزاع، وحماية الفئات المهمشة وقت النزاع.
وأشارت إلى أنه تم تغييب النساء عن أهم مواقع صنع السياسة الوطنية الفلسطينية، وصحيح أنهن بالكاد يشاركن في الحوارات التي تصنع حاضر ومستقبل القضية والمشروع الوطني، ولكن هل بادرن لتشكيل اختراق لهذه الهيئات والمكونات لرؤاهن في كل القضايا المطروحة على تلك الطاولات؟ وهذا الاختراق بحاجة إلى مقاومة للهيمنة الذكورية وتحد للنظام الأبوي.
وتطرقت إلى تغييب النساء عن اتفاقات المصالحة، على المستوى الرسمي، إلا أن هناك العديد من مؤسسات المجتمع المدني التي نشطت في تقديم مبادرات لاستعادة الوحدة، وقد يكون أهم جهد غير رسمي هو ما بذله مركز مسارات، إذ لم يكتف بإشراك النساء في الحوارات، وكتابة الأوراق، والتعقيب، بل طور وثائق مرجعية يمكن أن تؤسس، وتجيب على كثير من “ألغام” الاتفاقات الرسمية التي تمت بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل، ولم تكن مشاركة النساء في جهد “مسارات” مقتصرة على المستقلات. وقد تكون وثيقة الوحدة الوطنية التي طورها مركز مسارات مدخلاً لحوار وطني نسوي.
وعقبت على هذه الورقة عندليب عدوان، مديرة مركز الإعلام المجتمعي في غزة، مؤكدة دور النساء الفلسطينيات والجمعيات النسوية، ومبادرتهن في النزول إلى الشارع من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وكنّ هنّ السباقات إلى الشارع قبل الرجال، حيث أطلقن العديد من المبادرات في سبيل تعزيز الوحدة، مثل مبادرة الحملة الوطنية للمصالحة التي تواصلت على مدار عامين (2012-2014) حتى توقيع “اتفاق الشاطئ” داعية إلى إنهاء الانقسام.
المصالحة المجتمعية
عرضت الباحثة هداية شمعون ورقتها المعنونة بـ “تطوير مشاركة المرأة في المصالحة المجتمعية والعدالة الانتقالية في السياق الفلسطيني بعد تسع سنوات من الانقسام الداخلي”. ونوهت إلى أن الورقة تركز على محورين رئيسيين، الأول مفهوم المصالحة المجتمعية، وبعض الجهود المجتمعية والنسوية للوصول إلى العدالة الانتقالية بالتركيز على الجهود النسوية في هذا الإطار. والآخر، رؤية مستقبلية لتطوير المصالحة المجتمعية في مسار العدالة الانتقالية، من أجل المساهمة في بلورة رؤية قد تمكّن مستقبلًا من تحسين التدخل لمستويات المصالحة المجتمعية المتعددة، ولإشراك كافة النساء الفلسطينيات على تنوعهن واختلاف شرائحهن وأجيالهن في دور فاعل.
وأكدت على ضرورة دعم وجود هيئة وطنية نسوية لتولي زمام الأمور في المصالحة المجتمعية، فهناك العديد من اللجان التي انبثقت عبر جهد متواصل من مؤسسات نسوية ومؤسسات مجتمع مدني وجمعيات مخاتير، ولكن هنالك ضرورة لإشراك النساء، أو توليهن مبادرة بمساندة كافة الجهات في تحقيق آليات العدالة الانتقالية في المصالحة المجتمعية. لذلك توصي الورقة بأن تأخذ هذه الهيئة أو الائتلاف بتجسيد رؤيتها والتركيز على المصالحة المجتمعية خلال عملها الإستراتيجي المستقبلي، والتخطيط عمليًا للإسهام في تحديث وتعزيز آليات العدالة الانتقالية للوصول إلى المصالحة المجتمعية.
وأضافت: إن العمل على إنهاء الانقسام والمصالحة المجتمعية هو دور النساء والرجال وليس دور النساء فقط، فالتوحد والعمل الجمعي هو المطلوب، ودور المرأة الفلسطينية وقدرتها على الالتفاف حول قضية المصالحة المجتمعية منذ اللحظة الأولى للانقسام واضح، رغم كل محاولات الإقصاء السياسي والتهميش التي تتعرض لها.
ودعت إلى إنشاء مرصد للممارسات الإيجابية في ثقافة العدالة الانتقالية يعزز ثقافة حقوق المرأة والإنسان ويؤكد على مفاهيم السلم الأهلي وقيم التسامح والشفافية والحوار الوطني وكل ما يتعلق بالجهود للمصالحة المجتمعية.
وعقبت ريم فرينة، المدير التنفيذي لجمعية عايشة لحماية المرأة والطفل في غزة، على هذه الورقة، مبينة أن الاحتلال وإجراءاته هما السبب الأساسي في وقوع الانقسام وتعمقه. وتساءلت حول أولويات الحركة النسوية ضمن تبعات ومخلفات الانقسام، وكيف ستتم معالجة هذه التداعيات ومن سيدعمها؟ موضحة أن الأمر لا يقف عند الشعب، فالشعب الفلسطيني هو من أكثر الشعوب تضحية، لكن حينما يتعلق الأمر بالفقدان فهذه المسألة بحاجة إلى معالجة.
وتنوعت آراء الحضور، بين الدعوة إلى مبادرة المرأة إلى أخذ دورها الوطني وفرض الأجندة السياسية والنسوية على المؤسسات الوطنية الفلسطينية المختلفة، والانتقال من حالة التلقي إلى حالة الإنتاج والمبادرة، وبين الدعوة إلى إجراء حوارات نسوية للخروج برأي نسوي موحد يدافع عن المرأة وعن حقوقها السياسية والمجتمعية، من خلال رفض البعد العشائري القائم على الأبوية وإقصاء المرأة، ورفع الوعي الثقافي لدى المجتمع والعائلة بأهمية مشاركة المرأة في النظام السياسي وصنع القرار، وتعزيز دورها في الأحزاب، ومختلف المؤسسات الوطنية.
كما دعت المشاركات إلى توحيد الجهود النسوية وبناء حركة نسوية فعالة لا تلغي التعددية الايديولوجية والسياسية، وفتح حوار مع مختلف النساء من مختلف التوجهات، وخاصة نساء الحركة الإسلامية، إضافة إلى أهمية تقوية جماهيرية المنظمات النسوية عبر إقامة التحالفات فيما بينها.
وخرجت المائدة بتوصيات، منها تطوير هذه الأوراق في ضوء الملاحظات، إضافة إلى إعداد دراسات حول تجارب الشعوب في العدالة الانتقالية، ودور المرأة في المجلس الوطني، وغيره من المؤسسات الوطنية.