د. طيب تيزيني/ جريدة (الاتحاد) الإماراتية- يعيش العالم العربي وضعيةً اجتماعية تاريخية أقرب لحال الشيخوخة منها لحال الشباب، وإن كنا نفتقر لإحصائياتٍ ووثائق في هذا الحقل، فإننا قادرين على القيام بمقارنةٍ تقريبية من خلال الأوضاع العامة، خصوصاً بالنظر لانفلات الأحوال الأمنية في العديد من الدول العربية، وما يرتبط بذلك من خطواتٍ لتكريس الاضطراب والأسى والفقر.
ولعلنا نضيف أن مئات الآلاف من الشباب قد غابوا عن الحضور لأسبابٍ كثيرة، منها اثنان رئيسيان؛ أولهما يتمثّل في أنّ ملايين من الشباب خرجوا من بلدانهم بحثاً عن الأمن والأمان، وثانيهما أنّ ملايين أخرى راحوا يبحثون عن ملاذٍ يجدون فيه فرصة عمل لضمان العيش الكريم.. أما من بقوا في بلدانهم المنكوبة بالاضطراب والفوضى، فيكافحون من أجل السلم ولمّ الشمل ورفع مستوى العيش المشترك، وإعادة إعمار ما تصدّع وتحطّم.
ورغم أن الذين يقصفون الشعب السوري لا يميزون بين امرأةٍ ورجل، صغيرٍ وراشد.. فإنّ معالجة المسألة النسوية تقدّم مثالاً واضحاً على إقصاء المرأة عن الأحداث الكبيرة في كثيرٍ من البلاد العربية.
لذلك نقول إنّه رغم ما حدث على صعيد فكرة المساواة والحداثة، مازال هناك في كثيرٍ من البلاد العربية إقصاءٌ لنصف المجتمع. وذلك ما يتجلى في أشكالٍ متعدّدة من إقصاء «الجنس اللطيف»، وهو مصطلحٌ زائف يمثّل أحد «أخطاء» علم النفس العام.
نحن حقاً مدعوّون إلى قراءة المجتمع وأفراده كأندادٍ في الحقوق والواجبات الوطنية والمجتمعية والفكرية خصوصاً، إلا إذا وُجدت استثناءاتٌ نجدها أكثر جدّيةً في الجوانب السياسية والاقتصادية والدينية.
وتبقى ملاحظةٌ هامّة مُتَمّمة تقوم على أنّ الفكر الاستراتيجي فيما يخصّ المرأة وحضورها في الحقل العربي العام، لا يجد نفسه مضطّراً لـ«اكتشاف» مداخل تسمح له بتعميم فكرة المساواة والتوازن بين المرأة والرجل، فكلاهما يمتلك ما يجعل منه ما هو عليه؛ رجلاً وامرأة.
فليس مطلوباً من الباحثين، خصوصاً الاستراتيجيين منهم، أن يصلوا إلى فكرة التساوي المطلق بين الرجل والمرأة، إذ إنّ هذه الفكرة لا تنتمي إلى حضور الفريقين على نحوٍ متساوٍ مساواة قسرية، ذلك أنّ هذه الفكرة زائفةٌ في ذاتها، لأنها تُطيح بما يجعل من المرأة امرأةً ومن الرجل رجلاً. وإذا كان الاعتقاد بمساواةٍ مطلقة بين الفريقين يُطيح بوجوديهما، فإن القول بتمايزاتٍ واختلافاتٍ ملفّقة بين الفريقين يقود إلى تجاوز ما نعنيه بالمرأة، حين نتحدث عنها وما نعنيه بالرجل حال الحديث عنه.
هكذا، نكون قد تجاوزنا الاعتقاد الزائف القائل بالمساواة المطلقة بين الفريقين.
نحن ندرك أن التاريخ البشري لم يمرّ على الناس، المرأة والرجل، ومنذ بدء البشرية، إذا استطعنا التكلّم عن مثل هذا البدء، في مفاصل تاريخية عاش خلالها الفريقان ما عاشاه من تغيّراتٍ وتحوّلاتٍ بيولوجية ونفسية ومجتمعية.
لقد مرت على النساء والرجال، أو لنقل على مكوناتهم، سنونٌ بالآلاف، لكن ليس دون ترك آثارٍ تدخل في «تاريخ البشر»، وتحديداً في تاريخ ما قبل الإنسان ثم في تاريخ الإنسان المُشخّص هذا!
إن هذا الطريق هو نفسه «حامل البشر» في تقدّمهم وبُطئهم وتراجعهم، وكذلك في قفزاتهم ووصولهم إلى مرحلة الإنسان، وهذا الطريق الطويل ثمّ التوقّف أو التراجع عنه والمتابعة بعده إلى حيث يكونون بشرَ العصر القائم، نقول إنّ هذا الطريق قد يكون كفيلاً بإحداث تغيّراتٍ عميقة في حياة أولئك.