أكثر من ألفي رجل من اللاجئين السوريين في ألمانيا، تظاهروا محتجين ومطالبين بالذهاب إلى النمسا، بعد أن حصلت نساؤهم على حقوقهن بالحماية القانونية، التي تمنع الزوج من ضرب زوجته وممارسة العنف ضدها. فكان الحل لدى السلطات الألمانية، بطلب عودة هؤلاء إلى سوريا، من دون اصطحاب زوجاتهم وأولادهم.
رصيف 22 – لم ينته الأمر بالضرب فقط، فبحسب ما ورد على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي موقع سوريتي المعني بشؤون اللاجئين، فإن لاجئاً سورياً اتُهم بقتل زوجته طعناً بالسكين في ولاية براندنبورغ. وبحسب صحيفة “بيلد” الألمانية: كان مواطن ألماني يمر بحديقة مع كلبه حين عثر على جثة امرأة بين الأشجار. وتبين أن الضحية سورية في الـ30 من العمر، تسكن مع ثلاثة من أطفالها في مركز للاجئين يبعد عن مكان العثور على جثتها مسافة 2 كم. يبدو أن الضحية حصلت على حق حضانة أطفالها بحسب القانون الألماني، في الوقت الذي كان الزوج (36 عاماً)، يريد حرمانها منهم. وما زال التحقيق مستمراً.
أما الشابة الكردية روكستان (20 عاماً) من شمال سوريا، فهربت من الحرب والأذى المجتمعي، الذي لحق بها بعد أن اغتصبها ثلاثة رجال، والتجأت إلى المانيا قبل عامين. لم تتوقع روكستان أن تنتهي حياتها القصيرة على يدي أقرب الناس إليها. فقد وُجدت جثتها لاحقاً في حديقة منزل ذويها.
حادثتان مروعتان في بلد أوروبي، قوانينه تصب في مصلحة المرأة، إذ تعتبرها كاملة الأهلية كإنسان أولاً، وكإمرأة ثانياً. وهذا ما يغضب الكثير من الرجال العرب، الذين لا يرون في المرأة إلا كائناً وظيفته إشباع رغباتهم وتنفيذ طلباتهم وحفظ “عرضهم”.
هل المرأة قادرة على التأقلم في المجتمعات الجديدة أكثر من الرجل؟
الدلائل كلها تشير إلى أن النساء عموماً، أكثر قدرة على الاندماج. فالمرأة مستعدة لتعلم لغة البلد الجديد، وليس لديها أي تحفظ تجاه انخراطها في عمل ما.
لميس، امرأة سورية تعيش في مدينة بوردو الفرنسية، بعد أن لجأت مع أسرتها إلى فرنسا. استطاعت اتقان اللغة خلال فترة معقولة هي وابنها وابنتها. ولم تتقاعس في العمل، عملت حتى في قطف العنب، إلى أن وجدت عملاً ثابتاً، يعينها مع أسرتها على الحياة. لكن زوجها الخمسيني لم يستطع مجاراتها، فلم يتعلم لغة البلد ولم يعمل. ذلك أشعره أنه قليل الأهمية، خصوصاً بعدما أنفق مدخراته التي كانت بحوزته. وشعر بتهميشٍ، لم يعتده في سوريا، فما كان منه إلا التظاهر بالمرض، أو أنه تعرض فعلاً لأزمة نفسية، جعلته يراجع طبيباً مختصاً. هكذا تمكن من الاستحواذ على اهتمام الأسرة وانشغالها به. وهذا ما كان يحتاجه في ظل غياب إثبات وجوده وقدرته على إعالة أسرته.
أما فاديا، التي لجأت مع ولديها إلى ألمانيا عن طريق البحر، وتعرضت للخطر إلى أن وصلت واستقر وضعها، فاستقدمت زوجها عن طريق لمّ الشمل. لكنها صدمت بعد وصوله بأنه لم يرقه الوضع البتة، تقول: “وصل زوجي إلى ألمانيا، لم يستوعب ما نحن فيه، كنت بدأت وولديّ بالإلمام باللغة، والدولة الألمانية تدعمنا بالمساعدات. لكن مبلغ المساعدات يتحول إلى حسابي، وزوجي الذي رفض تعلم اللغة بحجة أنه أصبح في سن لا تساعده على الحفظ، استنكر أن يكون لي حسابي الخاص، وأنا من ينفق على الأسرة”. يردد زوجها دائماً جملة: كيف سأستمر في العيش في بلد نزع مني هيبتي، ومكانتي في أسرتي، بل منحك كل الامتيازات. مو ناقص إلا أن تتحولي إلى رجل!”. يفكر الزوج بالعودة إلى سوريا، وحينها لا بد من الانفصال.
حجابي خياري
“شجعتني صديقتي على التخلي عن حجابي الذي ارتديته بناءً على رغبة الأسرة، بل شجعني الجو العام. في البداية حين وضعته، اعتقدت أنني أحمي نفسي من المتطفلين ومن التحرش الذي تتعرض له النساء، هذا كان التفكير السائد في بلدي، اليوم أنا في بلد لا يعنيه ماذا أرتدي وماذا أفعل حتى”، تقول ندى.
وصلت ندى إلى فرنسا منذ أكثر من عامين، بعد أن كانت تسكن في منطقة شعبية في ضواحي دمشق. تضيف: “جربت الخروج من المنزل من دون غطاء رأس، لم يلتفت أحد إلى شكلي، بل كأنني لم أقدم على أي خطوة جديدة. بدأت أفكر لو أن القرار اتُخذ في بلدي ماذا ستكون ردود الفعل؟ طبعاً لم أنج من ردود فعل العائلة، خصوصاً أخي الكبير الذي حاول منعي بشتى الطرق، متذرعاً بأن ما قمت به مخالف لهويتي ومعتقداتي. هو كرجل وأخ أكبر لن يسمح لي بمثل هذا القرار، لكنني لن أتراجع عن قراري. فهو حريتي واختياري، ومضطرة للقول إن القوانين تحمي حريتي الشخصية”. تركها أهلها على مضض، علها تعود إلى رشدها كما يأملون. لكن أخاها اتخذ موقفاً عدائياً منها وقاطعها.
أبناؤنا ليسوا لنا
هذا ما يشعر به بعض الآباء الذين خضعوا للأمر الواقع وأُجبروا على قبول اختلاط بناتهم مع زملائهن في المدرسة. أكثر من ذلك، يبرز شعورهم بالعجز تجاه ما تقوم به المدارس من نشاطات، كالمخيمات التعليمية المختلطة، التي تدخل ضمن المنهاج ودروس السباحة والرياضة وغيرها.
تتحدث مقيمة في إحدى مدن السويد، عن آباء يشعرون بالهزيمة والضعف أمام أبنائهم الذين يرفضون الانصياع لهم ولعاداتهم التي حملوها معهم ولا يستطيعون التخلي عنها. وهذا ما جعل بعض هؤلاء الآباء يقررون الذهاب إلى بلدان تشبههم، أو العودة للوطن برغم الحرب.
لماذا يرفض الرجال قبول التحديات الجديدة؟
غالبية الرجال الذين لجأوا إلى أوروبا، لم يتمكنوا من استيعاب فكرة أن تغيير المكان أدى إلى تغيير الظروف والقوانين، التي أدت بدورها إلى تغيير موقع الرجل من ذكر لا يُرفض له طلب، إلى إنسان متساو في الحقوق والواجبات مع زوجته، التي أصبحت هي الشخصية الأولى في العائلة. لذا يلجأ بعضهم إلى العنف بأشكال مختلفة، تراوح بين منع الزوجات من التعلم أو العمل، وصولاً إلى الضرب والقتل أحياناً.