يناقش البرلمان التونسي، الأسبوع الحالي، مشروع قانون لتشديد الإجراءات القانونية المتعلقة بالعنف ضد المرأة، حيث يقدم مقترح سيُدرج ضمن التشريعات والسياسات الحكومية الأخرى، تعريفات شاملة للعنف القائم على الجنس، متضمناً الضرر النفسي والاقتصادي في النطاقين العام والمنزلي.
تونس- يحظر مشروع القانون الاغتصاب الزوجي، حسب هافنجتون بوست، بالإضافة إلى وقف إفلات المغتصبين من جرائمهم بالزواج من ضحاياهم إن كُنَّ أقل من 20 عاماً. أما بالنسبة للتحرش الجنسي في محيط العمل، فستزيد عقوبته، وسيجري تدريب أفراد الشرطة وطواقم طبية بالمستشفيات على القضايا الخاصة بالجنسين.
بدأ البرلمان التونسي هذا الشهر، في مناقشة مشروع قانون لتشديد التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة، والتي يدافع عنها حزب النهضة، وهو حزب إصلاحي محافظ ذو جذور إسلامية، ومجموعة من النواب والمسؤولين الإناث، ويتوقع أن يتم تمرير مشروع القانون في نهاية عام 2016.
والقانون المقترح والذي سيتم دمجه في تشريعات وسياسات حكومية أخرى، سيدخل تعريفات شاملة للعنف القائم، على نوع الجنس، وسيغطي الضرر النفسي والاقتصادي في كلّ من القطاعين العام والمجالات المحلية، كما سيتم اعتبار الاغتصاب الزوجي محظورًا، وسيتم وضع نهاية للإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الاغتصاب، إذا كانت ضحاياهم أقل من 20 عامًا وتمكنوا بعد ذلك من الزواج منها، وسيتم تشديد العقوبات الخاصة بالتحرش الجنسي في العمل، كما سيتم تدريب ضباط الشرطة والعاملين في المستشفيات في القضايا الجنسية.
ووفقاً لابتهال عبد اللطيف، رئيسة لجنة المرأة في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، فإن الرقم لا يعكس حجم العنف ضد المرأة، قائلة “مع كل رجل وُضع في السجن، تأكد من وجود 4 نساء على الأقل كن ضحايا، هن أيضاً: أمهات وزوجات وشقيقات وبنات”.
وأضافت “كان يُنظر إلى الرجال الذين يخرجون من السجن باعتبارهم أبطالاً، ويتلقون الاحترام في مجتمعاتهم. أما بالنسبة للنساء اللاتي تعرضن للإساءة الجنسية، فكانت هناك وصمة من العار. لم تُقبل العديد من الفتيات اللاتي خرجن من السجن وسط عائلاتهن مرة أخرى. وهناك نساء لم يخبرن أزواجهن عما حدث على الإطلاق”.
وتابعت “العديد ممن قدمن شكاوى لنا قُلن إنهن لا يرغبن في تعويض، بل في فرصة لسرد ما حدث، وكيف دمر حيواتهن، وكيف نبذهن المجتمع. إن التأثير الذي وقع على النساء كان أكبر بكثير من الذي وقع على الرجال”.
تحاول الهيئة التعامل مع الماضي، عن طريق مشروع قانون العنف ضد المرأة الذي يهدف إلى توفير حماية أكبر في المستقبل، إلا أن السياسيين المروجين للقانون يأملون فيما هو أكبر من تغيير تشريعي.
من جهتها، قالت آمنة جوليلي، الباحثة التونسية في هيومن رايتس ووتش، إن مشروع القانون كان “إطاراً شاملاً لمكافحة العنف ضد المرأة”. تم تكليف جميع مؤسسات الدولة بتضمينه، إلا أن “أثره العملي سيعتمد على استعداد الدولة لتوفير وسائل التنفيذ. في تونس، لدينا تقليد لتمرير قوانين جيدة، لكن الواقع الفعلي أكثر تعقيداً”.
وسوف يتحدى نطاق مشروع القانون الصور النمطية والغربية عن الإسلام، لكن محرزية العبيدي، وهي عضو في حزب النهضة ورئيس لجنة المرأة في البرلمان تقول فيما يخص القانون “لا نرى أي تناقض بين الإسلام وحماية حقوق المرأة، ويجب أن تكون لدينا قراءة تقدمية للإسلام”.
أما سيدة أونيسي، والتي تبلغ من العمر 29 عامًا وهي نائبة برلمانية عن حزب النهضة ووزيرة الدولة لشؤون المشاريع في الحكومة الائتلافية، بقيادة حزب نداء تونس العلماني، فتقول “من الجيد أن يقول المحافظون مثلنا أن العنف ضد المرأة أمر غير مقبول، بينما قد يقول بعض المحافظين أنه لا يجب على الدولة أن تتدخل في المساحات الخاصة (المتعلقة بالأسرة) ولكن عندما يقع ضرر على السلامة الجسدية للشخص، فإن الوضع يكون بحاجة إلى تدخل الدولة”، وأضافت أن تونس قد تحتل مركزًا جيدًا في مجال حقوق المرأة من بين البلدان اأخرى في المنطقة، “لكننا نقارن أنفسنا مع المعايير الدولية”.
وعلى الرغم من اعتبار العنف الأسري جريمة واضحة ومحددة في تونس منذ عام 1993، إلا أنه يُنظر إلى العنف الأسري على أنه أمرٌ عادي. ففي عامي 2012-2013، سُحبَ ثلثا شكاوى العنف الزوجي التي بلغ عددها 5575 شكوى للسلطات، أو جرى شطبها، ولم تسفر إلا 10% فقط منها عن إدانات. قد ترفض الشرطة أحياناً التحقيق في الشكاوى والادعاءات، وأحياناً يكون أفراد الشرطة أنفسهم هم الجناة.
ووفقًا لمسح أجري عام 2010، فإن حوالي نصف النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عامًا، أي بنسبة 47.6% من النساء، تعرضن لبعض أشكال العنف، وهناك أدلة قليلة على أن الوضع تحسّن منذ الانتفاضة التي أنهت حكم زين العابدين بن علي، وأدت إلى انتخاب حكومة ديمقراطية.
وعندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة فإن تونس هي بلد التناقضات، فالإجهاض المجاني ووسائل منع الحمل كلاهما متاح، وتتمتع المرأة بحقوق متساوية في أمور الزواج والطلاق والملكية، وفي عام 2010 كان ثلث القضاة من النساء، و4 من كل 10 محامين من النساء وبحلول عام 2013 أصبحت النساء تشكل 30% من نسبة المهندسين في تونس.
وفي عام 2014 أي بعد ثلاث سنوات من الثورة، تم النص على مبدأ تكافؤ الفرص في الدستور الجديد، كما طلب من الأحزاب السياسية بموجب القانون التناوب بين الرجال والنساء في القوائم الانتخابية، وذلك لضمان تمثيل المرأة بشكل كبير في البرلمان التونسي وفي عام 2014 رفعت تونس تحفظاتها على اتفاقية الأمم المتحدة، للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
ولكن في المدن والقرى المحافظة اجتماعيًا، لا يزال الرجال والنساء يتبعون الأدوار التقليدية، ودائمًا ما تعني كلمة امرأة أنها أقل قيمة من الرجل، عندما يتم تقييم اتهامات العنف الجنسي أو المحلي، وذلك وفقًا لتقرير منظمة العفو.
وغالبًا ما ينظر للنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب او الاعتداء الجنسي على أنهن يجلبن “العار” لأسرهن، وفي كثير من الأحيان يتم الضغط على ضحايا العنف الأسري، للتنازل عن الشكاوى من أجل وحدة الأسرة وسمعتها.
يُذكر أن مشروع القانون الاساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي أعدته وزارة المرأة والأسرة والطفولة قد تمت المصادقة عليه من طرف المجلس الوزاري المنعقد يوم الاربعاء 13 جويلية 2016، ومن المنتظر عرضه قريبا على انظار مجلس نواب الشعب.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ الخطَة الموضوعة لمناصرة هذا القانون تتنزل تحت شعار: “العنف ضدَ المرأة = شأن وطني” باعتبار أنّ العنف المسلَط على النَساء مسألة تهمَ جميع المتدخلين من هياكل حكومية وممثلي المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
وتنصّ الخطة على أنّ انخـراط الأطـراف المعنيَــة بهــذا القـانــون يُعـــدّ شــرطا أسـاسـيّا لإدخــال القانون حيّـــز النَـفــاذ وتحـسيـس وتعبئة الرَأي العامَ لمكـافحـة العنـف ضدَ المــرأة.