اليوم التالي- بهدف التعرف على إدراك حقوق المرأة وحرياتها في المجتمع السوري، قامت “اليوم التالي” بإجراء مسح شمل ست محافظات سورية في مناطق سيطرة كل من المعارضة والنظام بالإضافة إلى مخيمات اللاجئين في تركيا. اعتمد المسح على عينة طبقية متعددة المراحل بالاعتماد على التخصيص النسبي (رجال/نساء) وبلغ عدد المستجيبين 2091 شخصاً: 1120 رجلاً و971 امرأة. تم جمع البيانات باستخدام الاستبيان ومن خلال مقابلات وجهاً لوجه قام بإجرائها باحثو “اليوم التالي” المدربون. يعرض هذا التقرير نتائج تحليل البيانات.
بدأ البحث بمحاولة التعرف على مدى إدراك المستجيبين لللامساواة بين أحوال الرجال والنساء في المجتمع السوري، فجاءت النتائج جد متقاربة بين الرجال والنساء. حيث بلغت حوالي 60% عندهم، ولم يُظهر تحليل النتائج أي ارتباط بين إدراك اللامساواة والعمر أو الدخل أو الحالة المدنية أو المهنة، لكنه وجده في حالة متغيرات أخرى مثل المنطقة والإثنية، بالإضافة إلى الإيديولوجيا في حالة الرجال والنساء، وعلاقة ضعيفة مع التعليم في حالة الرجال. لكن بعد الخوض في التفاصيل عن جوانب محددة من اللامساواة (التعليم والعمل)، كشفت الدراسة عن أن معظم الرجال راضون عن هذه اللامساواة في مجال العمل. فقد قال حوالي ثلاثة أرباعهم إنهم يرفضون أو يضعون شروطاً على عمل المرأة، في حين انقسمت النساء على أنفسهن. أما في مجال التعليم فأغلبية الرجال تقول إن المرأة يجب أن تواصل تعليمها حتى المستوى الذي تشاء (69.8%)، وتكاد تُجمع النساء على ذلك أيضاً (87.5%). بعد ذلك تمكّنت الدراسة من تحديد الفئات الاجتماعية والديموغرافية التي يزداد فيها رفض تعليم المرأة أو عملها، أو فرض شروط عليهما.
سعت الدراسة في الفصل الثاني إلى تتبع التصورات عن التفاوت في الإمكانات والقدرات بين الرجال والنساء، حيث حددت توزع انتشار الاعتقاد بندرة النساء القادرات على شغل مناصب مهمة وفقاً لبعض المتغيرات الديمغرافية والاجتماعية. يبدو أن المهن التي ارتبطت تاريخياً بالنساء والتي تُعنى بالتربية والرعاية هي المهن التي تستطيع المرأة أن تشغلها بكفاءة برأيهم (سؤالنا كان عن مديرة مدرسة تحديداً)، ولكن تبدأ الإجابات بالاختلاف مع التدرج في المناصب القيادية التي تتطلب قرارات مهمة. حيث وجدت الدراسة أن أكثرية الرجال (63.7%) تشكك بقدرات النساء على شغل مناصب إدارية أو سياسية مهمة، ولم يرفض المقولة التي تشكك بقدراتهن إلا 19.5% منهم. بينما انخفضت نسبة تأييد هذه المقولة إلى حدود النصف عند النساء، لكنها تبقى النسبة الأكبر عندهن (49.1%) مقابل (35.9%) رفضنها. بالإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن أن أكثرية الرجال والنساء المشككين بقدرات النساء يعتقدون أن المرأة غير قادرة على شغل منصب قيادي مثل رئاسة مجلس محلي، ويظهر أنهم مجمعون على أنها غير قادرة على أن تتدبر منصباً عالياً مثل رئاسة البلاد.
تناول الفصل الثالث بالتفصيل موضوع المرأة القيادية، فبينت النتائج كيف أن نصف المجتمع السوري (النساء) مستعد لقبول التحدي ودعم امرأة قيادية بمنصب مثل رئاسة المجلس المحلي، بينما النصف الآخر (الرجال) لا يزال غير مستعد لذلك، حيث تطابق موقفهم الشخصي مع توقعاتهم عن تجاوب مجتمعاتهم مع ترشح امرأة لمنصب كهذا: قال 37.5% من الرجال إنه من الممكن أن تنجح امرأة في حال ترشّحت لانتخابات المجلس المحلي في منطقتهم، وقال 36.7% إنه من الممكن أن ينتخبوها. بينما اختلفت النسبة عند النساء، حيث 58.1% يعتقدن أنه من الممكن أن تنجح، لكن عندما يصبح السؤال عن الموقف الشخصي ترتفع النسبة لتصل إلى 68.2%. ومن خلال الخوض في العوامل المؤثرة في عملية انتخاب امرأة مرشحة لمنصب رئاسة مجلس محلي تبين أن الأكثر أهمية بالنسبة للمستجيبين رجالاً ونساءً هو كفاءتها العلمية أو خبرتها الإدارية، وتأتي في المرتبة الثانية مواقفها السياسية والإيديولوجية، وفي المرتبة الثالثة لباسها ومظهرها الخارجي، وفي الرابعة طائفتها الدينية، بينما كونها امرأة يأتي في آخر أولويات الناخبين.
أما الفصل الرابع فقد ركز على التعرّف على مواقف المستجيبين من بعض الإجراءات المتعلقة بمحاربة التمييز ضد المرأة، مثل المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون، ووضع حد لسن الزواج لمحاربة زواج القاصرات، والتقسيم المتساوي للإرث، ودعم الجمعيات النسائية، وحرية المرأة الشخصية في ارتداء الزي الذي تشاء. وكشفت النتائج عن تأييد كبير جداً بين المستجيبين لمقترح دعم الجمعيات النسائية المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة (71.6% من الرجال مقابل 95.7% من النساء في عينتنا)، وبينت النتائج وجود شبه إجماع بين النساء (83.4%) على ضرورة ضمان المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون، بينما أيدت النسبة الأكبر من الرجال ضماناً كهذا. إلا أن نسبة مهمة منهم عارضته (31.0%). وكشفت أيضاً عن وجود شبه إجماع عند النساء على دعم إجراءات مكافحة زواج القاصرات (79.2%) وتراجعت نسبة التأييد إلى حوالي النصف عند الرجال، ورفضها 30.0% منهم. أما بالنسبة للتوزيع المتساوي للإرث وضمان الحرية الشخصية (لباس المرأة هنا) فتتراوح معارضة هذا الإجراء عند النساء بحدود النصف بينما يعارضها أكثرية الرجال (بحدود 67%).
وختم البحث بجملة من الملاحظات والتوصيات للمنظمات والمانحين والسياسيين والباحثين والمثقفين والسلطات المحلية والحكومية للاعتماد على نتائج البحث. فهي قادرة على مساعدتهم في وضع الخطط والبرامج لمكافحة التمييز ضد المرأة، فهذه النتائج ضرورية لتحديد سلّم الأولويات، وبالتالي لتنظيم العمل وتوجيهه وإدارته، فهي تُظهِر الفئات أو المواقع التي يزداد فيها انتشار آراء وتصورات رافضة لحقوق المرأة وحرياتها، والتي يجب التعامل معها قبل غيرها بشكل يجعل من الإجراءات والقرارات المتخذة أكثر فعالية وكفاءة. وفيما يلي ملخص لأبرز النتائج التي تُظهر توزّع هذه الآراء والتصورات.