جريدة السفير- ثلاث نساء اغتُصبن الأسبوع الماضي في بيروت، وثلاثتهن موجودات ضمن دائرة ضيقة يعرفن بعضهن البعض. استطاعت هؤلاء الإفصاح عما تعرّضن له. الا أن الرقم الحقيقي للواتي يُغتَصَبن من دون أن يُخبرن أحداً، يبقى مجهولاً.
ليس الشارع المكان الوحيد غير الآمن للنسا، ولا يصدر فقط عن رجال مجهولين. مؤخراً شكت العديد من النساء من تحرُّش يتعرّضن له في أماكن عملهن أو في أوساط منظمات المجتمع المدني. شكاوى تدور بالسر وفي أماكن مغلقة، مع تشديد هؤلاء النسوة على عدم ذكر أسمائهن.
تحدّثت نساء أخريات عن تعرّضهن للتحرش من قبل ناشط يُشغل منصباً في جمعية مدنية. البعض من ضحايا هذا المتحرّش ما زلن قاصرات. قال مسؤولون في الجمعية نفسها إنه لا يمكنهم فتح تحقيق ما دام ليس هناك أدلة ملموسة. متحرّش آخر من الجسم الإعلامي، والغريب أنه معروف بمواقفه ضد الفساد ومساندته لقضايا المرأة… بناء على هذه النماذج التي تبقى نقطاً صغيرة في بحر ما يُحاصر النساء في المجتمع وأماكن العمل والأحياء والشوارع… كان لا بدّ من الخروج إلى الشارع للمرة ألاولى في تظاهرة مخصصة فقط لأمان النساء تحت عنوان «الشارع إلنا ولو بآخر الليل».
دعت للنشاط النساء في نادي السنديانة الحمرا في الجامعة الأميركية، وهو يتزامن مع فكرة أنشطة «استرجاع الليل» التي تنظم عالمياً، بهدف استرجاع المساحات العامة لتكون آمنة للنساء.
لبّت دعوة «السنديانة الحمراء» عشرات النساء. مشينَ ومعهن رجال مساندون لقضاياهن مساء أمس الأول على الكورنيش البحري. ردّت اللافتات التي رفعنها على معظم الأسئلة التي توجَّه إليهن في حال قرّرن التكلم عما يتعرّضن له. «السؤال مش شو كنت لابسة»، و «الشارع ما ألو دوام»، و «مش بسيطة» و «اللطشة مش مجاملة». وكان للشرطة نصيب في لافتة «حتى الأمن مش آمن» كون النساء يتعرّضن للتحرش أحياناً من قبل بعض عناصر الأمن.
«اخترنا الكورنيش لسببين»، تقول آية عدرا من النادي، «لاسترجاع المساحات العامة التي يتم سلبها منا وخصخصتها أولاً، ولكون الكورنيش من أكثر الأماكن التي نتعرض فيها للتحرش ثانياً». وتشير إلى أن الدعوة كان موجهة حصراً للنساء: «كنساء نحن نخاف السير ليلاً ونطلب من أصدقائنا الشبان مرافقتنا، لذلك أردنا اليوم أن نمشي وحدنا من دون خوف». ولكن بما أن الكورنيش مساحة عامة وللجميع، «قلنا إن أي شخص يشعر بأنه معني بقضيتنا يمكنه المشاركة، على أن تهتف النساء ويقدن المسيرة بأنفسهن».
تقول عدرا إن النشاط ينطلق من فكرة أن التحرش ليس مشكلة شخص بحد ذاته، وأن حوادثه ليست حلقات منفصلة عن بعضها البعض بل هي سلسلة مترابطة ناتجة عن النظام الذكوري الأبوي الذي يمنع النساء من حقهن بالسير في الشارع ليلاً». وتؤكد أن النساء واعيات أنه وبرغم ما يتعرّضن له، إلا أنه يبقى جزءاً صغيراً مما تتعرّض له اللاجئات ومثليات الجنس والعاملات المهاجرات ومغايرو الجنس.
ومع ذلك وبرغم وضوح الرسالة، لم ينجُ المشاركون بالمسيرة من سخرية بعض رواد الكورنيش وبعض رجال الشرطة الذين رافقوا التظاهرة. «تلطيشات» من هنا، وسخرية رافقت النساء طوال مسيرتهن. لم تنجح اللافتات التي حملنَها ولا هتافاتهن في ثني المتحرّشين. بالقرب منهن يهمس رجل أمن في أذن زميله معلقاً على هتاف «على التحرش ثورة»: «بدهنّ ثورة.. ولك نسوان».
سارة المغتصبة التي لم تلجأ إلى الشرطة
أنهت سارة (25 عاماً) عملها عند السابعة من مساء الأربعاء 2 آذار الحالي، ووقفت كعادتها على «أوتوستراد» الدكوانة خلف متجر «براندز فور لس» لتستقل سيارة أجرة. «لا إنارة بلدية، فقط أضواء السيارات المسرعة»، تصف سارة المشهد قبل أن يدخل شابان كيس قماش برأسها ويسحباها من المكان. للوهلة الأولى، ظنّت أنها تتعرض للخطف من قبل جهاز دولة أو ميليشيا حزبية «لم أفكر أني سأغتصب».
شلّ الذعر الذي شعرت بها قدرتها على الحركة والتنفس: «لو كان هناك أحد بالجوار لسمع صراخي». لكنها صرخت وصرخت إلى أن نزعا الغطاء عن وجهها ووضعاه في فمها لإسكاتها. دفعاها إلى داخل سيارة حيث بدأ أحدهما باغتصابها. لا تعرف سارة مصدر تلك القوة التي مكنتها من رفس مغتصبها الأول لترميه أرضاً، ثم دفعت بنفسها إلى الأمام وبدأت بالركض نحو «الأوتوستراد» قبل أن يغتصبها الثاني.
عندما أوقفت سيارة تاكسي عرف السائق فوراً أنه أمام سيدة تعرضت للاغتصاب. «عرض علي أكثر من مرّة بأن يرافقني إلى المخفر كي أتقدم بشكوى ولكنني رفضت. الأمر نفسه تكرر مع الطبيبة التي ذهبت إليها.
«لن أذهب إلى الشرطة لأني وببساطة لا أثق بأي عدالة ممكن أن يقدمها لي رجالها»، تقول سارة لتؤكد أنها تعرضت سابقاً للتحرش من قبل أحد عناصر الشرطة خلال سيرها على الطريق: «ضربني على فخدي وقال كلمات مزعجة وحين صفعته على وجهه، أتى المسؤول عنه وهددني بإحالتي إلى المحكمة العسكرية لتعرضي لقوى الأمن». أما عندما أخبرته أنه تحرش بها فطلب منها المسؤول إثباتاً. «هل تقوم السيدة المغتصبة بتصوير حادثة الإعتداء عليها لكي تحتفظ بالدليل؟ وهل يجب أن نصور أنفسنا طوال الوقت في الشارع لنثبت تعرضنا للتحرش سواء من أشخاص عاديين أو من رجال أمن؟».
حتى أن سارة تستشعر من أسئلة الشرطة وكأنهم يضعون اللوم على المغتصبة: «كم كانت الساعة، ماذا كنت ترتدين، لماذا كنت تمشين وحدك»، أسئلة تتعامل مع المرأة كما لو كانت هي المذنبة، الا في حال كان المغتصب أجنبيا، وتحديداً من الفئات المهمشة بين الأجانب». هنا لا توجّه الاتهامات إلى الفتاة، «بل تصبح قضية وطنية قومية، ويصبّ الغضب على الأجنبي الغريب، لا لكونه اغتصب فتاة بل لكونه أجنبيا يهدد استقرار البلاد». تؤكد سارة أن مغتصبيها كانا لبنانيين «لم أذهب إلى أي مكان لكي لا يبرر أحد اغتصابي ويقولون أنني المذنبة». طوت سارة قصتها كما ضحايا اغتصاب كثر في هذه البلاد التي تفتقر إلى الشوارع الآمنة للنساء، وليس فقط للحد الأدنى من إضاءة الطرقات.