هكذا حوّلني زوجي تدريجيّاً من «دبّة» إلى «قحبة»
الرسم: (Silvano Mello - كارتون موفمينت)

هذا ليس مقالاً.. هذه قصة حقيقية، واحدة من مئات بل آلاف القصص قررت بطلتُها أن ترويها. ينقلها موقع «صوت سوري» (sot-sy) كما وردته، مع تدخلات تحريرية بسيطة جداً؛ وفقاً للمنشور على موقعه الإلكتروني. ويوضح الموقع أن x ليس اسماً مُستعاراً لصحافي/ة، بل هو رمز ينشرالموقع تحته حكايات النساء، داعياً إياهنّ: “اروينها عبرنا، تكلمن ولو من وراء ستار، تكلمنَ لنغيّر، وما أكثر التغييرات التي بدأت بكلمة”.

اعتاد زوجي منذ «شهر العسل» أن يناديني أحياناً «يا دبة»، وعندما كنت أعترض قائلة: «عيب تحكي معي هيك»، كان يبتسم ثم يردّ: «طيب ما تزعلي يا حمارة»، ويقهقه قائلاً: «هادا مزح وليك»، فأسكت وأقول لنفسي: «يبدو أن المتزوجين يمزحون هكذا بلا خجل، أو حياء». شيئاً فشيئاً صار الكلام السوقي، والمفردات النابية جزءاً من يومياتنا، ويُبرر في إطار «التقارب الزوجي»! 

لأن «كل مزاح لا يخلو من الجد»، ومع مرور الأشهر، فالسنوات راحت خيوط الكذب تتقطع، وصارت تلك المفردات تُقال في مختلف المواقف لا سيّما الجدية منها، وتوسع القاموس ليشمل مفردات جديدة تخبرني بحجم الورطة التي أنا فيها.

لم يغيّر من الأمر شيئاً أننا أصبحنا أباً وأمّاً، ولا أن طفلينا راحا يكبران ويعيان ما يسمعان. ظلّت كلمة «بقرة» تقال مرات ومرات في اليوم، وكلمة «جحشة» أثناء تناول الطعام، و«حمارة» عند كل شجار، و«حيوانة» إذا ما أدليت أثناء حديث ما برأيٍ مخالف لرأيه، وغيرها من الكلمات مما قد لا يتخيله عقل ولا يصفه لفظ. كل كلمة تتحول إلى خنجر مسموم يطعن شخصيتي، أما في آخر شجار فكانت كلمة «قحبة» لأنني رفضت أن يرفع يده عليّ للمرة الخمسين ربما، فانتهى الشجار بدماء في فمي، ودموع في عيوني، وآثار عميقة للصفعات على وجهي.

أجل أنا قحبة لأنني رفضتُ أن أُضرب وأُهان أمام طفلَيّ، أنا قحبة لأنني قلت: «لا»، في مجتمع يقول فيه الجميع إن الرجال قوامون على النساء، ويبرر بعض الرجال فيه تطاولهنّ واستباحتهنّ لنا بآية من القرآن «واللَّاتي تخافون نُشُوزهنَّ فعظُوهُنَّ وَاهجروهُنَّ فِي المضاجِع واضربوهُنَّ فإِن أَطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبِيلاً إِنَّ اللَه كان عليّاً كبِيراً» (النساء 34).

أجل أنا قحبة تزوجت بالذكر الذي يرى في الاختلاف والتعبير عن الرأي إهانة لشخصه ورجولته، ويمنحه المجتمع تبريراً لجريمته وصكّاً لبراءته لأنني أنثى تحاول مخالفة القطيع، ففي هذا المشرق المنكوب أخلاقياً قبل أي نكبة أخرى، «النساء ناقصات عقل ودين»، فكيف يتجرأن ويقلن: لا؟

 يقول لي زوجي: يا بقرة.. يا حمارة.. يا وقحة.. يا قحبة.. يا شرموطة.. تنهال علي الشتائم مطراً يشبه الرصاص يخترق كل حواسي، وعليّ أن أخرس كمن تستسلم للرجم بفم مُكمّم. أظنّ أنني أشبه كيس الملاكمة، كلما أراد زوجي أن يفرغ شحناته السلبية وجد ضالته في جسدي!

كثيراتٌ سواي يتعرضن لهذه المواقف، ينجبن ذكوراً يربون شواربهن منذ الولادة، وبنات يقصصن أجنحتهن. هذه البلاد تئد الإناث على اختلاف مذاهبهن، فلماذا أظن أنني استثناء؟

في البداية قلت لنفسي: «أنت امرأة واعية، جدي حلاً». بدأت بالقراءة في علم النفس والسلوك، وانتهيت بكتب عن «رجال من المريخ ونساء من الزهرة»، وأخرى عن «رجال سيئي الطباع»، مروراً بـ«سلوكيات المختل عقلياً» و«فن التعامل مع الشخصية النرجسية» وغيرها.. ثم اكتشفت أنني أدور حول ذاتي في حلقة مفرغة من الإهانات تجبرني على الظن أن المشكلة فيّ مهما كان الموقف أو الحدث. 

لقد توقفت منذ سنوات عن التفكير في ذاتي. ما يؤلمني هو نظرة الانكسار التي يحملها ابني في مقلتيه، والخجل في شخصيته، وعنفه المتكرر ضد أخته. ما يقلقني تلك التأتاة اللفظية التي تصيب ابنتي كلما علا صوت زوجي، وكثيراً ما يعلو. وما يرعبني أن تقع ابنتي في الورطة التي أنا فيها، أو تنتهي حياتها بالظن أنها لن تجد رجلاً سوياً تضع رأسها على كتفه مطمئنة.

اليوم أنظر إلى زوجي الذي يضربني ويهينني ويحقرني فأشعر بخسته ولؤمه وسفالته ومدى ضعف شخصيته فيما هو يعدّ «تكسير رأسي» هو البطولة ومدعاة الفخر والسيادة.

قد تسألونني لماذا لم أتطلّق؟

لقد وُسمتُ كما الخراف والأبقار، وتغيرت بحيث لم أعد أشبه نفسي، لقد ماتت فيّ الجرأة على المواجهة، حطّمني إلى درجة أنني أعرف كيف يكون الحل ولكنني لا أجرؤ على القيام به خوفاً من الإهانة، أو الضرب، أو ما هو أكثر.

أنا ذلك الحَمل في تجربة ابن سينا، ذلك الحمل الذي يرى ويسمع الذئب المحبوس في القفص فيموت رعباً!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

الرسم: (Silvano Mello – كارتون موفمينت)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015