ناصر خليل/ ألمانيا- في دراسة عن النساء المهاجرات وبالذات السوريات المتزوجات شاركت بها لصالح إحدى المجلات الألمانية المهتمة بشؤون المرآة في ولاية بادن فورتمبرغ وتضمنت حصتي فيها شريحة من حوالي خمسين إمراة من مختلف الطيف الإجتماعي السوري المتواجد في ألمانيا . الدراسة تضمنت النساء القادمات من المجتمع المديني والريفي , ومنهن المتعلمات وأنصاف المتعلمات والأمييات ومن خلفيات إجتماعية مختلفة . منهن المُحافظات والعلمانيات أو الشريجة المتأرجحه بينهما. النتيجة كانت لبعض أنصار المرأة الألمان مفرحة جداً , على أساس انها إشارة الى تحرر المرأة السورية من تبعية الرجل والتقاليد والخوف وتعبير عن إستقلاليتها وشقها لطريقها الخاص. بينما كانت لي هذه النتيجة الى حد ما مفاجئة بسبب سرعة حدوثها , رغم أني كنت أتوقعها. من بين الخمسين حالة التي درستها شخصياً, تم إنفصال 13 منهم عن أزواجهم و7 منهم يعيشون علاقة سيئة مع أزواجهم وتكلموا عن إحتمال الإنفصال مستقبلاً.
نسبة الإنفصال مابين المتعلمات المتحررات نسبياً وصلت الى 67% بينما وصلت النسبة بين النساء المُحافظات أو المُنحدرات من خلفية دينية الى 33%.
من اهم العوامل التي أدت الى هذا الوضع هو التغيير المجتمعي. فتغير المكان من سوريه الى ألمانيا, أدى بالضرورة الى تغيير القوانين وتغيير بالتفكير وتغير بالظروف الإجتماعية المحيطة. الأسس الرئيسية التي يبنى عليها المجتمع الغربي هي الإستقلالية والحرية الفردية, مدعومة بقوانين ومحمية من الدولة مما يساعد على حرية القرار الفردي.
نسبة الطلاق المرتفعة هذه بين السوريات تنتشر بين النساء اللواتي فعلن “لم شمل” لأزواجهن وأولادهن ووصلنا شخصياً الى ألمانيا أولاً. هذه الشريحة من النساء إكتسبت في طريق الوصول الى ألمانيا الكثير من الثقة بالنفس والقوة والجَلد من خلال تجربة الطريق الى هنا والمعاناة على الطريق الشاق سواءً جسدياً أو نفسياً, والعيش في ظروق قاسية جداً مع المهربين والسير أحياناً مئات الكيلومترات على الأقدام والتنقل بين بلدان مختلفة غريبة الثقافات واللغات وأحياناً ردات فعل عدوانية ضد اللاجئين في بعض الدول ومن ثم كان عليهن العيش في مخيمات اللاجئين مع ثلاثة نساء من جنسيات مجتلفة في غرفة واحدة صغيرة بدون حرية شخصية أو مساحة فعلية للتحرك وفوق ذلك كانت المُشاركات في الغرفة من جنسيات مختلفة وثقافات أخرى ولغة أخرى , وكان على المرأة السورية ان تتعامل مع كل ذلك. وبعد كل هذه التجربة والتي في أغلبها مُرة كان على تلك النساء ان يكافحن بكل الُسبل لعملية لم شمل العائلة المعقد والذي قد يستمر أحياناً لسنتين أو أكثر. هذه التجربة أكسبت بعض النساء السوريات تجربة مهمة كانوا يفتقدونونا في مجتمع ذكوري شرقي يضطهدن في قوانينه وعاداته الإجتماعية وعدم المسواة. هذه التجربة أدت الى عملية إكتشاف الذات لديهن وأظهرت لهن شخصياً بأن قوتهن وقدرتهن لاتقل عن قدرة الرجل. وخاصةً عندما يعيشون في مجتمع يعطيم الفرصة لإكتشاف الذات وإظهار مالديهن من إمكانيات. وفوق ذلك فإن أغلب النساء كُن هدفاً لبعض هيئات المجتمع المدني الألماني والغربي اللواتي ساعدوهن في الإتصال مع دوائر الدولة وتعلم اللغة والتعرف على ميزات المجتمع الغربي والفرص المتاحة لهن هنا.
بعد عملية لم الشمل وقدوم الزوج والاولاد الى ألمانيا , يأتي الزوج بعقليته القديمة على أنه “رب الأسرة أو سيد البيت” او الآمر والناهي في كل الأمور , ولايستطيع بأن يدرك بأن تغير المكان أدى الى تغيير الظروف والقوانين وحتى تغيير في العلاقة الزوجيه نفسها, فالمرأة التي يعيش معها الآن هي غير المرأة التي كان يعيش معها في سورية, المرأة التي هو معها الآن هي الشخصية الأولى في العائلة فهي تعرف الى حد نسبي اللغة, ومعترف فيها من قبِل مكتب العمل بأنها ربة الأسرة ويُحول الى حسابها البنكي نفقات العائلة والمساعدات الإجتماعية وهي التي تقود العائلة فعلياً, وفوق ذلك تقف خلفها بعض مؤسسات المجتمع المدني والصداقات التي بنتها في مرحلة فبل قدوم العائلة الى ألمانيا والتي تُقوي هذا التغيير في حياتها.
كثير من الرجال يُحسون بعد قدومهم الى ألمانيا بقليل بأنهم فقدوا دورهم الريادي في الأسرة الذي تعودوا عليه في المجتمعات الشرقية الذكوريه وبالتالي جزء من شخصيتهم وهذا قاد ويقود الى ردات فعل متفاوته ومنها ” العنف الأسري” داخل الأسرة ويعني بأن يضرب الرجل زوجته ويرفض دورها الجديد ويحاول إعادة المرأة الى تحت السيطرة بكل الُسبل , كثير من الرجال لايدركون فعلياً بأن هناك تغيير كبير قد حدث , وإن عليهم شخصياً أن يتغييروا ويتأقلموا مع قوانيين المجتمع الجديد ,ولكن الكثير منهم لاينجحوا بذلك ويؤدي ذلك الى الإنفصال والطلاق. في قضايا الخلاف الأسري في المحاكم الألمانية تكون المرأة على الأغلب هي ” الملك” وكثير من القوانيين تعطيها الحق في كل شي طالما أنها لاتتعاطى المخدرات أو تتناول الكحول او لايوجد في سيرتها الذاتية الحالية مايهدد إستقرار أطفالها.وكثير من القوانين الألمانية تعتبر المرأة الضامن الرئيس للإستقرار الأسري.
هذا التغيير يُقاربه الألمان مع تاريخ ووضع المرأة الألمانية ماقبل وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
فعندما فقدت ألمانيا ملايين من الرجال على جبهات القتال في حروبها وخاصة الخارجية , كانت المرأة هي من بَنَت الدولة فعلياً وساعدت بإعادة أعمار البلاد ووقوفها من جديد على قدميها, هذا ادى بالتالي الى الإعتراف بها وحصولها على الحقوق التي تتمتع بها اليوم.
في حالة عمليات “لم الشمل” المعاكسة , يعني أن يكون الرجل وصل الى ألمانيا أولا , تعتبر حالات الانفصال قليلة , لأن المرأة تصل متأخر بينما يكون الرجل قد تعرف على المجتمع والامور المادية مع مكتب العمل والشؤون الإجتماعية مسجلة باسمه ويكون صلة الوصل بين الأسرة والمجتمع المحيط ودوائر الدولة. في هذه الشريحة تبقى المرأة تحت سيطرة الرجل وتبقى ضمن إطار مفهوم العائلة الشرقي التقليدي ويحاول الأزواج منع زوجاتهم من تعلم اللغة بحجة أن عليها أن تهتم بالعائلة والأولاد من أجل أن يبقى القرار بيدهم. وعدم تعلم اللغة والإتصال بالمجتمع الألماني المحيط يؤدي الى جهلها بحقوقها وسحب أهم سلاح لبناء شخصيتها المستقلة. جًل هذه الشريحة من النساء الغير متعلمات أو أنصاف متعلمات هن في الغالب متدينات ومحافظات.
المجتمع السوري الجديد في ألمانيا والأسرة بالذات بدأت تدخل فيهم تغييرات جذرية وأحياناً قاسية بسبب سرعة التحول من مجتمع تقليدي ذكوري منغلق نسبياً الى مجتمع منفتح و تكنولوجي يُقيم الشخص حسب قدرته في المجتمع وتتساوى فيه حقوق المرأة والرجل. الرجل السوري أمام إمتحان عسير. المجتمع السوري بصورته التقليدية ذاهب الى الذوبان إما الآن أو في القريب العاجل بعد إنهاء الأطفال السوريون مرحلة الدراسة الإبتدائية في المدارس الألمانيةواكتشاف النفس.