زواج القاصرات: اغتصاب بأوراق رسمية

مجلة اليمامة- بين ليلة وضحاها، يتحولن من طفلات بريئات يحلمن بمستقبل وردي، إلى سيدات وربات منازل يعايشن واقعاً بائساً وجافاً، فعلى الرغم من عدم تجاوزهن سن ال 18 بعد، لكنهن يتحملن مسؤولية تسيير بيت الزوجية غصباً عنهن، منهن من تأقلمت مع الوضع المزري وتعايشت مع حياتها الجديدة، ومنهن من رفضت ذلك وأعلنت الثورة على زواجها القسري، فهربت لمكان مجهول، أو انتحرت لتبعث برسالة رفض وتحدٍّ، في الغالب لا تجد الآذان التي تنصت إليها، ومع تكرار الحوادث واستمرار زواج القاصرات.. تفتح اليمامة هذا الملف، نسأل الخبراء والمختصين ورجال الدين، ننقاش بعض المعطيات ونعاود سرد قصص لفتيات قُتلت طفولتهن بهذا الزواج، ونستطلع آراء الشارع حول هذا الموضوع الشائك.

عودة إلى سوق الرقيق

هناك اعتبارات كثيرة غير الفقر والحاجة تدفع إلى هذا النوع من الزواج، على غرار الحفاظ على الميراث والنظر إلى الزواج على أنه مصير البنت المحتوم، وكلما تزوجت في سن أصغر حافظت على شرفها وشرف العائلة، فعلى الرغم من أن الزواج يجب أن يقوم على التكافؤ، فإن شريحة كبيرة من البنات الفقيرات خاصة فى القرى هن الأكثر استغلالاً، ويتم تزويجهن لأثرياء كبار السن، في عملية غير متكافئة تماماً.

مفيدة جمال الدين موظفة بشركة خاصة ترى أن التقاليد والعادات المتوارثة في المجتمع هي السبب، إلى جانب الجهل والفقر، فمما يدفع الآباء لتلك الزيجات المبكرة لبناتهن هو انتشار بعض الأمثال الشعبية والمقولات مثل: زواج البنات سترة، والبنت عايزين نجوزها قبل ما يفوتها قطار الجواز وتعنس واللي بتتجوز صغيرة بتفضل شباباً طول عمرها، وغيرها من المقولات التي تدفع بالآباء إلى رمي بناتهن إلى أول مشترٍ قادم !، وتضيف: أنا أرى أن هذا النوع من الزواج هو عودة إلى سوق الرقيق، تشاركها الرأي نفسه.. ساندي جميل تعمل مدرسة لغة إنجليزية، حيث ترى أن هذه الظاهرة ترجع إلى التقاليد السلبية والأمية، وتضيف: في بعض الأوساط في بلداننا العربية يُعتبر زواج الفتيات من الأمور التي تسهم في الحد من الضغط المالي على الأسر، فتلجأ تلك الأسر إلى تزويج فتياتها صغيرات حتى تجني المال من وراء تلك الزيجات.

في حين ترى الشيماءعبدالخالق – محامية مصرية، أن الزوجة القاصر ليست لها حقوق مادية إذا انفصلت عن زوجها بالطلاق، حيث إن المحاكم في مصر لا تقبل دعوى الزوجة القاصر ولا تعترف بالورقة العرفية التي يحررها المحامون والمشايخ للعقد على الفتاة القاصر، حتى تصل إلى السن القانونية، حينها يتم تغيير العقد العرفي إلى عقد شرعي رسمي، كما أنه لا يمكن للزوجة القاصر المطالبة بمسكن الزوجية وكثير من حقوقها، ولن يقتصر الأمر على ضرر الفتاة القاصر، بل يتعداه للأبناء لأنه يلزم لتسجيلهم وجود وثيقة رسمية للزواج، وهذا لا يتوافر في تلك الزيجات.

زواج أم اغتصاب ؟!

الزواج سنة من سنن الحياة،وللزواج شروط وضعتها جميع الأديان السماوية، ويتفق عليها البشر الأسوياء، من تلك الشروط: التكافؤ بين الطرفين، وهذا التكافؤ متعدد الأوجه، لكن أهم مظاهره هو التكافؤ العمري بين الزوج والزوجة، في هذا الصدد ترى د. سهيلة عبدالمجيد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سوهاج المصرية، أن زواج القاصرات يرتبط بعاملين أساسيين هما الفقر والجهل، وللأسف توجد عصابات للسمسرة فى بعض القرى المصرية للمتاجرة بالقاصرات، خاصة لكبار السن وراغبى المتعة من الأثرياء، وغالباً فإن هذه الزيجات لا تنجح ويترتب عليها عديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية فيما بعد، وتضيف: أرى أن الأمية وعدم تلقي القدر الكافي من التعليم له دور مؤثر في انتشار هذه الظاهرة أيضاً، ففي عام 2010 كشفت دراسة أجرتها وزارة الأسرة والسكان المصرية أن أكبر نسبة زيجات للقاصرات كانت تراوح من أعمار 12 وحتى 18 عاما، ومعظمهن فى المرحلة الإعدادية بنسبة 38% تليها الأميات اللائى لم يلتحقن بالتعليم، وتتابع عبدالمجيد قائلة: عايشت حالة زواج قاصرات بنفسي، فقد كان هناك أحد الآباء يتفق مع ابنته على الزواج من ثري لمدة لا تتجاوز العام ثم تعمل جاهدة على الطلاق منه لتتزوج من آخر وكأنها نوع من المتاجرة بالجسد، وهذا يعد شكلاً من أشكال الرقيق في شكل حضاري، وتضيف: أننا ننظر بعين الازدراء لحال بعض الدول الفقيرة وما تعانيه من انتشار زواج الأطفال والقاصرات، ونصف ذلك بالتخلف والرجعية، وفي المقابل نجد من بيننا من يمارس هذا الفعل المشين، الذي تشمئز منه النفوس.

أما د.ناهد كمال ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرآة، فتقول: إن هذا الزواج لا يمكن اعتباره زواجاً بالمعنى التقليدي، بل هو اغتصاب مقنن بأوراق رسمية، والمسؤولية هنا تقع على عدة جهات: أولاها من يقوم بتسنين البنت بسن غير سنها الحقيقية، ثم يليه المأذون الذي أتم عقد الزواج، وثالثتهما الأهل والأقارب الذين يرتكبون هذه الجريمة (من وجهة نظري)، وتابعت: وسائل الإعلام عليها دور فعال فى القضاء على تلك الظاهرة أو انتشارها وأن تقدم نماذج درامية وإعلامية تسهم فيما يعرف بالتعبئة الاجتماعية الثقافية للمواطنين ضد هذا الزواج، إضافة إلى رجال القانون الذين يجب أن يسنوا قوانين صارمة لمواجهة هذا الزواج ومعاقبة من يخالفها، وتضيف: من المهم جداً وجود السكنى النفسية بين الزوجين، فقد رأيت قصصاً لحالات كثيرة عانت من الاكتئاب والمرض النفسي وكره للرجال بسبب الزواج من كبير في السن.

أفادت تقارير صحافية ودراسة أجراها المجلس القومي للأمومة والطفولة بمصر عن وقوع فتيات قاصرات في مناطق فقيرة ضحايا لزيجات مؤقتة لأغنياء كبار في السن مقابل المال، وهي ممارسة يعتبرها حقوقيون أشبه بالدعارة والاستغلال الجنسي للأطفال، فزواج البنت فى سن مبكرة لا يتيح لها تلقي أي شكل من أشكال الثقافة الجنسية، كما أنها لا تستوعب في هذه السن الصغيرة حيثيات البلوغ وقد تصدم من الاتصال الجنسي المبكر ويكون لها شكل من أشكال الاغتصاب فتصاب بالخوف الشديد والتشنجات، وطبيعة الشخصية لا تكتمل معالمها الأساسية فى السن من 12-18 سنة، فيقوم الزوج بتشكيل الشخصية بدلاً من البيت والعائلة وتكون وظيفة الزوج فى مقام الأب.

تجارب وحكايات

هنية ب. ج. فتاة مصرية من إحدى قرى محافظات الوجه البحري بمصر، تزوجت حيث كان عمرها 15 سنة من رجل عمره 46عاماً، تم الزواج بعقد عرفي لأن المأذون لم يوافق على عقد قرانهما رسمياً لعدم وصولها للسن القانونية للزواج طبقاً للقانون المصري، تحكي لنا هنية عن تجربتها فتقول: لم أكن أتخيل أن أصبح زوجة وأنا لم أكمل عامي الخامس عشر، كنت مصدومة، ومع مرور الوقت صرت حاملاً وعندما أخبرت زوجي بذلك حدثت الفاجعة، حيث قام بطردي من المنزل وأخبرني بأنه لم يتفق معي على ذلك!، لأنني كنت الزوجة الثانية له، وتزوجني في الخفاء دون علم أبنائه وزوجته الأولى، لكن المشكلة تطورت عندما توفي زوجي بعدها بشهرين، حينها لم أستطع تسجيل ابني ولم يعترف أهل زوجي بالطفل كي لا يكون لي أو له أي حقوق من الميراث!.

أما خديجة اسم مستعار، بعد أن رفضت ذكر اسمها فقد تزوجت عندما كان عمرها 16 سنة من جارها الشاب، وتم الزواج بعقد بتاريخ مستقبلي وعند بلوغها السن القانونية وفي السنة الأولى من الزواج رُزِقَت بطفل، تقول: زوجي كان يتعاطى المخدرات، ما جعله يبيع شبكتي ويبيع بعض الأثاث من المنزل، وعندما ساءت الأمور إلى حد لا يُحتمل، طلبت الطلاق، وطالبته بحقوقي، لكنه هددني برفع قضية إنكار نسب لابني الذي تم تسجيله في السنة الأولى من الزواج عندما كان عمري لا يتجاوز ال 18 عاماً فارغمت على التخلي عن حقوقي الزوجية رغماً عني، وفي شرق السعودية تم زواج آمنة محمد (10 أعوام) من رجل يكبرها ب15 عاماً، ومع أن الطفلة لا تزال تدرس في الصف الخامس الابتدائي، فإن والدها عقد قرانها.

بسبب الحرب السورية والعدد الكبير لحالات اللجوء في الجار اللبناني، فقد شهد لبنان عدداً كبيراً من حالات الزواج بين لبنانيين وسوريات قاصرات، بسبب المصالح المشتركة بين الطرفين، الأول اللبناني الذي يوفر بهذه الزيجة تكاليف المهر وتأثيث منزل، والثاني من جهة السورية التي تؤمن محل إقامة عائلية تقيها التشرد ومخاطر اللجوء، هذه الحالات تعد خرقاً للاتفاقيات الدولية الموقعة من الدول العربية في حقوق الطفل، وخرقها يعتبر تشويهاً لصورة الدول العربية التي تبذل جل جهدها لإظهار صورة تليق بمكانتها في العالم.

مخاطر جسيمة

لزواج القاصرات مخاطر صحية عديدة كتسمم الحمل، وفقر الدم، وصعوبة الولادة، والإجهاض، مخاطر الإنجاب المتكرر دون فاصل زمني معقول بين الولادة والأخرى التي لها مخاطرها الصحية على الأم والجنين، هذا بخلاف ارتفاع نسبة الوفيات، حيث تشير د. منال السودي إلى أن احتمالات الوفيات في الفتيات من عمر 10- 14 سنة بسبب الحمل والولادة تزيد خمسة أضعاف عن وفاة النساء في سن 20-45 سنة، إضافة إلى عسر الولادة الشائع بين الفتيات المراهقات، وتضيف السودي: الدراسات كشفت أن الفتيات اللاتي تزوجن مبكراً لم يستطعن التكيف عاطفياً مع أزواجهن؛ حيث تشير بعض الفتيات أن زواجهن كان أشبه بالشراكة الوظيفية، أكثر من كونه شراكة عاطفية، فضلاً عن ذلك فإن زواجهن في سن مبكر حرمهن من تعلم مهارات الحياة بشكلٍ عام، سواء في مجال العناية بالأسرة، والزوج والأطفال، مما يلجئ كثيراً منهن إلى الطلاق بعد فترة قصيرة من زواجها.

وكشفت دراسة ميدانية حول ظاهرة زواج القاصرات والاستغلال الجنسي لهن أعدها منتدى الزهراء للمرأة المغربية بشراكة مع الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، أن تدني القيم التربوية للأسرة وتراجع دورها والحاجة المادية وغياب دور المدرسة أسباب أساسية وراء زواج القاصرات وتعرضهن للاستغلال الجنسي، وقد أوضحت الدراسة أن الوسط الأسري لمعظم القاصرات يتميز بالجهل والاضطراب، ضعف متوسط الدخل الشهري لهذه الأسر وعدم قدرتها على تلبية الحاجيات والمتطلبات الأساسية لهؤلاء الفتيات، هذا بخلاف كونه مشحوناً بالخلافات ولا يبالي بهن ويفتقد للحب والحنان. مقابل إعلاء القيم المادية على حساب القيم التربوية.

ووفقاً لدراسة التي أجراها مركز أبحاث أنوثتي التابع لليونيسيف عام 2001 عن زواج الفتيات الصغيرات والمراهقات، فإنه في مثل هذه الزيجات، لا يكون لدى الفتاة الحق في قبول أو رفض الزواج وإنما يقوم شخص آخر بالموافقة بدلاً عنها، حيث يكون زواجاً بالإكراه، وفي عام 2010 وكلت لجنة حقوق الإنسان السعودية المرتبطة بالحكومة محامياً لمساعدة طفلة في الثانية عشرة من عمرها على الطلاق من زوجها الذي يبلغ عمره 80 عاماً.

أما في مصر فقد أجرت وزارة الدولة للأسرة والسكان قبل أعوام دراسة ميدانية موسعة حول زواج القاصرات، كشفت الدراسة أن أهم ما تتعرض له الفتيات من زواجهن وهن قاصرات هو العنف الجنسي والعلاقات غير الشرعية، فالطفلة تصطدم بمحترف كبير السن لا يبالي بضعفها ويطلب منها إقامة علاقات تؤذي صحتها البدنية والنفسية، وإن رفضت ما يريده.. ينهال عليها ضرباً، وغالباً ما تنتهي هذه الزيجات بالطلاق السريع، ومع عدم توثيق عقد الزواج تفقد الفتاة جميع حقوقها الشرعية، الدراسة أيضاً توصلت إلى أن زيادة المهور التي يدفعها غير المصريين للقاصرات في القرى الفقيرة، إضافة إلى فقر الأسر وانخفاض دخلها هي من أهم الأسباب التي تجعل الفتاة تلقي بنفسها في مثل هذه الزيجات، وأن أغلب الأزواج غير المصريين هم من دول خليجية.

ويشير تقرير تنمية المرأة العربية إلى وجود آثار سلبية صحية ونفسية واجتماعية لزواج الفتاة في سن مبكرة، حيث يترافق الزواج المبكر مع الانقطاع عن الدراسة في أغلب الأحيان، كما يؤكد التقرير أن عدد الولادات المتوقعة للمرأة يرتفع كلما كان عمر الفتاة أصغر عند زواجها، ما يترتب عليه حصول مضاعفات في الولادة تتسبب في الوفاة، وقد بين التقرير أن متوسط العمر في المجتمع السعودي عند الزواج عند النساء 23 سنة وعند الرجال 27 سنة، وهذا هو الممول الطبيعي المقبول، وهذا يدل على أن تزويج الأطفال أمر شاذ عن القاعدة التي يسير عليها المجتمع بالنسبة لعمر الزواج.

الدين يقول..

إن المجتمع الصالح أساسه الأسرة الصالحة التي تقوم وتبني على القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة، وبالتالي فإنه لا يتم صلاح الأسرة إلا بتوافق الزوجين وأهليتهما التامة للزواج حتى تستقر الأسرة وتستمر الحياة الزوجية، وقد توقف الشيخ عبد المحسن العبيكان سابقاً أمام قضية مهمة كهذه، بالقول: إذا كان الهدف من الزواج لا يصب في مصلحة الطفلين، أو كان الهدف مادياً، أو إعلامياً، أو يتصل ببعض الأمور التي لا تخدم مصلحة الطفلين فهذا حرام، ولا يجوز، ويجب منعه، لافتاً إلى أن الجهات التي يحق لها أن تمنع هذا الزواج هي المحاكم، داعياً إلى نزع الولاية عن ولي الأمر الذي يجبر ابنته على الزواج، مطالباً بالتفريق بين الزوجين وإيقاع العقوبة على ولي أمر الزوجة ومحاسبة المأذون الشرعي الذي عقد النكاح، فالطفلة البالغة 11 عاماً إذا كانت بالغة وعاقلة وتستطيع التمييز وكانت موافقتها طوعاً من نفسها يجوز زواجها أما إذا أجبرت يفسخ العقد.

مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ حذر الآباء وأولياء الأمور من تزويج بناتهم الصغيرات لأزواج كبار في السن يصل الفارق بينهما ما بين خمسين إلى ستين عاماً من أجل المال، مشيراً إلى أن هذه الأفعال دليل على فساد ضمير هؤلاء الآباء وقلة حيائهم، وقد قال سابقاً معقباً على هذه القضية المهمة: إن الزواج حق للفتاة وليس لوليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر»، قالوا: وما إذن البكر؟ قال: «صمتها»، وقد طالب آل الشيخ ولي الفتاة بعدم الانخداع بالأموال فيزج بوليته مع زوج قد لا يحصنها، وقد يفتح عليها آفاقاً سيئة وشروراً عظيمة ما يعلم بها الآباء ولا الزوج.

أما د.أحمد كريمة، من علماء الأزهر الشريف، فقد شدد على أن زواج القاصرات سواء المؤقت أوغير المؤقت مخالف للشرع جملة وتفصيلاً، موضحاً أن الشريعة الإسلامية تحرم وتجرم زواج القاصرات بصفة عامة لأن العقد لا بد أن يبنى عن رضا واختيار، والرضا والاختيار ينشأ عن البلوغ والعقل والرشد الذي يعني حسن النظر في الأمور والتدبر فيها، وقد أفتى د. سعيد عامر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، بأن زواج القاصرات زواجاً عرفياً هو حرام شرعاً، وأوضح بأن الاستدلال بزواج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها في سن مبكرة غير منطقي، فمن يتحججون بذلك يتناسون بأنهم ليسوا محمداً!، ومن المخزي أن نجد من باع ابنته وهي رضيعة لرجل ثمانيني، وأخرى ذات ثمانية أعوام زوجها والدها لرجل خمسيني دون علمها، إذن مواجهة زواج القاصرات والحد منه ضروري، فالشريعة تؤمن لكل أفراد الأسرة حياة اجتماعية هانئة سعيدة قوامها المودة والحب والتراحم والتعاون، وتحقق الاستقرار والسكن النفسي والثقة المتبادلة للرجال والنساء.

مرصد الأزهر الشريف قد ذكر في تقرير صادر عنه حول موقف الإسلام من زواج القاصرات، بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عقد على أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- بموافقة وليها الشرعي، إلا أنه لم يدخل بها إلا بعد أن أصبحت تطيق الحياة الزوجية من معاشرة وغيرها حسب طبائع وعادات الناس في ذلك الزمان، ولم يكن زواجه منها صغيرة واقعة عين حتى نستغربها، وإنما كانت ثقافة وعادات العصر في ذلك الوقت تجيزه، والحوادث والتاريخ شاهد على ذلك، وهو ما يدل على أن الأحكام التي تحيط بزواج الصغيرة، عقدًا ودخولًا إنما هي بنت بيئتها، وظروفها الاجتماعية مع مراعاة أعراف الناس في كل عصر ومكان، وزواج السيدة عائشة في تلك السن، لم يكن في عصر النبوة مستغربًا ولا مرفوضًا من المجتمع، ولم يكن مسبة يشنع بها على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -، إذ لو كان زواجه عليه الصلاة والسلام منها صغيرة مرفوضًا لما سكت المشركون عن ذلك، ولنالوا وانتقدوا فعله ورفضوه ولكن هذا لم يحدث، كما أن الزواج من الصغيرة لم يكن سمة المسلمين وحدهم، بل إن تراث غير المسلمين جدًا مليء بمثل هذه القضايا، التي كانت مقبولة في عصرها ومكانها.

وأشار التقرير إلى أن المسلمين كان لهم فضل السبق الحضاري في تحديد سن الزواج قبل الغرب بأكثر من 150 عامًا تقريبًا، منذ أن أقر الفقهاء في منتصف القرن ال19، بتحديد سن الزواج ب15 عامًا في المادة 986 من مدونة الأحكام العدلية التي وضعها الفقهاء إبان الدولة العثمانية.

أفلام ومسلسلات

«أنا نجود بنت العاشرة ومطلقة»، كان هذا عنواناً لفيلم صوّرته خديجة السلامي في اليمن، لكن بطريقة سرية؛ حيث إن قصّته مثيرة للجدل، وهي مستوحاة من أحداث حقيقية، حيث أرغمت عائلة الطفلة نجود ابنتها، البالغة عشر سنوات من العمر، على الزواج من رجل يكبرها بعشرين سنة. كانت نجود طفلة بريئة في عمر الزهور تلعب بدميتها، قبل أن تغتصب براءتها وتزوّج غصباً، ونجود هي الفتاة التي جذبت انتباه العالم لقضية زواج القاصرات في اليمن عام 2008. واستحقت على شجاعتها وجرأتها لقب «امرأة العام 2008».

الفيلم يعرض القسوة التي تعرضت إليها نجود وجعلتها تصنع تاريخاً في اليمن بتمرّدها وهروبها ثم حصولها على الطلاق، بعدما رفعت شكوى على والدها. وقد تبنت عديد من المنظمات الدولية قضية نجود التي وجدت نفسها، وهي في سن العاشرة امرأة مطلّقة، ويتناول الفيلم أيضاً وطأة التقاليد في اليمن وضعف التعليم والفقر والأمية والجهل.

القضية أيضاً تناولها الفيلم المغربي حياة بريئة بطولة: حفيظة باعدي – حميد باسكيط -جمال الدخيسي والطفلة ياسمين العلوي، ومن إخراج مراد الخودي، الذي شكل فيلمه صرخة سينمائية ضد زواج القاصرات بطريقة فيلمية لا تخلو من تشويق وتوظيف جمالي للأمكنة والفضاءات التي يختارها المخرج مستعيناً بتكوينه التشكيلي والسينمائي، ليضيء عتمة التابوهات المتوارثة.

أما الدراما فقد تناولت القضية في أكثر من عمل درامي من قبل، منها مسلسل القاصرات لمؤلفته سماح الحريري وإخراج المخرج الكبير مجدي أبوعميرة، وأداء نجوم كبار مثل صلاح السعدني وداليا البحيري وياسر جلال وعايدة رياض ورشوان توفيق، وقد نجح المسلسل في إثارة التقزز والاشمئزاز نحو استغلال القاصرات من خلال مشاهد عدة، منها مشهد ليلة الدخلة، والتي تنتهي بمأساة وفاة العروس التي كانت تراقب في هلع مراسيم العرس، وفي عيونها آلاف الأسئلة وهي تستذكر الأوهام الوردية التي وعدت بها، لتكون نهايتها بين يدي زوجها الكهل في أول ليلة، لتبدأ بعدها طقوس الفساد وتغلغل الرشوة التي يبدأ المجرم في نثرها هنا وهناك لتغطية الجريمة.

المملكة تحارب زواج القاصرات

في عام 2000م، انضمت المملكة إلى اتفاقية عام 1979م لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مع تحفظ عام على النصوص التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتنص المادة 16/2 من هذه الاتفاقية على عدم شرعية تزويج الفتيات صغيرات السن وتوجب على الدول سن قانون يحدد الحد الأدنى لسن الزواج، ووفقاً لاتفاقية حقوق الطفل، تنتهي مرحلة الطفولة في سن 18 عاماً.

مجتمعياً.. فقد أخذت الجمعيات النسائية مثل جمعية الوفاء الخيرية النسائية، وجمعية النهضة النسائية التي أسستها صاحبة السمو الأميرة عفت الثنيان آل سعود سنة 1395ه، على عاتقها توفير الملاذ الآمن للمعنفات من النساء والقاصرات المطلقات بالتعاون مع أجهزة الدولة، وفي الوقت نفسه، تتضافر جهود الدعاة وعلماء الشريعة وعلماء النفس والاجتماع من أجل مؤازرة أصحاب القرار في المملكة من اجل إنهاء مسألة زواج القاصرات، التي تتميز بأنها ذات حساسية شديدة لأنها ليست مسألة قانونية فقط أو اجتماعية فحسب، بل شرعية في مقامها الأول.

وزارة العدل السعودية أكدت أن زواج القاصرات لا يعد ظاهرة كبيرة متفشية في المجتمع السعودي، وقد صرح أ.د. عبدالعزيز الفوزان، عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان، وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، بأن الترويج الدائم إعلامياً لزواج القاصرات إساءة إلى السعودية، معتبراً الحالات فردية ولا يجب المبالغة فيها.

نحو مجتمع واعٍ

المجتمع بمؤسساته كافة مسؤول عن هذه الزيجات التي تنتهك براءة الطفولة، وظلت تمارس بمنأى عن العقاب والمساءلة لعقود مضت، تواطأ عليها الآباء والأزواج ومأذونو الأنكحة، لذا حان الوقت لتوعية الآباء والأزواج ولجميع أفراد المجتمع بخطورة هذه الممارسة وضررها على الصغيرات القاصرات، فالمجتمع سوف يتأثر بوجود حالات الطلاق الحاصلة من كثرة الزواج بالقاصرة؛ لكون هذا الشيء يزيد من حالات الفساد والتشرد للأطفال الذين ينشأون من جراء هذا الزواج المتسرع.

لذا فإن د.ناهد كمال الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرآة ترى أن وسائل الإعلام والمناهج الدراسية يجب أن تهتم بهذا الجانب بشكل خاص، وأن يقوم الأطباء وعلماء النفس والاجتماع بدورهم في التوعية الصحية والاجتماعية عبر القنوات المعروفة، وينبغي لرجال الدين التأكيد على أهمية استيفاء عقود الزواج كل الشروط التي تحقق العدالة للزوجة وعدم الإضرار بها ومنها تقارب عمر الزوجين، ولا بد من استصدار قانون يحدد السن التي تتزوج فيها الفتاة بحيث لا يقل عن ثمانية عشر عاما، حماية للفتاة من مخاطر الزواج المبكر، والعمل على أن يكون عمر الزوجة مدوناً في العقد منعاً من التلاعب والتحايل.

وتضيف: من الضروري تفعيل المساعدات الاجتماعية في محاكم الأسرة كآليات مساعدة للقاضي في ملفات الزواج، مع القيام بحملات توعوية من طرف وزارات العدل والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية بالدول العربية كافة، ويمكن لجامعة الدول العربية أن ترعى هذه الحملات، لتوفير الحماية والوقاية للأطفال وصيانة حقوقهم في التعليم والتكوين والتأمين الصحي، مع تعزيز دور جمعيات المجتمع المدني لمحاربة تزويج الفتاة القاصر، مع محاربة كل أنواع العنف ضد المرأة بما يتلاءم مع المواثيق الدولية.

زواج القاصرات

زواج القاصرات

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015