الناقدات النسويات يشكّكن في جدوى التحليل النفسي الفرويدي❗
علم النفس النسوي

إكرام البدوي/alarab- يرتكز علم النفس النسوي على دراسة ونقد سيغموند فرويد ونظرياته التحليلية، فما هي مشكلة فرويد؟ هل ثمة الخطأ الذي اقترفه جعله مضطهداً؟ فقد حاولت النسويات أن يفرقنّ بين مصطلحي gender (النوع الاجتماعي) وSexuality (الميول الجنسية). وعرّفن الأول على أنه الصفات التي لا تعتمد على الجانب البيولوجي فحسب، بل على الجانب الاجتماعي للمرء. وبذلك يؤدي (gender) إلى خلق نظام اجتماعي يسيطر عليه الرجال والذي يؤثر على التطور النفسي للمرأة.

يذهب فرويد للتمييز بين الذكر والأنثى “حيث أن الحيوان المنوي نشيط، والبويضة مستقبِلة، والذكر يُطارد الأنثى بغاية التواصل الجنسي، إذاً الفعل الجنسي فيه عدوان” ([1]) . ويُسلِم فرويد في بداية حديثه عن المرأة بحقيقة أن هذا الموضوع يصعّب على التّحليل النّفسي حلّه، فيقول “إنّ علم النّفس ليس في وسعه أن يحل لغز الأنوثة. وأعتقد أن الحل لا بد وأن يأتي من ناحية أخرى غيره. ولا سبيل إلى ذلك، إلا إذا عرفنا على الإجمال كيف حدث التمايز بين الجنسين في الكائنات الحية!” ([2]). فيرى أن “أول موضوعٍ لحب الصّبي هو أمه وأنه يبقى متعلقاً بها أثناء تكوَّن عقدة أوديب (Oedipus complex) ويبقى حبها ملازم له طول حياته” ([3]).

ومن الأم إلى الأب وما تُنشأ عند البنت عندما تطلع على الأعضاء التناسلية للجنس الآخر، “إذ لا تلبث أن تلحظ الفارق وأن تفطن أيضاً إلى ما ينطوي عليه من دلالة. ومن ثم تشعر بما لديها من قصور. ولا غرابة أن يكون للفارق التشريحي بين الجنسين أثره وصداه في الحياة النفسية فتتكون عقدة الخصاء (Castration complex)” ([4]).

ومن عقدة الخصاء يرى فرويد أنها تؤدي إلى مشكلة أخرى وهي “حسادة القضيب، أو ما يسمى الافتقاد (Penis Envy) وهكذا تقع البنت فريسة ما يسمى (حسادة) تترك في تكوين خلقها وفي نموها آثاراً لا تمحى” ([5]). ومن هذه النقطة خصيصاً نشأت علاقة شائكة بين النظرية الفرويدية والنسوية، حيث إن “اهتمامه باكتساب النوع – أي اكتساب خصائص الذكورة أو الأنوثة – أدى به إلى وضع نظريات عن الميل الجنسي لدى المرأة مبنية على فكرة الافتقاد” ([6]).

وأدّت العلاقة بين التحليل النفسي والنسوية إلى انقسام مّا داخل الحركة النسوية نفسها، فظهر اتجاهان، الاتجاه الأول يرى أن نظرية التحليل النفسي مستمدة من النظام البطريركي، ومن تأثير الثقافة التي انعكست على توصيفاتهم في المرأة. ومن ثَمَ تدعم إقصاء النساء، وكان من بين هؤلاء النسويات: سيمون دي بوفوار، بيتي فريدان، وكيت ميللت. والاتجاه الثاني يرى أن النظرية النسوية تأثرت بشكل إيجابي بنظرية التحليل النفسي. وكان من بين هؤلاء النسويات: جوليا كريستيفا وجوليت ميشيل. ولكن، ما نوع النسوية التي من الممكن أن يقدمها لنا فرويد؟

تشير سيمون دي بوفوار  (Simone de Beauvoir) إلى تحليلات فرويد في كتابها “كيف تفكر المرأة؟” وتنتقد نظريته تحت عنوان حاسم “كذب نظريتي أدويب وإلكترا”، في إشارة واضحة إلى فرويد وكارل يونج، وترى أنه لا يمكن للمنطق التسليم بهما، تقول “من يكتب دون وعي عن الغيرة ونسبتها إلى عقدة إلكترا أين كانت الغيرة قبل وجودهما – أي عقدتي أديب وإلكترا – إلا في خيال من اختراعهما؟ وإذا كانت الغيرة حديثة العهد ولم نعلمها إلا من حياة هذين التعيسين، فلماذا قتل هابيل أخاه قابيل بدافع الغيرة؟ لقد سبق وجود هذين الرجلين كلا من وجود إلكترا وأوديب بآلاف السنين؟ فالطبيعة تقرر للرجل حق الأخذ، أما المرأة فطبيعتها العطاء” ([7]).

وتعزو دي بوفوار عقدتي أديب وإلكترا إلى الغيرة فحسب، قائلة “ما ينسف هذه النظرية من جذورها ويبعثرها في مهب الريح أن الغيرة لها رد فعل دائما في ثلاثة محاور: الغيور، وموضوع الغيرة، وسبب الغيرة؛ بمعنى إذا أحب رجل امرأة وكان هناك منافس له فغيرته تشمله وترد فعلها على المرأة، والرجل معاً، وهما موضوع وسبب غيرته على التوالي. فالغيرة جزء متمم لنفس الإنسان وتولد معه. وعاطفة الأمومة والأبوة قوامها الحب الصادق وغذاؤها التضحية دون مبدأ المعاملة بالمثل” ([8]). واتهم فرويد بمحاولة “إبقاء الغريزة والعقل في حجرات محكمة الإغلاق لكيلا يتلوث نقاء العقل برُعُونَة الغريزة. ولذلك، فإن محاولة فرويد لإنشاء تحليل نفسي موضوعي محكوم عليها بالفشل” ([9]). فتعتقد أن فرويد أعاد التحيزات القديمة التي تمارس ضد المرأة على السّاحة من جديد.

وتقول كيت ميلت (Kate Melt) (**) “لعل في مسألة تفوق الذكورة – تفوق رمزي؛ ذلك أن التفوق لم يكن حكراً على جنس دون آخر، والذاكرة تزخر بالتفوق لكلا الجنسين” ([10]). وبذلك، ترى أن فرويد فشل في معرفة حقيقة ماذا تريد المرأة؟ ورغم هذا فإنه مضى قدماً في بناء علم النفس ودراساته على المرأة، غير أنها تظل تتساءل حول علة تفوق الذكورة على الأنوثة، ومصدر قوة هذه الأفكار في التحليل النفسي، ورغم إسهامات فرويد الثقافية وتأثيرها النفسي، إلا أنها لا ترى جدوى من تطبيق نظريته عن الأنوثة اليوم.

وبالتبعية بيّنت جيرمين غرير (Germaine Greer) (***) أن إرشاد المحللين النفسيين – الأبوي في نظرها – لم يفهم طبيعة المرأة، وأن نتائج إرشاده مشكوك فيها؛ غير أن المرأة لا تمتلك سوى التكيّف معها؛ فتقول “المرأة التي تقبل توصيفات التحليل النفسي لها ولمشكلاتها تجد نفسها أمام أخطار محدّدة أكبر بكثير من آثار التحيزات الشخصية لدى النصف الآخر من المجتمع” ([11]). وبذلك قد تعكس نظرية فرويد المنطق الأبوي الذكوري وترسخه، فرفض بعض دعاة التحرر النسائي ما تعكسه نظريته ووصفن فرويد بأنه قاتل للنسوية، فهل كان فرويد يرى أن المرأة لا يمكن لها أن تتجاوز دورها السلبي التي أعدته الطبيعة لها؟

وعلى الرغم من أن بعض الناقدات النسويات يشككن في جدوى التحليل النفسي الفرويدي في فهم طبيعة المرأة، وتحديد ماهية ماذا تكون المرأة؟ إلا أن ذلك لم “يمنع الحديث عن إفادة النقد النسوي من النظرية السيكولوجية، وبرغم تأكيدهن على أن التحليل كان أداة من أقوى أدوات تكريس النظام الأبوي، إلا أنهن قررن استخدامه بما يفي بأهدافهن” ([12]). ومن هنا ظهر الاتجاه الآخر الذي استخدم خطاب فرويد – باعتباره خطابا أبويا – كوسيلة لدراسة الخطاب الأبوي المتجذر في اللاوعي الجمعي ونقده سعياً منهن للخلاص من ثنائية المذكر والمؤنث.

ونساء هذا الاتجاه أخذن يدافعن عن التحليل النفسي ورأين فيه ما يخدم أغراضهن. فمثلاً، تتخذ جوليا كريستيفا (Julia Kristeva) [13] (****) موقفًا مدافعًا يعد أكثر موضوعيةً، “هما مسألتا: الجسد، والخصاء، كلاهما افتراضان مسبقان أساسيان للنظرية نفسها، بمعنى أنهما ليستا خيالين أيديولوجيين من خيالات مخترعيها، بل ضرورتان منطقيتان يجب وضعهما عند أصلهما، لشرح ما يعمل دون توقف في خطاب العصابي” ([14]). تشير كريستيفا إلى أن ما طرحه فرويد منطقي وليس بجديد لأنه مثبت رمزيًا بالفعل في اللاوعي الجمعي والثقافي. وفي الإطار نفسه، أكدت الناقدة جوليت ميشيل (Juliette Michel) (*****)، في كتابها “ماهي الحركة النسوية؟” أن “الاتجاه النسوي برمته مَدين إلى نظريات فرويد، التي أسهمت في بناء السياسة الجنسية، وإقامة بعض الأحزاب على أسس نفسية/اجتماعية منها، الاتحاد العالمي الاجتماعي للمساواة، والحزب النسائي الأميركي… إلخ” ([15]). فقد اعترفت النسوية بالتحليل النفسي كنظرية ذات تطبيق مباشر لفهم التمييز الجنسي إلا أن تطبيق أفكار التحليل النفسي على النشاط النسوي لم يتحقق بعد بشكل كبير. وعلى الرغم من أن نظرية فرويد تم استخدامها في المحافظة على معيارية النوع الاجتماعي وحتمية الاختلاف الجنسي الهرمي، إلا أنه قد يتم أخذها وتكييفها حسب البيئة، فيستخدم إرثه، في بعض الأحيان، في خدمة الانتقادات الثقافية الراديكالية للمؤسسات الأبوية الرأسمالية.

يبدو أن الخطابات الذكورية والتي تُقرأ غالباً بحساسية نسوية بالغة قد تقدم رؤى مهمة حول جوانب النوع الاجتماعي التي تطرحها الرؤية الأنثوية من خلال تجاربهن. ولكن، أرى أنه يمكن لنظريات التحليل النفسي أن تزيد من وعي الإنسان -رجلا كان أم امرأة – بالتشوهات والقمع القائم على النوع الاجتماعي، لاسيما تلك المتجذرة في العائلة. على كلٍ، بما أن النظام الاجتماعي هو ما يميز أمة عن أمة، إذن فالمجتمع هو الذي يعطي مزيداً من الاستقرار لأفراده. وبالتالي، فإن ما نحن عليه الآن هو نتيجة للتأثير الثقافي للمجتمع وما يأتي عن طريق الذاكرة، واللاوعي الجمعي، فلا أظن أبداً أن فرويد له يد في الأمر. بل تحدث فرويد عن الأثر النفسي للتمايز بين الجنسين. فنحن من نستنسخ الأفكار ذاتها من مخيلاتنا ونلْبِسها ثوبا جديدا ومن ثَمَ نعيد اكتشفها مبهوتين. إذن فمهمتنا الأساسية هي سبر أغوار اللاوعي في البداية، لنصل إلى جذر المشكلة لئلا نستمر في تكرارها إلى ما لا نهاية.

المصادر:

عبد المنعم الحنفي، المعجم الموسوعي للتحليل النفسي، مكتبة مدبولي، 1995.

سيغموند فرويد، محاضرات تمهيدية جديدة في التحليل النفسي. ترجمة: عزت راجح، دار مصر للطباعة، مصر.

سارة جامبل، النسوية وما بعد النسوية، ترجمة / أحمد الشامي، المركز القومي للترجمة، ط1، 2002.

سيمون دي بوفوار، كيف تفكر المرأة، ترجمة: مكتبة معروف إخوان، المركز العربي للنشر والتوزيع، الإسكندرية.

جوليا كريستيفا، مقالات في النسوية. مجموعة من المؤلفات، ترجمة ضحوك رقية، وعبد الله فاضل، ط1، الرحبة للنشر والتوزيع، سوريا،2015.

جيرمن غرير، المرأة المخصية، ترجمة: عبد الله بديع فاضل، ط1، دار الرحبة، دمشق.2014.

كريستا نلوولف: تاريخ النقد النسوي، ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.2005.

Diane Jonte-pace, Which Feminism, Whose Freud? Human Sciences, Pastoral Psychology, Vol. 40, No.6,1992

Juliet Mitchell & Ann Oakley, what is feminism? Basil Blackwell, oxford, third published, U.K, 1989

Kate Millet, Sexual Politics. University of Illinois press. Urbana & Chicago.2000

([1]) عبد المنعم الحنفي، المعجم الموسوعي للتحليل النفسي، مكتبة مدبولي، 1995، ص 290 ،291.

([2]) سيغموند فرويد، محاضرات تمهيدية جديدة في التحليل النفسي. ترجمة: عزت راجح، دار مصر للطباعة، مصر، ص104.

([3]) المرجع نفسه، ص 105.

([4]) المرجع نفسه، ص 113.

([5]) المرجع نفسه، ص 107، 113.

([6]) سارة جامبل، النسوية وما بعد النسوية، ترجمة / أحمد الشامي، المركز القومي للترجمة، ط1، 2002، ص 347.

([7]) سيمون دي بوفوار، كيف تفكر المرأة، ترجمة: مكتبة معروف إخوان، المركز العربي للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص 57، 58.

([8]) المرجع نفسه، ص 58.

([9]) Diane Jonte-pace, Which Feminism, Whose Freud? Human Sciences, Pastoral Psychology, Vol. 40, No.6,1992, p.372. (**) (1934- 2017) كاتبة وناشطة أمريكية راديكالية، ترك كتابها السياسة الجنسية (sexual politics) أثراً كبيراً في الموجة النسوية الثانية. وكانت أول امرأة أمريكية تحصل على درجة مع مرتبة الشرف من الدرجة الأولى بعد الدراسة في كلية سانت هيلدا في أكسفورد.

([10]) Kate Millet, Sexual Politics. University of Illinois press. Urbana & Chicago.2000. P: 178. (***) )1937- كاتبة أسترالية ومفكرة عامة، وتعتبر واحدة من الأصوات الرئيسية للحركة النسوية الراديكالية في النصف الأخير من القرن العشرين. وقدم كتابها (المرأة المخصية) تفكيكًا منهجيًا لأفكار مثل الأنوثة والأنوثة، بحجة أن النساء أجبرن على تولي أدوار خاضعة في المجتمع لتحقيق تخيلات الذكور حول ما ينطوي عليه كونهن امرأة.

([11]) جيرمن غرير، المرأة المخصية، ترجمة: عبدالله بديع فاضل، ط1،دار الرحبة، دمشق.2014.ص134.

([12]) كريستا نلوولف: تاريخ النقد النسوي، ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.2005. ص 301- 321.

(****) محللة نفسية وعالمة لغويات ومنظرة وروائية وكاتبة (1941- )، تزاول التحليل النفسي، وتشتغل بالفلسفة، وتدريس اللغويات، وعلى الرغم من رفضها لمصطلح Feminism إلا أنها تهتم في كتاباتها بمسألة الاختلاف بين الجنسين. جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية. ص 383.

([14]) جوليا كريستيفا، مقالات في النسوية. مجموعة من المؤلفات، ترجمة ضحوك رقية، وعبد الله فاضل، ط1، الرحبة للنشر والتوزيع، سوريا،2015. ص 218.

(*****) (1940- ) ولدت في نيوزيلندا ثم انتقلت للعمل في إنجلترا، واكتسبت اهتماماً إعلاميًا فور صدور مقال لها المرأة: أطول ثورة عام 1966، واشتهرت بكتابها عن التحليل النفسي والنسوية. الذي حاولت فيه التوفيق بين التحليل النفسي والنسوية في وقت اعتبره الكثيرون غير متوافقين.

([15]) Juliet Mitchell & Ann Oakley, what is feminism? Basil Blackwell, oxford, third published, U.K, 1989 p.92,10.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

علم النفس النسوي

أترك تعليق

مقالات
يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015