نحو 586 مليون امرأة، بحسب منظمة العمل الدولية، التي تُشير إلى قيام المرأة بأعمال منزلية ورعوية غير مأجورة تفوق ما يقوم به الرجل بمرتين ونصف مرة على الأقل. الحديث عن «ذكورية» عيد العمال بوصفه مناسبة تستدعي الاحتفال بـ«الذكر» العامل والمُعيل حصراً، يعود الى عوامل كثيرة، منها تاريخية تستوجب إعادة النظر بتعريف العمل في ظل الأنظمة الرأسمالية التي لا تعترف بالعمل المنزلي كعمل ذي قيمة اقتصادية.
جريدة الأخبار- 57% من العمال الذين يعملون بدوام جزئي وبساعات عمل قصيرة في العالم، هن نساء يقمن بأعمال منزلية ورعوية غير مأجورة بحسب دراسة “المرأة في العمل: اتجاهات 2016″، المُعدّة من قبل “منظّمة العمل الدولية”.
تخلص الدراسة، التي تستند الى بيانات 178 دولة، الى أن المرأة (سواء في البلدان ذات الدخل المرتفع أو المنخفض) تقوم بأعمال منزلية ورعوية غير مأجورة تفوق ما يقوم به الرجل بمرتين ونصف مرة على الأقل.
وبالتالي “هذه النسبة غير المتوازنة من العمل غير المأجور تحدّ من قدرة المرأة على زيادة ساعات عملها في الأعمال المأجورة والمُنظّمة”، وهو ما يؤثّر بدوره سلباً على علاوات الأقدمية في الأجور وعلى التغطية المتعلقة بالحماية الاجتماعية.
الانطلاق من هذا المدخل لا يأتي في سياق نقاش التمييز ضد النساء في العمل فحسب، بل يندرج ضمن نقاش التعاطي “الذكوري” مع عيد العمّال، بوصفه مناسبةً للاحتفال بأرباب العائلة “الذكور” حصراً، وتجاهل انخراط نسبة كبيرة من النساء في سوق العمل نتيجة فقدان “الذكر” القيام بدوره التقليدي كمعيل أساسي للعائلة نتيجة صعوبة الأحوال المعيشية في ظلّ النظام النيوليبرالي القائم. وبعيداً عن المقاربات التي تطرحها الحركات النسوية التي تحصر “مناسبات النضال” بعيدَي الأم والمرأة، مساهمة بذلك وإن بشكل غير مباشر، بإرساء المفهوم الذكوري للعيد، ثمة من يعطي لـ”ذكورية” العيد أسباباً مختلفة.
تغيير مفهوم “العمل”
تقول الباحثة والمناضلة النسوية برناديت ضو إن عيد العمال يُمثّل مناسبة سنوية لمختلف التيارات اليسارية، مُشيرةً الى أن “معظم الأحزاب الشيوعية تتعامل مع العمل بمفهومه التقليدي القائم على قوة العمل الذي يُقابله أجر، في الوقت الذي فيه هناك أعمال تُنجز من دون أجر”، كالعمل المنزلي.
فيما تُشير الأستاذة الجامعية في علم الاجتماع والنسوية ريما ماجد الى أن عيد العمال ارتبط تاريخياً بالطبقة العاملة في القطاع الصناعي، “وهذا يدعونا الى إعادة التفكير بتعريف العامل/ة في ظل النظام الاقتصادي اللبناني الذي تقلّصت فيه القطاعات المنتجة”، لافتةً الى أن هذا الربط ساهم في التعاطي مع عيد العمال بذكورية: “عندما كان الاقتصاد مرتكزاً على الزراعة، كانت المرأة تشكل النسبة الأبرز من القوى العاملة. وفي لبنان، شكلت النساء تاريخياً قوى عاملة كبيرة في صناعة النسيج”. تنطلق ماجد من هذه النقطة لتُشير الى أن عدم إعطاء العمل المنزلي قيمة اقتصادية، وبالتالي عدم الاعتراف به كـ”عمل”، ساهم في ترتيب أعباء إضافية على المرأة. هذا الأمر يخدم، بحسب ضو، النظام الرأسمالي. ذلك أن “نزع القيمة الاقتصادية عن العمل المنزلي هو ربح إضافي لصاحب العمل”.
إعطاء قيمة اقتصادية للعمل المنزلي ضرورة
ترى ضو أن الاعتراف بالقيمة الاقتصادية للعمل المنزلي لا يُنصف النساء كفئة اجتماعية فقط، “بل يُنصف شريحة واسعة من العاملات المهاجرات واللاجئات اللواتي يعملن في ظروف غير عادلة هي أشبه بالعبودية بسبب عدم الاعتراف بالعمل المنزلي كعمل يستلزم ضمانات وحقوق للعامل فيها”. كذلك ترى ضو أنه عندما يُصبح للعمل المنزلي قيمة اقتصادية، تنتفي النظرة الدونية السائدة للعمل المنزلي، مُشيرةً الى أن “هناك نظرة دونية للعمل المنزلي حتى بين بعض النسويات، إذ يرين أنه لا يتيح للمرأة تحقيق ذاتها”، ولافتةً الى أن عدم الاعتراف بالعمل المنزلي هو استغلال مُضاعف للنساء اللواتي يجدن أنفسهن مجبورات على العمل خارج المنزل وداخله.
وبالعودة الى أرقام الدراسة، فإن المرأة في الدول المتقدّمة تنفق بمعدل 4 ساعات و20 دقيقة يومياً في أعمال رعوية غير مأجورة، مُقارنةً بساعتين و16 دقيقة للرجل، ويبلغ هذان الرقمان في الدول النامية 4 ساعاتٍ و30 دقيقة للمرأة، وساعةً واحدة و20 دقيقة للرجل. وتلفت الدراسة الى أن هذه الفروقات في العمل غير المأجور تحدّ من قدرة المرأة على زيادة ساعات عملها في الأعمال المأجورة والمنظَّمة.
الإشارة الى هذه النقطة الأخيرة تعدّ ضرورية، ذلك “أن الفجوة الجنسانية في العمالة ونوعية الوظائف تعني أن للمرأة فرصاً محدودة للوصول الى الحماية الاجتماعية المتصلة بالعمالة”، وفق الدراسة التي تشير الى أن هناك 200 مليون امرأة مسنّة يعشن من دون أي دخل منتظم من الحماية الاجتماعية (معاش المسنّين أو الورثة)، بالمقارنة مع 115 مليون رجل. أما في الدول العربية وجنوب آسيا وشمال أفريقيا، فتقل نسب المسنّات اللواتي يتلقّين معاشاً عن الـ 10% بسبب تدني معدلات مشاركة المرأة في العمل النظامي، إلى جانب التنمية المحدودة للمعاشات غير القائمة على الاشتراك، فضلاً عن أن 60% من النساء العاملات في العالم لا يستفدن من حق قانوني في إجازة الأمومة (750 مليون امرأة تقريباً).
ترى ماجد أنه يتم التعاطي مع عيد العمال على أنه عيد “الذكر المُعيل” بسبب المنظومة الذكورية البطريركية المهيمنة، “فاعتبار الفضاء العام (الشارع، مكان العمل والسياسة) هو عالم الذكور، والفضاء الخاص (المنزل أو الأسرة) هو عالم الإناث، أدّى الى ربط صورة العامل أو “المُعيل” بالذكور، مُشيرةً الى أنه يعكس نظاماً بطريركياً يقوم على مغالطتين:
الأولى تتمثّل باعتبار وظيفة المرأة في المنزل “واجباً”، وليست عملاً له قيمة اقتصادية، “وبالتالي لا يعتبر الإنسان عاملاً إلا عندما يعمل خارج الفضاء الخاص”، والثانية “تتمثّل بعدم الاعتراف أو القبول بأن الإناث اليوم يشغلن قسماً كبيراً من الوظائف في أسواق العمل الرأسمالية”.
وتُضيف ماجد في هذا الصدد، أنه على الرغم من انخراط المرأة بالعمل خارج الفضاء الخاص، “لا تزال القيم المجتمعية تركّز أولاً وأساساً على دور الذكر كمُعيل للأسرة، والأنثى كربة منزل”. وتلفت الى أن العديد من الإناث دخلن الى سوق العمل بسبب عدم قدرة الذكر على القيام بدوره التقليدي كمعيل أساسي للعائلة نظراً إلى صعوبة الأحوال المعيشية في ظل النظام النيوليبرالي القائم. وتُضيف: “على الرغم من أن الإناث انخرطن في الفضاء العام وأصبح عدد كبير منهنّ المعيل الأساسي للأسرة، إلا أن ذلك لم يتوافق بعد مع انخراط أكبر للذكور في العمل المنزلي في الفضاء الخاص.
«النضال النسوي» لا يكفي
وبعيداً عن المقاربات التي تطرحها الحركات النسوية، ترى ضو أن المشروع المساواتي والحقوقي “ليس مشروعاً متكاملاً، ذلك أن المساواة لا تتحقق من دون إعادة توزيع عادل للثروات ومن دون تحقيق العدالة الاجتماعية”. وهنا تلفت الى أن الأحزاب اليسارية “شجّعت على انخراط النساء بسوق العمل، من دون أن تأخذ بالحسبان موازين القوى الذكورية التي تحكم سوق العمل، وبالتالي هذه التيارات لم تكوّن أجندات نسوية ضدّ النظام البطريركي والرأسمالي”. وتُضيف: “هم يعتبرون أن تحرّر النساء سيكون نتيجة لتحرّر العمّال، في حين أن النضال النسوي، كما أراه، هو في صلب المعركة ضدّ النظام الرأسمالي”.
تركّز ضو على هذه المسألة لتقول إن المشروع المساواتي، كما تطرحه الحركات النسوية “لا يخلخل بنية المجتمع الرأسمالية والبطريركية”، في ظلّ تغييب الأجندات الاجتماعية في الأحزاب اليسارية والحركات النسوية نفسها. تقول ضو إن الحركات النسوية “تحوّلت منذ التسعينيات الى نمط المنظمات غير الحكومية التي تقوم على التخصّص بجزئيات تقنية”. تعطي مثالاً في هذا الصدد عن التوجه نحو تشريع قانون يحمي النساء من العنف المنزلي “من دون التطرّق الى العنف البنيوي الرأسمالي والبطريركي الممارس على المجتمع ككل”. وتشير الى أن المنظمات النسوية بتحولها الى منظمات غير حكومية “تحوّلت بدورها الى “ربّ عمل” يوّظف نساءً، وهو ما يتناقض والتضامن الطبقي بسبب التناقض في المصالح بين العاملات وربات عملهن”، ذلك أن، بحسب ضو، من مصلحة القيادات النسوية أن تراكم التمويل والشهرة والشعبية، “وتشبيك علاقتها مع السلطة، من دون التأثير في بنيتها”. فيما ترى ماجد أن من الصعب التكلّم عن حقوق متساوية في ظل الإبقاء على النظام البطريركي و”التواطؤ مع النظام الذكوري والأبوي”. وتخلص ضو وماجد الى “أن أي مشروع لا يصوّب على النظام عبر مشروع اشتراكي نسوي لا يعوّل عليه”.
70 عاماً لردم فجوات الأجور بين الجنسين
لا تزال المرأة تتقاضى نحو 77% مما يتقاضاه الرجل، بحسب التقرير الذي يلفت الى أنه «لا يمكن عزو تلك الفجوة في الأجور إلى وجود فروقٍ في التعليم أو السن فقط، بل يمكن ربطها أيضاً ببخس قيمة عمل المرأة والمهارات اللازمة في القطاعات أو المهن التي تهيمن عليها، وبالتمييز وبحاجة المرأة إلى أخذ إجازةٍ من عملها أو خفض عدد ساعات عملها المأجور كي تتولى مسؤولياتها الرعوية الإضافية مثل رعاية أطفالها». ويخلص التقرير الى أنه إذا بقيت الأمور على حالها «فسيستغرق الأمر أكثر من 70 عاماً لردم فجوات الأجور بين الجنسين ردماً كلياً».
الشابات هنّ الأكثر عرضة للبطالة
من المرجح أن تصبح المرأة عاطلة من العمل أكثر من الرجل، فمعدلات البطالة العالمية تصل إلى 5.5% بالنسبة الى الرجال وإلى %6,2 بالنسبة الى النساء. وفيما عدا شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأميركا الشمالية، تقل معدلات بطالة الرجال عن معدلات بطالة النساء في جميع المناطق الأخرى في العالم. وتوجد أعلى الفجوات الجنسانية في البطالة في شمال أفريقيا والدول العربية، إذ يشكل معدل بطالة الشابات ما يناهز ضعف معدل بطالة الشبان.