موقع سوريتي- قيل أن “المرأة نصف المجتمع” ولكن قد يُفاجأ صاحب المقولة الشهيرة أن المرأة في الغوطة الشرقية أكثر من نصف المجتمع، لا سيما أن بعض رجال الغوطة في السجون، ومنهم من قتلته آلة الحرب، أو يقف على جبهات القتال، مما حمّل المرأة أعباء إضافية كانت تتقاسمها من الرجل.
نشطت في الأونة الأخيرة الورشات التدريبية، والندوات التثقيفية التي تهتم بدور المرأة السياسي والقيادي ، بعد أن كان هذا الجانب مهملاً – نسبياً – في ظل الظروف التي تعيشها المرأة في الغوطة الشرقية، وفق ما ذكر الناشط الحقوقي محمد الثائر، مسؤول التواصل في منظمة “اليوم التالي”.
“الثائر” يرى تغيراً في المجالس المحلية بريف دمشق بما يخص تمثيل المرأة، حيث استحدثت عدد من المجالس المحلية “مكتب المرأة”، وكذلك في مجلس محافظة ريف دمشق “الحرة”، وهذه المكاتب معظمها حديثة العهد، باستثناء مدينة دوما التي خصصت مكتباً للمرأة منذ ما يزيد عن سنة ونصف.
وكانت منظمة “النساء الآن” أنهت برنامج إعداد القيادات النسائية قبل أيام قليلة، ووزعت شهادات حضور على اللواتي حضرن الدورة في بلدة كفربطنا بريف دمشق، وكتبت إحدى القائمات على المشروع “لن تمنعونا من التفوق.. لن تحجبوا عنا نور الشمس”.
بيان ريحان، ناشطة اجتماعية، تشارك في تدريب وتطوير المرأة، قالت في حديث خاص مع “الصوت السوري” “بعد عام 2012 ازداد عدد الشهداء والمعتقلين من الرجال، فوقع عبء كبير على النساء في قطاعات كثيرة كالتعليم والطبابة، فضلاً عن مهمتها الأساسية في رعاية الأسرة”.
عملت بيان في مؤسسات عدّة كـ “مكتب شام الحقوقي”، ومنظمة “النساء الآن”، ومنظمة “اليوم التالي” و”المجلس المحلي لمدينة دوما”. جاء عملها في المجلس المحلي – حسب قولها – “بعد أن تلقت دعوة من المهندس أكرم طعمة آخر عام 2014 للعمل في المجلس المحلي لمدينة دوما، وبعد دعوتها أسست مكتب المرأة في المجلس، الذي يهدف إلى التنسيق بين الفعاليات النسائية، وتقديم خدمات للنساء في المجلس، وإيجاد فرص عمل لهنّ، وعقد مؤتمرات لزيادة توعية المرأة، والقيام بمشاريع تهمّ المرأة بالتعاون مع المنظمات المعنيات بذلك”.
وشاركت “ريحان” مع منظمة “اليوم التالي” بحملات عدة، من أهمها حملة “المرأة والسياسة” والتي طرحت لأول مرة في المناطق المحررة، وكانت بمثابة صرخة للمرأة في مجال السياسة، لا سيما أن ضراوة الحرب نقلت المرأة من مقدمة الصفوف الأولى في السياسة واتخاذ القرار إلى المرأة العاملة، وفق ما ذكرت ريحان لـ”الصوت السوري”. وقالت ريحان أن “العنف المستمر للنظام على أهالي الغوطة الشرقية أدى إلى توسع عملها الطبي والتعليمي والاجتماعي على حساب العمل السياسي”.
فايزة، نموذج نسائي آخر من الغوطة الشرقية”، مجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق، تعمل مدرسة في المعهد المتوسط للإدارة والمحاسبة، قالت لـ”الصوت السوري” “أنهن يعملن من خلال ما يتوفر من إمكانات لبناء فتاة مثقفة وواعية، قادرة على تحمل أعباء بناء جيل يستطيع النهوض بالمرأة في المجتمع من جميع النواحي”.
وتعمل فايزة في إدارة مركز تدريب مهني، يقدم دورات لتعليم الخياطة والتطريز، ومهن نسائية يدوية أخرى، فضلاً عن دورات تمريض ودورات توعية خاصة بالأم وربّة المنزل، وتشرف على تدريب النساء في مركز “الأمل المشرق للتدريب” على مختلف المهن، وإيجاد فرص عمل لهنّ من خلال القسم الإنتاجي في المركز.
مركز “الأمل المشرق” هو فعالية اجتماعية يهتم بالمرأة من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وهو تجربة نوعية في تطوير المرأة ورفع مستواها المهني، حيث يقيم شهرياً من 3 إلى 5 دورات مهنية، كل دورة تستوعب من 12 إلى 20 متدربة، ويقدم محاضرة توعية أسبوعية تستوعب كل نساء المركز.
تواجه المرأة جملة من الصعوبات، لعلّ أهمها الأوضاع الأمنية، نتيجة قصف النظام لتجمعات المدنيين، والوضع الاقتصادي لمنطقة محاصرة لا تسمح للإنسان أن يحقق كل طموحاته، فضلاً أن المجتمع قد يكون عائقاً في بعض الأحيان، وفق ما ذكرت فايزة لـ”الصوت السوري”.
وتجد المرأة نفسها أمام تحدّ في بيئة العمل، إذ أن تقاسم السلطة في بعض مؤسسات المجتمع يميز الرجال على النساء، وتحدّ آخر متعلق بضغط العمل، إذ أن ضغط العمل يضعف علاقاتها الاجتماعية والأسرية، ومع ذلك فإن التحديات أمام المرأة لم ولن توقف الأنشطة النسائية في الغوطة الشرقية.
أم أحمد، أم لأربعة أطفال، تحمل إجازة في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، مدرسة في مدارس سقبا وحمورية في الغوطة الشرقية، قالت لـ”الصوت السوري” “عملي أبعدني عن مجتمعي، وفي بعض الأحيان يكون عملي على حساب متابعة منزلي وأبنائي”.
لم تغفل نساء الغوطة الشرقية الجانب الحقوقي، فمكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة دوما يقدم خدمات استشارية حقوقية وقانونية للمرأة، وتقدم بيان ريحان محاضرات عنالاعتقال والتغييب القسري داخل السجون، وأنواع تعذيب المعتقلات، ونظرة المجتمع هنّ، وتهيئة المعتقلات اللواتي خرجن من السجن بأزمات نفسية لإعادة دمجهن في المجتمع.
ويبدو أن هناك تبايناً واضحاً بين واقع المرأة في الغوطة الشرقية، والصورة النمطية المرسومة عنها عند البعض، حيث تقول بيان ريحان لـ”الصوت السوري” “الورشات المخصصة من قبل منظمات عالمية للنساء داخل الغوطة ركزت على أن المرأة تعيش في الغوطة الشرقية حالياً تحت حكم يمارس العنف، ويمنعها من حقها في التعلم، ويمنعها من العمل”.
وهو ما دفع “ريحان” ومجموعة نساء يعملن في المجال الحقوقي، إلى عقد ورشة عمل ناقشت أشكال العنف التي تتعرض له المرأة، وأكدن في ورشتهن أن عنف النظام السوري ضد المرأة هو العنف الأكبر، حيث تعرضت النساء للقصف وللاعتقال والتعذيب في السجون.