معقل زهور عدي/ مدار اليوم- لفترة طويلة كانت الإجابة الحاضرة لكثيرٍ من الرجال السوريين والنساء أيضاً أن لاحاجة لحركةٍ نسويةٍ سياسيةٍ مستقلة، وأن تحرّر المرأة هو جزءٌ من عملية تحرر المجتمع.
وقد وجدت تلك الفكرة سنداً لها في النظرة الاشتراكية الثورية التي كان لها الأثر الكبير في الفكر السياسي السوري منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى تاريخ سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، إذ يمثّل ذلك التاريخ نقطة تحوّل في الفكر السياسي السوري نحو انكشاف عجز الفكر الاشتراكي – الثوري، وما يحمله من نقائص أدت لانهيار المنظومة الاشتراكية العالمية بعد أكثر من مضي سبعين عاماً على انتصارالثورة البلشفية في روسيا.
لقد تكفّل انهيار المنظومة الاشتراكية العالمية بحسم الجدل والنقاشات الفكرية الواسعة التي كانت تدور حول حتمية الحل الاشتراكي، والاعتقاد اليقيني الذي يشبه الاعتقاد الديني بالماركسية التي تم دمجها بالتجربة الروسية (الماركسية – اللينينية) باعتبارها فلسفة المستقبل وانجيل التحرّر المادي والفكري. وقد أدّت مراجعة الفكر السياسي السوري المشبع بالفكر الاشتراكي الثوري إلى صعود موضوعاتٍ مثل الديمقراطية وحقوق الانسان إلى صدارة الاهتمام بعد أن كانت الديمقراطية قد تم طمسها وتزييفها بمفهوم الديمقراطية الثورية التي فرّغت – واقعياً – الديمقراطية من أي مضمون، أما حقوق الانسان التي أعيد الاهتمام بها فقد كان ينظر إليها باعتبارها موضوعةٌ بورجوازيةٌ لاقيمة لها على الإطلاق.
وحين وصلنا للثورة السورية عام 2011 كانت تلك المراجعات مهيّئة للتحوّل من موضوعات نقدٍ خجولة ضمن مجموعاتٍ ثقافية مغلقة إلى تيار سياسي وجد احتضاناً واسعاً في صفوف الشعب. وفي مناخ كهذا أعيد طرح مسألة المرأة على أرضيةٍ جديدة، باعتبارها مسألة مستقلة بذاتها، وإن كانت مرتبطة بالتحولات التي يشهدها المجتمع.
وفي الحقيقة فإن التجربة التاريخية قد أوضحت إلى حدّ كافٍ أن مسألة تحرّر المرأة لاتتعلق فقط بشكل النظام الحاكم، بل أبعد من ذلك، فهناك موروثات اجتماعية وثقافية عميقة الجذور ترسّخ مفهوم المجتمع الذكوري، وتحتاج مواجهة تلك الموروثات لكفاحٍ طويلٍ ومرير، كفاحٌ لايقتصر على الجانب السياسي أو الحقوقي، ولكن يتعداه إلى بناء ثقافةٍ اجتماعية جديدة، لايمكن أن تُبنى بدون نقد الثقافة الموروثة التي تتحكّم اليوم بعقول الملايين من الرجال والنساء أيضاً.
شاركت المرأة السورية بفعّالية في الثورة السلمية، وبدلاً من أن تحصد ثمار تلك المشاركة اعترافاً بمكانتها ورفعاً للمظالم التي مازالت تلحق بها، تلقّت قضية المرأة ضربةً موجعةً حين اختفى الطابع المدني التحرّري للثورة السورية أمام صعود التيارات الدينية المتطرّفة. وفي النهاية وجدت المرأة السورية وكأن كلّ تضحياتها التي قدمتها من أجل الثورة السورية قد عادت بها للوراء.
من أجل ذلك لم يكن غريباً ولا مفاجئاً أن تبدأ المرأة السورية بتلمُّس طريقها الخاص نحو التحرر، وهي لا تدير بذلك ظهرها للنضال الوطني الديمقراطي، لكنها تبعث برسالةٍ مفادها أنها مصمّمة على أن تأخذ قضيتها بيدها منذ اليوم، وأن لا تتركها بعيداً عنها في متناول التقلبات السياسية. ذلك حقها الذي لايُنازع، فحتى لو استعادت الثورة السورية طابعها الوطني الديمقراطي السلمي، فلن يكون بمقدورها تحقيق تحرير المرأة من أثقال قيود الماضي الطويل مالم تنهض المرأة ذاتها لتحرر نفسها وتخلع عنها نير التمييز والتبعية.
لقد شهد التاريخ الحديث لسورية قفزةً كبيرةً في الاعتراف بحقوق المرأة، ففي عام 1944 تم الإقرار في فرنسا بحقّ المرأة في التصويت بالانتخابات، ولم تتأخر سورية عن الإقرار بذلك الحقّ سوى بخمس سنوات أي في العام 1949. وقد سبقت عدداً من الدول الأوربية كاليونان 1958، وسويسرا 1971. وفي عام 1957 حملت المرأة السورية السلاح للدفاع عن الوطن جنباً إلى جنب مع الرجال حين اشتعلت الأزمة بين تركيا وسورية؛ لست هنا في مجال استعراض كفاح المرأة السورية وانجازاتها لكن ما أريد قوله هو أن المرأة السورية قد بدأت منذ زمنٍ طويل في انتزاع حقوقها السياسية. كما أثبت المجتمع السوري انفتاحه على الإقرار بتلك الحقوق، واليوم ليس هناك أجدر من المرأة السورية في النضال لاستكمال طريقها نحو التحرر.
ليست قضية تحرر المرأة قضية خاصة بها، ولكنها ترتبط أوثق الارتباط بتحرر المجتمع، فحين يقوم المجتمع الذكوري بتقييد حرية المرأة فهو يبني لنفسه أيضاً جدران سجنه وعزلته في ظلّ عالمٍ تتحطم فيه الحواجز وتنتقل فيه المفاهيم والثقافات بصورةٍ لم يسبق لها مثيل من قبل.
ولعل المجتمع العربي أشدّ من غيره حاجةً لتحرير المرأة والتخلّص من إرثٍ طويلٍ من المفاهيم المتجذّرة في العقول والتي ترفض النظر للمرأة كأختٍ للرجال وليست تابعاً أو متاعاً، أوكائناً قاصراً تستوجب الوصاية عليه.
أمام المرأة السورية طريق كفاحٍ طويل، هو كفاحها لأجل سورية حرّة ديمقراطية وكفاحها في ذات الوقت لأجل تحرّرها وانعتاقها الانساني، ومثلما بدأت مشاركتها الفعّالة في الثورة السلمية السورية، فلايوجد شكٌّ في أنها ستستعيد مكانتها مع استعادة الثورة السورية طابعها الوطني – التحرري الديمقراطي.