الصحفيات السوريات في “المناطق المحررة..”
كاريكاتير عن التحدي الذي تبديه الصحفيات السوريات (أحمد رحمة - سوريتنا)

هي نصف الدنيا، وهي زوجة وأخت وابنة، وأم ومربية وتعطي بلا حدود. كل هذه وجوه أخرى للصحفيات السوريات المقيمات في المناطق المحررة، وجلهن يعملن بإخلاص على الأرض، ويجدن سبيلاً كفيلاً في استمرار عملهن وتطويره، وضمن إمكانات صعبة جداً، لكن الوجه الظاهر والواضح للجميع دائماً هو القوة والتحدي والتصميم والثقة بما يقدِّمْنَ.

الشبكة السورية للاعلام (SNP)- ما بين ظروفهن الحياتية ونظرة المجتمع.. الصحفيات السوريات في المناطق المحررة يتابعن عملهن بجد وإصرار. في بلد يعدّ الأخطر عالمياً على حياة الصحفيين يواصل عدد من الصحفيات العمل الإعلامي رغم كل الصعاب مُتطلعات لأداء دورهن في المجتمع.

رغم عددهن القليل، إلا أنهن أثبتن، وبجدارة كبيرة، قدرتهن على العمل الصحفي في أكثر الأماكن خطراً على الصحفيين في العالم. فمنهن من خسرن أزواجهن، أو أحد أطفالهن، أو فرداً من العائلة أو أكثر، وأكملن طريقهن متحديات كل الظروف.

في الجنوب السوري، لا يزيد عددهن عن 20 امرأة بين صحفية وناشطة ومصورة ميدانية، وفق ما قالت الصحفية ندى الزعبي من مدينة درعا، وفي الشمال العدد تقريباً كالجنوب، وأكثرهن في مدينة إدلب وريفها الشرقي.

عملي حق لي

اعتُقلت الصحفية ندى الزعبي من قبل النظام في درعا في العام 2011، ثم أفرج عنها بعد أشهر وتوجهت إلى الريف لتعاود نشاطها سراً، بعد أن بات اعتقالها دافعاً ومحرضاً من أجل توثيق جرائم النظام. تقول لـ سوريتنا: «بعد عام من عملي كناشطة بشكل سري علِم أهلي بالأمر، وكان الخبر لهم كالصاعقة، وفي ذلك الوقت كانت عقوبة الناشط الإعدام الميداني».

رفض أهل ندى عملها بشدة، خوفاً من اعتقالها مرة أخرى، لكن إصرارها وحماسها جعلهم يتقبلون الأمر أخيراً.

لم يمنعها عملها كناشطة إعلامية من إكمال حياتها، فقد تزوجت وأنجبت وأصبحت أماً وصحفية. أصيبت مرتين، خرجت للعلاج باتجاه الأردن وعادت في كل مرة لتعاود عملها. تقول: «رغم إصابتي وانفصالي عن زوجي وتحديات أخرى، تابعت عملي؛ فهو حقي ويحتّم عليَّ ذلك مهما كانت النتائج».

أكمل المشوار مع أبنائي

سلوى عبد الرحمن، ناشطة إعلامية من مدينة إدلب، تبلغ من العمر أربعين عاماً، فقدت زوجها وصارت مسؤولة عن إعالة أطفالها وحدها، دون سند أو عمل يساعدها. تقول «كنت أهتم بما ينشر في المواقع والصفحات، أرى أسماء أنثوية على مقالات تؤثر بي، وكنت أتساءل: كيف أستطيع التعبير عن نفسي مثلهن؟!».

نصحتها صديقتها بالمشاركة في تدريب للنساء في مجال الإعلام، سيجري في إدلب، فشاركت وبدأت تعمل. تقول: «أخبرت أهلي بأني أود العمل، فعارضوا في البداية خوفاً علي، لكني أقنعتهم بأنه عمل يتعلق بالكتابة ولا خطر فيه، فوافقوا».

اعتبرت سلوى دائماً أن عملها هو معيل عائلتها ولقمتهم، ولا حاجة إلى تبريره لأي أحد، لكن العائق الأكبر الذي واجهها هو رعاية بيتها وأبنائها «أولادي يحتاجون رعاية دائمة، وليس لهم غيري، وابنتي في البكالوريا، وأنا أواجه كل هذا بصبر وأمل، أكمل المشوار معهم، ونأمل أن يكون المستقبل أفضل».

تحرض سلوى الصحفيات السوريات على العمل في الميدان، وعدم الاكتفاء بالبقاء خلف شاشة الحاسب في البيوت، ومهارة التواصل، من وجهة نظرها، لا تغني عن الميدان والاقتراب من الناس. تقول: «رسالتي لكل امرأة أن تسعى إلى لحصول على عمل، وعدم الاعتماد على الرجل، ويجب علينا تنمية قدراتنا ومهاراتنا، ولن يكون لنا محفز وداعم أكبر من أنفسنا».

أحب هذه المهنة

تعتبر صفاء أن العمل الصحفي لا يقل أهمية عن أي عمل آخر، كالطب والهندسة وتعبر عن ذلك: «أحب هذه المهنة، منذ طفولتي أقف أمام المرآة، وأمسك فرشاة شعري وأذيع الأخبار كنوع من التدريب».

أنهت صفاء الشهادة الثانوية في مدينة الرقة، وأقنعت أهلها بالتسجيل في جامعة حماة، وواظبت على الدراسة والذهاب إلى الجامعة حتى بعد خروج مدينة الرقة عن سيطرة النظام.

عند دخول تنظيم داعش إلى مدينة الرقة، منع أهل المدينة، وخاصة النساء، من أبسط حقوقهم، فهربت من الرقة إلى حماة في رحلة صعبة ومليئة بالمخاطر من كل الجهات، ثم توجهت من حماة إلى مدينة إدلب. تقول: «بقيت مدة سبعة شهور ليس لدي أي معيل، أهلي محاصرون في الرقة وأنا في إدلب».

سمعت صفاء عن جامعة افتتحت في ريف إدلب فيها قسم للإعلام، فشجعها أهلها وأصدقاؤها على الالتحاق بها لتحصل على التعليم الصحيح وتحقق حلمها كإعلامية أكاديمية. تقول «الإعلام هو المهنة الأفضل والأنسب للمرأة، ويجب على المجتمع تغيير نظرته لنا، نمتلك القوة والإرادة والتصميم، ولا ينقصنا سوى القليل من التعليم».

صفاء اليوم في السنة الثانية في جامعتها، وتأمل أن تؤدِّي رسالتها بأمانة، وترى أن المرأة حين تختار طريقها وتنجح فيه، فهي ليست فقط قوية ومبدعة، بل تستطيع أن تقود أمة.

لم يعد سراً

كثيرات يعملن سراً حتى اليوم، أو يخفين عملهن عن أحد ما. تقول سناء عن تجربتها في العمل الإذاعي «تم الإعلان عن دورة للتدريب الإذاعي في كفرنبل للفتيات، وقد شاركت في البداية للتسلية وملء وقت الفراغ؛ فبسبب الحرب تركت المدرسة والتزمت البيت»، وخلال التدريب شجعها المدرب على العمل، بعدما اكتشف أنها تملك صوتاً قوياً.

أحبت سناء عملها وآمنت به، واتفقت مع قريبها على إبقاء عملها سراً عن بقية أفراد أهلها «قلت لأهلي أني أعمل مُدخلة بيانات في إحدى المنظمات، حتى جاء ذلك اليوم الذي أتى ابن عمي غاضباً ليخبر أبي بحقيقة الأمر».

ما إن علم والدها حتى جُنَّ جنونه، اعتبر عملها وكشف صوتها للجميع عيباً، تكمل سناء «رغم المشكلة التي حدثت ومعارضة أهلي لم أتوقف، وتابعت عملي في التقارير المكتوبة وعمل غير إذاعي، وآمل أن أستعيده يوماً».

تعتبر معظم الصحفيات اللواتي التقينا بهن أن تجربتهن الأولى هي سبب قوتهن وتعلقهن بالعمل الصحفي، لكن بعضهن لديهن تجارب سيئة. تقول سمر «عملت مع إحدى المؤسسات، ولم تعطني حقوقاً كغيري من العاملين، بل كانت تكبح طموحي وتمنعني من التغطية الميدانية، إلا أن هذا كان دافعاً وسبباً في قوتي، فقد تركت المؤسسة وأصبحت ناشطة مستقلة، أغطي الأحداث وأصور وحدي، واليوم أستطيع القول: إنني أستطيع أن أغطى جميع الميادين بما فيها الحربية وجبهات القتال الأولى، فلم أعد أخاف».

كاريكاتير عن التحدي الذي تبديه الصحفيات السوريات (أحمد رحمة - سوريتنا)

كاريكاتير عن التحدي الذي تبديه الصحفيات السوريات (أحمد رحمة – سوريتنا)

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015