حلا نصرالله/جنوبية- رغم تصاعد تيارات النسوية والحركات الداعمة لمكانة المرأة في غالبية دول العالم إلا أن شيئاً يقول ان سياسة تبخيس قيمة المرأة مازالت هي المهيمنة على عقول الجماهير.
إن العصر الذي نعيشه حالياً، تظلله ثورة تكنولوجية ضخمة، جعلت التيارات الفكرية تفرز حيزاً إفتراضياً جماهرياً. وفي هذا العالم الإفتراضي، ثمة شيء بنيوي يوحي بعدمية قيمة المرأة لدى فئات كثيرة تتوزّع هنا وهناك. فعندما انتخب رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، خرج كمارد حَقر النساء علانية وتحرش بهن جنسياً، ولم يكن خائفاً من الرأي العام الأميركي، بل كان على ثقة ان الملايين منهم مساندين له رغم كل الأخطاء الفادحة التي إرتكبها. ولم يكن ترامب قد مضى على ترؤّسه للولايات المتحدة الأميركية، مدة طويلة، حتى رفض مصافحة المستشارة الألمانية أنخيلا ميركل، أمام كاميرات الصحافة.
إرتبكت ميركل وإحمر وجهها.حينها اجتاحت موقع “تويتر” تغريدات اثنت على خطوة ترامب وهاجمت ميركل فقط لأنها إمرأة تتولى قيادة مركزاً يجاري بأهميته كرسي ترامب في بيته الأبيض. حالة الإستخفاف بوجود المرأة، حالة عالمية، تشمل لبنان الذي يقدّم نفسه انه محطة إنفتاح وتقدم، كما تشمل تلك الحالة دول المنطقة، ولا تستثني دول اوروبا الشرقية والغربية والقارة الأميركية أيضاً.
حلقة متماسكة تجمع الأعداء في ما بينهم على ترسيخ قناعات تسترجع صور عصور الظلام في الغرب والمشرق حول الانثى ككيان.
يجتمعون على حبك مسخ إفتراضي للمرأة، مطلوب منها اليوم مقاومته والرد عليه بشتى الوسائل الدفاعية. فهذا العصر المدعو بقرن الواحد والعشرين، ليس بإمكانه ان يهرب بعيداً من العنف الذي يجتاحه، ووصمة العار التي تلاحقه في تشريع الحروب وقوننتها، وقتل المواطنين بدم بارد، وإنهزامية القوى اليسارية واحجامها عن تحقيق المزيد من النقلات النوعية للإنسان وكرامته. قرن يتمادى فيه الديكتاتوريون ومجرمو الحروب في ممارسة الجريمة لتثبيت أنفسهم كشيء لا غنى عنه، ويشهد على إنسحاب حياتنا إلى منصات إفتراضية تبلور رأياً مشوهاً حول أغلب القضايا، ويشهد على إباحة السخرية ضد الأنثى.
عندما سخر نائب امين عام حزب الله الشيخ نعيم من المرأة المطلقة، صنع تشابها خاصا مع عدوه المفترض، مع الرئيس الاميركي ترامب. ويشبه الرجلان، الجماهير اللبنانية التي واكبت ليلة (الأحد) الماضي، حفل إنتخاب ملكة جمال لبنان. لقد كانت الفتيات المرشحات لربح منصب ملكة الجمال على سائر اللبنانيات، مادة دسمة لإلقاء السخرية. هذه السخرية كانت بجزئها الكبير، بمثابة موجة إفتراضية مبتغاها التحقير، لا من أجل إنتقاد آلية تسليعهن وإذاعتهن كـ”تابو” يعرض مفاتنه، حتى تربح الفائزة في نهاية المطاف عقد ألماس وشقة فاخرة في إحدى مناطق بيروت مع جولة سياحية عالمية.
الجماهير اللبنانية قذفت أفكارها حول الحفل النسائي في منشورات غَزّت مواقع التواصل الإجتماعي. أفكار تَرجم المرأة، عدد قليل منهم، إنتقد وسائل الرأسمالية في تحقيق الأرباح من خلال إستعراض الجسد، في المقابل طفت على سطح المشهدية اللبنانية توصيفات العقل الناقص للفتيات، وكان عدد لا يستهان به من الناشطين يضعون “الوجه الضاحك” على المنشورات المحقرة للقيمة الوجودية للمشاركات في الحفل، ويكملون جولتهم الإفتراضية مرتاحي البال.
مطلع شهر أيلول، طالعتنا إحدى الصفحات الإفتراضية، بصورة أنثى سورية تدعى عفراء حمشو، تقول في منشور لها، “إذا خسر الفريق السوري في مباراته ضد إيران سأقوم بالتعري أمام العالم.” تبين لاحقاً ان الصفحة مزورة وأن صاحبة الصفحة من سكان الساحل في اللاذقية.
وإنفجر النزاع السوري حينها، ومعه حقل الذكورية المكبوت بأبهى حلته.إستعرض كل المعلقين قدراتهم الجنسية افتراضياً، وإستيقظت مجموعات المعارضة السورية الناشطة على “فيسبوك” فقصفت شتائمها النابية بحق فتاة الساحل، كذلك حصلت على نصيباً وافياً من الشتائم من مؤيدي النظام السوري لأنها عارٌ إفتراضي، وبعد أربعٍ وعشرون ساعة تبين أن الصفحة مزورة، وأن عفراء حمشو لديها صفحة اصلية تقع في مكان اخر في عالمنا الإفتراضي.
وبمعزل على العنف اللامحدود التي تعاملت به إيران والنظام السوري وروسيا لضرب المعارضة المسلحة، إلا أن إحد أمراض الثورة السورية وركائز فشلها، هي الرؤية المنحطة من قبل معارضي الأسد للمرأة.
الفتاة السورية المعارضة جود عقاد، واحدة من الأمثلة الحيّة، تتعرض عقاد يومياً، لحملة قدح وذم وشتم ودعوات علانية في بعض الأحيان إلى التعدي عليها جنسياً وجسدياً، فقط لأنها تصنع من مساحتها الإفتراضية محطة تنتقد من خلالها الحالة الإسلامية التي إلتصقت بالثورة، وكثيراً ما تذكر عقاد متابعيها بأنها لو كانت رجلاً لما تعرضت لكل هذا النوع من التحرش الإفتراضي.
إن ترامب وقاسم والسلفيون السَنة ودعاة العرق الأبيض في اميركا، والنازيون الجدد في ألمانيا الذين يقدسون الذكور لأنهم منّبَت العرق الآري، واخرون “يشكلون ظلامية العصر” الذي نعيشه بشقيه الافتراضي والحقيقي.
لم تجدِ نفعاً سياسة رئيس موقع “فيسبوك” مارك زكربورغ، حين أقسم على دعم المرأة وقضاياها إنطلاقاً من منصته الإفتراضية، إذ زيارة قصيرة للتعليقات في أي منشور يتطرق إلى مسألة المرأة وما تشكله من نسوية عالمية، تفضح ظلامية المنصة التي إبتكرها مارك وأمثاله.