شبكة المرأة السورية- بات الدستور الشغل الشاغل للمؤتمرات التفاوضية من جنيف إلى سوتشي، الذي كان معنياً بقضية الدستور أولاً، وكشف أن مقترحاته لا تعبّر عن أهداف الشعب السوري في ثورته، بل إن بعضها يريد استغلال فترة الضعف والوهن لحرف الأهداف عن مسارها، ويريد تفتيت الوحدة الوطنية وتقسيم سورية إلى طوائف ومذاهب ومحاصصات، ويستغل لافتة (حماية الأقليّات) التي باتت هاجس المجتمع الدولي، رغم ما تعرّضت له الأكثرية المطلقة من سحقٍ وتهميش وتهجيرٍ قسري وإبادة، لتمرير دستورٍ يقود البلد إلى طائفية سياسية مقيتة تجعل السوريين مجتمعاً منقسماً على ذاته لقرونٍ طويلة.
وقد همّشت روسيا، التي شاركت بصياغة تلك القرارات، مجلس الأمن والجمعية العامة، واستغلت التردد الأميركي والضعف الأوروبي والغياب العربي ومضت في الحسم العسكري، لتنسف فاعلية هذه القرارات التي ستبقى حقّاً قانونياً شرعياً للشعب السوري لا تمسّه المتغيّرات الدولية؛ ما لم تصدر قرارات أممية تُخالف هذه القرارات، وهذا ما لم يحدث وليس سهل الحدوث.
الرجال يصنعون الدستور
وقد تبيّن من خلال المحاولات الأخيرة لصياغة دستورٍ جديد لسوريا، أن الغالبية العظمى من المشاركين في تلك المحاولات هم من الرجال، لكن الأبحاث الجديدة تخبرنا لماذا ستكون فرص نجاحهم أكبر بكثيرٍ إذا كانت عملية الصياغة تشمل نساء سوريا.
صناعة الدستور عملية متكررة في عملية السلام أو الانتقال، فقد أجرى (75) بلداً إصلاحات دستورية كبيرة في أعقاب الصراع أو الاضطرابات بين عامي 1990 و 2015. وأظهرت دراسةٌ نُشِرَت مؤخراً، من قبل مركز “الأمن الشامل”، أنّ في الدول الخارجة حديثاً من الحرب، قد تكون العملية بنفس أهمية المنتج. وبينما يوفر الدستور خريطةً لكيفية ممارسة السلطة في المجتمع، يفتح واضعو الدستور أيضاً طريقاً للحوار المدني. وهي فرصةٌ لبناء الثقة والتعرّف على أوجه عدم المساواة والتهميش التي ربما أسهمت في الصراع في المقام الأول.
ولكن مجموعةً رئيسة واحدة أُهمِلَت باستمرار، هنّ النساء، فقد أظهر بحث مركز “الأمن الشامل” أنّ 1 فقط من بين 5 واضعي الدستور في أوضاع الصراع هي امرأة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ قواعد انتخاب أو تعيين هيئة لوضع الدستور تنشأ عادةّ في عملية السلام، حيث يُهَيمن الذكور.
وبين 1992 و 2011، شكّلت النساء 9 في المئة فقط من المفاوضين في عمليات السلام، وفقاً لدراسةٍ أجرتها الأمم المتحدة، وهذا أمرٌ مؤسف؛ لأنّ الأبحاث تبيّن أن عملية وضع الدستور الشاملة تعود بالفائدة على الأمة ككل.
وفي دراسةٍ شملت ثماني حالات، وجدنا أنه عندما تُشارك المرأة في العمليات الدستورية، فإنها تقدّم باستمرار أحكاماً من أجل مجتمعاتٍ أكثر إنصافاً وشمولية.
ففي رواندا، على سبيل المثال، عملت النساء في اللجنة الدستورية مع النساء في المجتمع المدني والمجموعات البرلمانية النسائية لتأمين حكمٍ ينصّ على تخصيص نسبة 30 في المائة للنساء في جميع هيئات صنع القرار. وواصلت رواندا تحقيق أعلى معدلات النساء في البرلمان في العالم.
ووجدت دراسة سابقة لـ (58) دولة متأثّرة بالنزاع بين عامي 1980 و 2003، نُشِرَت في صحيفة “حروب أهلية” أنّ الزيادات في التمثيل البرلماني للمرأة تقلل إلى حدّ كبير من خطر عودة بلدٍ ما إلى الحرب.
وتكتسب الأحكام الدستورية المتعلّقة بالمساواة بين الجنسين، التي تُدافع عنها المرأة عادةً، أهميةً كبيرة، خصوصاً عندما تتعلّق تلك الأحكام بالسلام. وبالاستناد إلى أكبر قاعدة بياناتٍ عن وضع المرأة في العالم، فقد بيّنت فاليري هدسون، الباحثة في جامعة تكساس وأندونيسيا، أنّ المساواة بين الجنسين هي أكثر تنبؤاً بالسلام من ثروة البلد ومستوى الديمقراطية أو الدين السائد.
ويكشف البحث الجديد “للأمن الشامل” أيضاً أنه عندما تُشارك المنظمات النسائية في العملية الدستورية، فإنها توسّع مراراً وتكراراً مشاركة المجتمع، وتساعد على تدعيم العقد الاجتماعي.
ففي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، وصل الائتلاف النسائي الوطني إلى ما يُقدّر بـ 2 مليون امرأة عبر الانقسامات العرقية والثقافية واللغوية لوضع ميثاقٍ لأولويات الدستور. وقد انعكست معظم هذه الأولويات في نهاية المطاف في نصّ عام 1996.
وفي الوقت الذي تتولى فيه الجماعات التي يسيطر عليها الذكور التوعية، إلا أن الجماعات النسائية تتخصّص في رفع مستوى الوعي بشأن العملية الدستورية.
أين النساء؟
تشير البيانات إلى أنّ مشاركة المرأة في صنع الدستور آخذةٌ في الازدياد في فترة ما بعد الحرب الباردة: من 13% في المتوسط بين عامي 1990 و 1995؛ إلى 24% بين عامي 2010 و 2015.
وقد وافقت الأطراف في المفاوضات السورية في سوتشي على أنّ اللجنة الدستورية ينبغي أن تشمل المرأة. وفي واقع الأمر، التزموا في بيانهم النهائي بما لا يقلّ عن 30% من النساء في هياكل صنع القرار المتعلّقة بالتوصّل إلى تسوية سياسية للنزاع السوري.
ولكن عندما قامت روسيا وتركيا وإيران (المُتحالِفة مع أطراف سورية مختلفة في النزاع) بصياغة قائمةٍ من المُرَشّحين لهذه الهيئة الجديدة لصنع القرار، تبيّن أنها تضم 16 امرأة فقط من أصل 168، وفقاً لـ”رجاء التلي”، مؤسسة المركز السوري للمجتمع المدني والديمقراطية. “أعتقد أنه يجب أن يكون هناك تأييدٌ كبير من مختلف البلدان صاحبة النفوذ ومن الأمم المتحدة؛ لتأمين مشاركة المرأة بنسبة 30٪ “.
وتضغط النساء السوريات منذ سنواتٍ للوصول إلى عملية السلام. الجواب كان باستمرار: “ليس الآن، في وقتٍ لاحق”. وأظهرت الصور من سوتشي أن المفاوضات لا تزال مسألةً ذكورية بحتة.
وبدوره قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة دي ميستورا إن العملية الدستورية المشروعة لا يمكن أن تظهر إلا في بيئةٍ آمنة وهادئة ومحايدة.
أيّاً كان التوقيت، لا يوجد نقصٌ في المحاميات المُؤَهلات، والخبيرات الدستوريات والمُمارِسات لبناء السلام للاستفادة منهُنّ. وقد قامت مجموعة المجتمع المدني السورية للمرأة من أجل الديمقراطية بصياغة مبادئ دستورية تراعي الفوارق بين الجنسين، وتركّز على التمثيل العادل وتكافؤ الفرص للنساء والرجال، فضلاً عن جميع الجماعات الإثنية والثقافية والدينية.
إذا كنت ترغب في تشكيل كيانٍ أكثر كمالاً، في سوريا أو في أيّ مكانٍ آخر، لا يمكنك الاعتماد على الرجال فقط.
وبعد سبع سنواتٍ من المعاناة في سوريا، حان الوقت لمحاولة وضع نهجٍ مختلف يمهّد طريقاً شاملاً إلى السلام للجميع.