إيمان أحمد ونوس/ جريدة الحياة- في جلساته المنعقدة أخيراً، وافق مجلس الشعب السوري على قانون مجهولي النسب وسط احتدام النقاش والخلاف حول القانون المطروح تحت قبّة البرلمان، حيث تعددت الآراء (وفق صحيفة الوطن) ما بين رافض بالمطلق له، وبين موافق عليه، وبينهما من هو معترض على منحهم الجنسية السورية، وضرورة إيلاء الأهمية أولاً وأخيراً «لأطفال الشهداء من الجيش العربي السوري».
فالرافضون مشروع القانون رأوا فيه مبالغة كبيرة، باعتباره يُشكّل خطراً على المجتمع السوري من منطلق أن أولئك الأطفال هم ربما أبناء لمن ساهم في قتل سوريين على مدى سنوات الحرب، ومن ثمّ ماذا لو عُرف نسبهم فيما بعد؟
أمّا الموافقون فقد رأوا في المشروع ضرورة تشريعية قانونية لأنه يعالج إشكالية يعاني منها المجتمع، بسبب الحاجة الماسّة لتوفير سبل العيش والحياة الكريمة لمجهولي النسب، وبالتالي الحفاظ على حقوقهم عموماً أسوة بباقي الأطفال في المجتمع. وقد اعتبر بعضهم أن تجاهل مشروع القانون وهذه الشريحة من الأطفال يُشكّل خطورة كبيرة، ويحوّل مجهولي النسب إلى سلاح ضدّ المجتمع، لا سيما أن هؤلاء ضحايا وليسوا متهمين، مع تأكيد رعايتهم ضمن دور رعاية خاصة محكومة بالأنظمة والقوانين تُنتجُ طفلاً قادراً على الاندماج والتفكير السليم.
أمّا الذين يقفون ما بين هذين الرأيين من النواب، فقد اعتبروا أن القانون يجب أن يستهدف قاعدة بيانات معينة يتمُّ على أساسها تناول الموضوع. كما تحفّظوا على موضوع الجنسية وإعطاء الحقوق السياسية لمجهولي النسب ومساواتهم بالأطفال العاديين.
وقد لاقى هذا النقاش أصداء له في الشارع السوري تباينت من خلالها الموقف مثلما تباينت داخل المجلس. فقد رأت ندى أن من واجب الدولة اليوم الاهتمام أولاً وأخيراً بأبناء الشهداء، والذين قدموا أرواحهم رخيصة للحفاظ على الوطن، وبالتالي فإن أولادهم أحق من غيرهم برعاية الدولة وحفاظها على حقوقهم ومستقبلهم.
أمّا هناء، فقد رأت في مجهولي النسب ورثة لأولئك الذين استباحوا البلاد والعباد، وعاثوا فيها خراباً وفتكاً وقتلاً. وسألت كيف ترعاهم الدولة التي حاربها آباؤهم؟
نهى رأت في القانون لفتة إيجابية ضرورية وهامة من الدولة لأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا زمن الحرب من نسب مجهول، كما رأت أن مسؤوليات الدولة يجب ألا تقتصر على شريحة من دون الأخرى (في إشارة إلى الرأي القائل إن أبناء الشهداء أولوية وحيدة)، بل يجب أن تسير بالتوازي والإنصاف ما بين هؤلاء وأولئك طالما أن الجميع على أراضيها وفق ما ينصُّ عليه الدستور واتفاقية حقوق الطفل الدولية، التي صادقت عليها سورية. لكن وائل اعتبر أن المسألة برمتها مسؤولية جميع الدول التي جاء منها مسلحون قتلوا السوريين بدم بارد، وبالتالي لسنا مسؤولين عمّا خلّفوه وراءهم من أبناء.
واعتبر صبحي أن المرأة السورية تعرّضت للاغتصاب في مختلف المناطق التي شهدت حرباً لم تستثنِ أخلاقياتها طرفاً من دون الآخر، وبالتالي فإن أولئك الأطفال هم مسؤولية الدولة أينما وجدوا على أراضيها. ثمّ، لماذا علينا الافتراض أن مجهولي النسب خونة لا يستحقون الجنسية، في حين كان هناك من يحمل الجنسية السورية وقتل السوريين فخان وطنه.
هذا وكانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريما قادري، الجهة التي وضعت مشروع القانون، قد أشارت في معرض ردّها على النواب أثناء مناقشة القانون، إلى أن الوزارة لا تمتلك إحصاءات وبيانات دقيقة لأعداد مجهولي النسب، فالعدد متغيّر باستمرار، والأمر رهن استكمال إعادة الأمن والاستقرار إلى كامل الأراضي السورية. كما أن مشروع القانون شديد الوضوح من ناحية الرعاية والتدابير والإجراءات تجاه هذه الفئة، ويضبط عمل أيّ جهة مسؤولة عن تقديم الرعاية لهم. وأوضحت أن لدى أمانة السجل العام سجلاً خاصاً للطفل مجهول النسب من دون الإعلان عن أنه كذلك.
كما بيّنت القادري أن مشروع القانون من الجهة الرعائية هو واجب وضرورة للمحافظة على المجتمع السوري، فالأطفال هم ضحايا وليسوا مذنبين، وإذا ما أهملت هذه المسألة فسيكون لها انعكاسات اجتماعية سلبية مستقبلاً.
وأوضحت أن مواد المشروع (من 20 إلى 25) عالجت موضوع ما إذا تمّت لاحقاً معرفة النسب الحقيقي لمجهول النسب، وإلا فإنه يُسَجَّلُ عربياً سورياً ما لم يثبت خلاف ذلك، ومسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك.
من جانبه، أكّد الدكتور أحمد الكزبري رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب أن المشروع يُظهر اهتمام الدولة الكبير بالجانب الاجتماعي، وعملها الدؤوب لحماية المجتمع من أيّ أبعاد سلبية في المستقبل قد تنتج من تجاهل هؤلاء الأطفال أو عدم احتضانهم. وأضاف أن المشروع يُعزز التزام الدولة بالاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل والإنسان والمواثيق الدولية الأخرى، فضلاً عن أنه يتطابق مع الأحكام العامة للشريعة الإسلامية على اعتبار أن أحد المقاصد الأساسية للشرائع السماوية هو صيانة النفس وحفظها.
وحول اللغط الذي أُثير تحت قبة البرلمان عن علاقة المشروع بالمرسوم التشريعي المتعلّق باللقطاء، أشار الكزبري خلال لقائه صحيفة «الوطن» إلى أن مشروع القانون الجديد جاء لينص على مضمون القوانين والتشريعات السابقة ذات الصلة وفق صياغة تشريعية جديدة، مُبيّناً أهداف القانون المتمثلة في تحديد واجبات الدولة والمجتمع تجاه رعاية مجهول النسب وحمايته من التعرّض للإساءة، وتنظيم إنشاء دور الرعاية الحكومية والخاصة وتنظيم الرعاية البديلة لدى أسرة من طريق عقد الإلحاق وفق ضوابط ومعايير وشروط معينة.
إذاً، لقد أثمرت الجهود المجتمعية المدنية والأهليـــة، وكُنّا عبر «الحياة» استعرضنا واقع هؤلاء الأطفـــال، عن وجود قانون يحمي حقوق مجهولي النسب ويحفظ كرامتهم ليكونوا في المستقبل أُناساً فاعلين وإيجابيين تجاه أنفسهم والمجتمع والدولة.