ليلى الرفاعي/ ميدان(الجزيرة)- في (تموز/يوليو) من عام 2010 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تكوين وكالة جديدة للأمم المتحدة للنساء، تدعى كيان الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، أو اختصاراً الأمم المتحدة للنساء، وقد كان قرار تكوين جسم منفصل للتعامل حصرياً مع نشاطات تتعلق بالجندر بعد سنوات من تكون الأمم المتحدة لوكالات متخصصة بقضايا نوعية، وبدأت وكالة الأمم المتحدة للنساء العمل في (كانون الثاني/يناير) من عام 2011، ومن المهم بحال معرفة مفاهيم وأبعاد مفهوم “الجندر” والنشأة والسياقات التي ولد بها.
المصطلح
إرهاصات:
في سنة 1949 صدر كتاب “الجنس الآخر” للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفورا، الكتاب الذي يُعدُّ الدستورَ المؤسِّسَ للحركة النسوية في العالم؛ وقد ذهبت فيه دي بوفوار إلى أن الرجل يمارس على المرأة سطوة عاطفية، وهو ما جعلها تعاني من اضطهاد عميق؛ لأنها في النهاية قبِلت بتحوّل الرجل من إنسان واقعي إلى رمز شبيه بالآلهة، ودي بوفورا تعتقد أن المرأة لا تولد امرأة لانعدام قدر بيولوجي أو نفسي أو اقتصادي يقضي بتحديد شخصية المرء كأنثى في المجتمع.
وترى دي بوفورا أن تحرر المرأة رهين بمدى استطاعتها تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل لها ولخصائصها الجسدية والنفسية، ومدى تحررها من الموروث الثقافي الذي يشكل سلبًا حيواتها اللاواعية، وهذا الدور منوط بالمرأة الكاتبة التي تملك ناصية اللغة لتبليغ المشاعر والأحاسيس” للآخر ” الذي تمثل المرأة في عُرفه الجنس” الآخر”، فالأنثى تتحوّل إلى امرأة ضمن واقع ذكوري متسلّط تشكّلت شخصيته انطلاقًا من مفهوم السلطة التي وضعت ملامحها وحدودها السلطة الاقتصادية عبر العصور وبذلك صرخت سيمون دي بوفوار “إن الشخص لا يولد امرأة، بل يصبح امرأة”.
فعملت سيمون بنتاجها الفكري والأدبي على التساؤل عن هوية المرأة، والتأكيد أنها هوية مستلبة من صنع الرجل وتحررها يكون بقدرتها على الخروج من أصفاد الصورة النمطية التي صنعها المجتمع، وهي بهذا مهّدت للتنظير في مفهوم “الجندر”.
الولادة:
ظهر مصطلح “الجندر” في السبعينيات مِن القرن العشرين والـ”جندر” (Gender) كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وتعني في الإطار اللغوي “جينس” (Genus)؛ أي: الجنس من حيثُ الذكورة والأنوثة، وكانت آن أوكلي هي التي أدخلتِ المصطلح إلى عِلم الاجتماع؛ وتوضح أوكلي أنَّ كلمة “سكس” (Sex)؛ أي: الجنس، تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع “الجندر” إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعيًّا إلى الذكورة والأنوثة.
في وثائق الأمم المتحدة الدولية:
ظهر المصطلح لأول مرة في وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان 1994 في 51 موضعاً، ثم أثير مرة ثانية ولكن بشرط واضح في مؤتمر بكين للمرأة عام 1995 وقد شاع استخدام هذا المصطلح في المؤتمرات الدولية، وإن النسخة الإنجليزية لمؤتمر بكين الدولي المشهور ذكرت المصطلح 2544 مرة دون أن تعربه، وتحت ضغط الدول المحافظة تم تشكيل فرق عمل لتعريفه وخرجت لجنة التعريف بعدم تعريف المصطلح.
المفهوم
ومن التعريفات الأجنبية التي وردت للمصطلح:
في الموسوعة البريطانية عُرِّف الجندر بأنه شعور الإنسان بنفسِه كذَكَر أو أنثى… ولكن هناك حالاتٌ لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافُق بين الصِّفات العضوية وهُويته الجندرية، إنَّ الهُوية الجندرية ليستْ ثابتة بالولادة؛ بل تؤثِّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية، وتتغيَّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، كلما نما الطفل”.
سيداو:
جاء المصطلح في المادة الخامسة من سيداو، وطالبت هذه المادة بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية. ولا بد في الحديث عن تعريفات مفهوم الجندرة من التفريق الدقيق بين الجنس والجندر “النوع الاجتماعي”؛ حيث يشير مصطلح “الجندرة” إلى التفرقة بين الذكر والأنثى على أساس الدور الاجتماعي لكل منهما تأثراً بالقيم السائدة، بينما يقتصر مصطلح “الجنس” (Sex) على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة، ويتسم بالجبرية كون الفروق الجسدية بين الرجل والمرأة فروق ثابتة وأبدية، ويتمتع مصطلح “الجندر” بكونه مفهومًا ديناميًّا؛ إذ تتفاوت الأدوار التي يلعبها الرجال والنساء تفاوتاً كبيراً بين ثقافة وأخرى ومن جماعة اجتماعية إلى أخرى في إطار الثقافة نفسها، فالعرق، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والعمر، عوامل تؤثر على ما يعتبر مناسباً للنساء من أعمال.
ولذا فإن طرح مفهوم الجندر كبديل لمفهوم الجنس يهدف إلى التأكيد على أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم، فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً، يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة. ويعد الجندر بناء على ذلك اجتيازًا لآخر الحواجز على طريق تحقيق العدالة بين الرجال والنساء؛ لأنه يشمل التحول في المواقف والممارسات في كافة المجتمعات.
مفاهيم عامة في الجندر
المساواة الجندرية:
أي ألّا تعتمد الحقوق والمسؤوليات والفرص المتاحة للنساء والرجال على كونهم ولدوا ذكوراً أو اناثاً، وهي تعني أيضاً أن التوزيع المتساوي للمقدرات الاقتصادية يجب أن يُفهم في إطار التوزيع المتساوي للفرص والقدرة على التأثير والقوة الاجتماعية.
العدالة الجندرية:
هي العدالة في التعامل مع كلٍّ من الرجال والنساء بناء على الاحترام الكامل لاحتياجاتهم، ويتضمن ذلك تعاملات عادلة أو تعاملات مختلفة لكنها تعتمد على المساواة في الحقوق والمكتسبات والحريات المدنية والسياسية وكذلك الفرص.
جندرة الاتجاهات السائدة:
عملية يُراعى من خلالها إدراج النساء والرجال في كافة عمليات التخطيط بما في ذلك صنع التشريعات والسياسات والبرامج في كل المناطق وعلى المستويات كافة، وهي إستراتيجية جعلت اهتمامات وخبرات الرجال والنساء عناصر أساسية في تصميم وتنفيذ وتقييم السياسات والبرامج في كافة السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
التحليل الجندري:
أداة تحليل الفروقات بين الرجال والنساء مع مراعاة خصوصية الأنشطة والظروف والاحتياجات والوسائل التي تؤثر في تحكمهم في الموارد وكذلك وسائل الإفادة من التنمية واتخاذ القرار.
التغيرات المفاهيمية التي تفرضها الجندرة
الأمومة:
تأخذ الأمومة حيزًا كبيرًا عند الجندريين، حيث تقول عالمة الاجتماع سيمون : “إنَّ الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أنَّ الأمومة تعتبر وظيفةً اجتماعية”، ما ولّد مصطلحًا جديدًا وهو “الصحة الإنجابية”، ويهدف إلى معالجة الإشكاليات الناتجة من وظيفة المرأة بوصفها أمَّا على مستوى الإنجاب، والتي قد تقف عائقًا أمام ممارستها لدَوْرها الجندري المساوي لدور الرجل، ومِن هذه الإشكاليات أيضًا الحملُ والرَّضاعة، وغيرها من الوظائف الفيزيولوجية للمرأة، ومن هنا فلها الأحقية المطلقة في الإجهاض.
شكل الأسرة:
وفقًا لمفهوم الجندر ولكتاب “الأسرة وتحديات المستقبل” من مطبوعات الأمم المتحدة فإنَّ الأسرة يمكن تصنيفها إلى 12 شكلاً ونمطًا، ومنها أُسر الجنس الواحد؛ أي: أُسر الشواذ، وتشمل أيضًا النساء والرجال الذين يعيشون معاً بلا زواج، والنساء اللاتي ينجبن الأطفال سفاحاً، ويحتفظن وينفقن عليهم، ويطلق على هذا التشكيل اسم الأسرة ذات العائل المنفرد، وتسمى الأم بـ (الأم المعيلة).. وهذا التغير في شكل الأسرة يعني فيما يعنيه ضمن النسق الجندري تغيير الأنماط الوظيفية المعهودة للأب والأم في الأسرة.
حقوق الشواذ:
جاء في التقرير الذي أعدتْه لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة؛ 2004م، اعترافٌ رسميُّ بالشذوذ وحماية حقوق الشواذ، والسعي لقَبولهم مِن قِبل المجتمع، وعَدِّ ذلك تعبيرًا عن المشاعر، ودعمًا لتعليم الممارسة الجنسيَّة بمختلف أشكالها الطبيعيَّة والشاذَّة.
الصراع بين الجنسين:
يترتب على مفهوم “الجندر” إشعال العداء بين الجنسين وكأنهما متناقضان ومتنافران كما جاء في أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن 21 الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء في اليمن(8)، وعليه يُزج بالجنسين في صراع إثبات الذات بشكل فرداني متمحور حولها.
إعادة صياغة اللغة:
وذلك لإثبات ما يمكن تسميته بالتحيز للذكر يمكن ملاحظة الكلمات الآتية في اللغة الإنجليزية والتي تدل على تبعية المرأة للرجل وعدم إمكان وجودها مستقبلاً كإنسان إلا من خلال الرجل: إنسان (Hu-man)، امرأة (Wo-man) ولو حذفت كلمة رجل (man) لضاعت وسائل المرأة من الوجود في اللغة. المشكلة أنه عندما تطرح الأنثوية كلمات مثل “جندر” بدلاً من رجل وامرأة لوصف العلاقة بين الجنسين وكلمة “فمينيزم” (feminism) للتعبير عن حركة النساء فإن الذي تغير ليس للتعبير عن حركة النساء فإن الذي تغير ليس حروفاً وكلمات وإنما مضامين ومعاني وثقافة وفكر.
ملكية المرأة لجسدها:
نادت الحركة النسوية وخصوصاً بعد فترة الستينيات إلى شعار مؤداه أن المرأة تملك جسدها، وهذه الدعوة الخطرة تقتضي أموراً عدة منه: الدعوة للإباحية الجنسية ومن المشكلات التي خلفتها هذه الظاهرة أمهات غير متزوجات وأغلبهن في أعمار المراهقة، ومنها أيضًا التبرج الشديد والتعري.
تسعى المنظمات الدولية بدأب لفرض رؤيتها المتعلق بالمصطلح في أوساط المؤسسات النسوية العربية رغم أن المجتمع العربي حمّال أنساق اجتماعية وثقافية وحضارية مختلفة عمّا هي عليه في البيئة الحاضنة للمصطلح والمتبنية لرؤاه، واستشراء المفهوم في نسيج المجتمع العربي وداخل المنظمات العربية النسوية وغيرها دون وعي يشكل تهديدًا حقيقيًّا لنسيج المجتمع العربي الذي يعتمد الأسرة بشكلها الأوحد ووظائف أفرادها الفطرية نواةً متماسكة حاملة له مما ينذر إلى جانب مخاطر تفكيك الأسرة التي تعدّ من آخر الحصون التي يتفاخر بها المسلمون على الغربيّين بإحداث هوَّةٍ خطيرةٍ بين الجنسين لتقوم العلاقات بينهما على التناقض والتّصادم بدلًا من التّكامل من خلال فهم كلّ جنسٍ خصائصه وقدراته ومهامه.