ذكورية اللغة العربية أخطر أنواع الختان للنساء
اللغة العربية & الذكورية

د. منى حلمي/wonews- تم تخصيص يوم 18 ديسمبر من كل عام، ليكون اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية. ولماذا يوم 18 ديسمبر بالتحديد؟.. لأنه اليوم الذي اُتخذ فيه القرار بجعل اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وكان ذلك في عام 1973.

وقد قرأتُ مقالات كثيرة، وتابعتُ ما دار عن كيفية الاحتفال بلغتنا العربية، وكيف أصبحت في وضع متردٍ من الاستخدامات الخاطئة، وغير اللائقة، في المدارس والجامعات وجميع وسائل الإعلام، مقروءة ومسموعة ومرئية، وحتى في المسلسلات والأفلام والمسرحيات. وهناك من اعتبر أن لغتنا العربية في مأزق حضاري، وأخلاقي، وثقافي، من كثرة الأخطاء النحوية والأخلاقية التي أصابتها.

وأنا أوافق على كل الاقتراحات المقدمة، لاستعادة التهذيب والوقار إلى اللغة التي نتحدّث ونتواصل ونعيش ونحلم ونفكّر بها. لكنني لم أقرأ شيئاً واحداً، عن إحدى السمات الجوهرية في لغتنا العربية، وأقصد بها ذكورية التوجّه. وهذه الذكورية ليست شيئاً طارئاً هامشياً عارضاً أو دخيلاً. لكنها شيء أصيل، في تكوينها، وبنيانها، ودلالاتها الثقافية، وتوجّهها الفكري، وأهدافها الأساسية، ومقاصدها الجوهرية.

كم أشعر بالإهانة.. أشعر بالضآلة؛ لأن لغتى العربية، تضعني على ذمّة اللفظ الذكوري. كيف أصدّق مقولة، إنّ «اللغة وطن»، ومع لغتي العربية، أحسّ بالغربة والتشرّد؟.. وتطالبني بأن أحيا.. لفّتني، في كفن ذكوري، لم أقم باختياره.

كيف أطيرُعالياً، بالكتابة والشِعر؟ وقد كسَّرت أجنحتي، وأعطتها للذكور؟

اللغة، تعكس بصدق المجتمع. فكما يحدث أنّ وجود الذكور يُلغي النساء في الحياة، فلا بد أن يغطّي اللفظ الذكوري، على اللفظ الأنثوي. وهذا «حجاب»، بل «نقاب» آخر، يغطّي النساء، ليس بالقماش، ولكن بالكلمات. وهو أيضاً، «ختان»، مريع، لإنسانية المرأة.

عزيزي المستمع.. عزيزي المشاهد.. عزيزي القارئ.. عزيزي المواطن.. رجال الأعمال.. والوطن.. رجال الصحافة.. رجال الإعلام.. أخــي المواطن.. مجلس الآباء.. رئيس التحرير.. رجل الشارع.. مدير المهرجان.. رئيس الأوبرا.. وفي لوحات المرور، نجد صورة رجلٍ، ليُعبّر عن النساء والرجال. كلّ الصياغات، والنداءات، والتعبيرات، والأوراق الرسمية للدولة، مكتوبة بصيغة المذكّر. ما هذه الإهانة البالغة المقنّنة؟

انتهى المجمع اللغوي، مؤخراً، من مشروع قانون حماية اللغة العربية، ويتضمّن 21 بنداً. لم يتنبه أحد، أن هناك ضرورة ملحّة، لإضافة بند أساسي، يدخل في صميم بنيان وتركيب ودلالة اللغة، وهو حظر ذكوريتها، التي تشارك فيها جميع المؤسسات والهيئات والمراكز والجامعات والكيانات في المجتمع.

حتى التيارات، التقدّمية، الثورية، لا تنتبه أنّ «اللغة»، تحتاج إلى تقدّم وثورة وإصلاح. ولا تعتبر ذكورية اللغة وعنصريتها، بمثل أهمية الفقر أو قوانين الأحوال الشخصية، أو حتى أنّ هناك ارتباطاً عضوياً وثيقاً بين تركيب اللغة وتركيب المجتمع، بين طاعة المرأة للرجل في الحياة وطاعتها لقواعد لغةٍ لم تُشارك في وضع قواعدها.

النساء أنفسهنّ، العاملات، في مجال العدالة بين الجنسين، لا يذكرن أبداً، عدم العدالة في اللغة.

سألتُ رجلاً طبيباً، هل ترضى التعريف بك بأنك استشارية طب الأسنان؟. انتفض غاضباً وقال: استشارية لأ طبعاً مستحيل.. إنها إهانة بالغة، لا يرضاها رجل لديه كرامة.

وسألتُ رجلاً آخر: هل ترضى بصيغة عزيزتي المواطنة، التي تضم الرجل والمرأة؟. ردّ باستنكار: ما هذا التخريف والهراء والسخف والتفكير الشاذ؟.

هذا الهراء، والتخريف، والسفه، والتفكير الشاذ، ترضاه النساء في كلّ مجال. فقط عندما يريدون استغلال المرأة فى الانتخابات، يقولون: أختي الناخبة.

نسمع طوال الوقت، أن العربية، هى لغتنا الجميلة. وأندهش جداً، كيف للجمال أن يوجد، بدون عدالة، بدون انسانية، وتبرير وتقنين »بتر« نصف البشرية..

كتبتُ كثيراً بلا جدوى، عن ضرورة إيقاف هذه المهزلة اللغوية. وإعداد قانون، يجرّم ويحظر استخدام اللفظ الذكوري، للدلالة على الرجال، والنساء.

أسعدُ، حينما أشاهد أحد البرامج المرئية، وأجد الرجل الضيف، يقول »نساء ورجال الإعلام.. أو نساء ورجال التعليم..«. وهذا شيء نادر بين الرجال والنساء..

في العالم كلّه، حقّقت الحركات النسائية، ثورة لغوية، تُنهي إخفاء المرأة في اللغة، وتُعطي النساء كرامتهنّ اللغويّة، الجديرات بها.

الثورة، تبدأ باللغة.. النهضة تبدأ بالكلمة.

اللغة العربية & الذكورية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015