صفوان قسام/ahewar- من منّا نحن السوريون لم يسمع بمعهد الفنون النسوية؟! أو الثانوية النسوية؟! المرحلة الثانوية التي لا يدخل إليها الذكور إطلاقاً! وتختص بالفنون التي تمّ إلصاقها بالمرأة! فمن يدقق في مضمون هذه الفروع العلمية في هيكلية التعليم السوري، سيجد أنها تُدرس موادا من قبيل فنون الطبخ والحياكة والتطريز! والرسم على المواد المتنوعة كالخزف والسيراميك بكل الأدوات بل وصناعتهما، والحرف اليدوية كالنحت والتطعيم..
المهم أننا لن نجد في هذا الإطار الذي تم وضعه واعتباره محصوراً بالفتيات اللاتي يحصلن على الدرجات الأدنى حسب سلم النجاح في الشهادة الإعدادية، لن نجد أنّ للنسوّية أي وجود كمفهوم وعلم وثقافة اجتماعية وحركة صيرورة على الأوضاع المزرية للمرأة المنمطة حسب المزاج الذكوري؛ والأمر ذاته يمارس على الفتية اللذين يحصلون على الدرجات الأدنى في الإعدادية حيث يتم الحاقهم في الثانوية الصناعية..
وكأن الرسالة التي يتم ارسالها لهم أن العامل والصانع هو الرجل، وربة المنزل هي المرأة! وهاتن الفئتان اللتان لا تحصلا على علامات جيدة في الإعدادية، حري بهما أن يتوظفا في أقرب وظيفة تناسب كونهما رب وربة منزل!
وماذا عن الاتحاد النسائي؟ المأسوف عليه بعد أن صدر مرسوم بحله عام 2017! هل كانت عضواته قادرات على التمييز بين النسوية والنسائية؟ هل يعلمن ما هي قضايا ومسائل كل منهما؟
وإن كان كذلك، لماذا أيضاً وجدناه حكراً على النساء؟ وعلى المنتسبات له أن تكنّ من العاملات في الحقل النسائي “النسوي حسب تعبيرهن” وبطبيعة الحال من المنتسبات إلى البعث حصراً! ماهي مجالات نشاطاتهن؟
سنحاول الإجابة على بعض هذه الأسئلة ونعقد بعض المقارنة!.. حتى نصل إلى رؤيةِ قد تدلّنا على موقع العمل النسوي إن كان في تقدّم أم في تراجع أم أنه أفرز نموذجاً خاصاً بالحالة السورية! أم لا يزال عالقاً في تلك الحقبة التي قمعت المرأة السورية وأعادتها إلى جدران المنزل بعد أن شهد العالم كله على انطلاقتها؟
ما نلاحظه أن الرجل “الذكوري” يتقبّل عمل المرأة في الشقّ النسوي ظنّاً أنه عمل لا يحتوي على رجال أو على الحد الأدنى من الرجال!.. وهذا نفسه الذي تريده المرأة التي لم تنعتق بعد من شرك الزوجية الذكورية الذي تخاف الفكاك منه أو زعزعة استقراره نتيجة التقليد والمجتمع والثقافة. فتظنّ أن هذا المجال من العمل هو المجال المحصور بالنساء ولا علاقة للرجال به، لذا هو الأقرب إلى الحلال شرعاً ومجتمعاً حسب مفهومهما! حيث الخلطة بين النساء والرجال فيه في أدنى مستوياتها.
كيف يمكن لمؤسسة تدّعي النسوية أن تتحوّل إلى مؤسسة نسائية!.. ومن المعروف أن المؤسسة النسائية في الطراز القديم منها -الذي يُحاكي شؤون المرأة “كربّة منزل”: الموضة والمكياج والأزياء والطبخ ولوازم المنزل وتربية الأطفال..- تصبح بهذا الشكل مؤسسة ذكورية!
هل تذكّرنا هذه التحوّلات في المحتوى -الذي يُقدَّم في هذه المؤسسات النسوية السورية- بالرضى الذكوري عن عمل نسائهم في مؤسسة من هذا النوع؟!
قد يبدو لنا من النظر إلى الأنشطة أنّ هناك انفصالاً بين المحتوى والشكل في بعض الأنشطة!.. فالنسوية تيارات، وموجات، ونظريات، منها من يحاول الحفاظ على “مكاسب ومزايا” النساء التي حظين بها في العهد البطريركي مع تحصيل “تحسين وضع” على هذه المزايا! ومنها من تطالب باجتثاث النظام الأبوي جملةً وتفصيلاً؛ ومنها من يرفض أي تغيّر على الوضع الاجتماعي من مبدأ الستاتيك الثقافي ذو الخلفيات العقائدية!
قد يُفسّر هذا الوضع توجّه الكثير من الحِراكات النسوية إلى الأنشطة التي تستهدف دور المرأة الاجتماعي كربّة منزل، وأن تصبح النسوية مصدر رزق لهنّ، على مبدأ “تمشاية حال”، بل وأن تصبح الأنشطة التي يتم تطبيقها أنشطة تحاكي دور المرأة في عهد القمع الذكوري؛ وبنفس الوقت أن نجد بعض الحِراكات النسوية الراديكالية التي تهاجم هذا النظام الأبوي بطريقة استفزازية تودي إلى تفاقم الكثير من المشكلات لا بحلّها، مع استعداء لقوى الستاتيك الاجتماعية عموماً والرجل خصوصاً!.. وحتى المرأة نفسها، التي لم تصل بعد إلى مرحلة الوعي الذي يدفعها للتعرّف إلى حقوقها والمطالبة بها، وتَحَمُّل تبعات المطالبة؛ والطامة الكبرى أن تكون الحلول البديلة التي تقدّمها هذه القوى والحركات عاجزة عن حلّ المشكلات! أو القصور في المتابعة لهذه الحلول والتي ترتبط عادة بالمشاريع والبرامج والتمويل، والتي قد تتوقف وبالتالي تتوقف الخدمة ومتابعتها. وهذا ما يمكن أن يُودي إلى مشاكل مركّبة اجتماعياً وفردياً، من ناحية ردّة فعل المجتمع، وتقبّل الأفراد للفكرة، والأهم الثقة بهذه الفكرة كخلاص لبؤس المرأة.
إذاً.. نجد في المنظمات النسوية السورية، نوعاً من التخبّط في البرامج والمشاريع، بل ونجد أنّ الجهات الستاتيكية التي تدعم المرأة، لا تبتعد أبداً عن الإطار الذي رسمه المجتمع الأبوي لها في هذا الدعم! حيث يحوّل هذه المنظمة إلى “حرملك” بكل معنى الكلمة!.. تحت مسمى “النسوية”!!.. بل ونجد أحياناً ذات التفكير عند أفراد بعض المنظمات التي تتشدّق بالعلمانية والمطالبة بتحرّر المرأة وبحقوقها، كأن تمنع مديرة موظفاً عندها من التواصل مع زميلاته في العمل، من باب عدم تقبّلهنّ لهذا وحساسيتهنّ؛ وهم كلهم عاملون في مؤسسة نسوية!
نعود إلى الاتحاد العام النسائي السوري الذي تأسس عام 1967 وحُلَّ عام 2017!.. أي بعد 50 عاماً على وجوده، ونسأل عن هذه الإشكالية التي تقع بها منظمات المجتمع المدني النسوية السورية، هل كان يعاني منها؟
الجواب حتماً لا؛ والسبب أنه كان خارج هذه الأيدولوجيات وخارج هذه الصراعات، وهو غير متبصر أبداً بمشاكل المرأة؛ فقد تكون أهم مشكلة كانت أمام ناظريه هي قانون جرائم الشرف! ولم نجد له أي فاعلية فيها، بل كان تدخّله في السلطة معدوماً، وكانت وزارة الأوقاف تهيمن على شرعنة “حلال” أنشطته وتحركاتها، وتُفتي في ملائمتها للمجتمع والأخلاق والدين.
فهل نموذج التخبّط في المفهوم والنظرية والمخاطرة في التغيّر الاجتماعي لوضع المرأة، أفضل؟.. أم عدم عمل شيء أفضل؟.. وكم من الممكن لنا أن نحسّن في دور قوى الديناميك للتغلب على الستاتيك؟.. والأهم ضمان الرؤية والمتابعة؟
ونسأل السؤال التالي: جاء في قرار حلّ الاتحاد العام النسائي، أن تحل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محله، بكل ما له من حقوق وما عليه من التزامات، وأن يستمر العاملون المؤقتون والمتعاقدون بنفس أوضاعهم وأجورهم. ومن المعلوم أن هناك علاقة بين هذا الاتحاد سابقاً مع جهات دولية ومنظمات واتحادات عالمية!.. وبعد مضي ثلاث سنوات على دمج برامج ومشاريع وأنشطة الاتحاد النسائي بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؛ ماذا تغيّر؟
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.