عيد الأم حنين وترقب وحزن يملأ المكان
أم سورية تجلس فوق أنقاض منزلها المدمّر/ أرشيف

الهيئة السورية للاعلام- ما تزال صورة أبنائها عالقة في مخيلتها، ولا يزال صدى ضحكاتهم وعبق أنفاسهم يملأ المكان، حتى مشاجراتهم الصغيرة لا تزال تدور في ذهنها ولم تشأ أن تغادرها لو للحظة.

أدركت تلك السيدة الستينية من العمر، وهي أم لأربع شهداء وابن آخر معتقل بأن فراقها لأبنائها الشهداء كان بمثابة الوداع الأخير، وأنها دخلت مرحلة جديدة قد تصفها أحيانا باليتم لتشعر مع أولئك الأيتام الصغار بيتمهم و تشاركهم كسر مشاعرهم.

فاليوم قد رحل من ملأ المكان بحديثه، و تلاشت معه الأحاديث الجميلة، وتلك اللمسات الناعمة خرجت من ذلك البيت بدون استئذان.

لم تتوقع أن تلقب بالخنساء يوما أو تحصل ذات لحظة على لقب أم الشهداء كما أخبرتها جاراتها؛ بدون شك هو لقب كبير لا يستحقه  إلا القليلات والنخبة منهن. فقد كانت قادرة على تناسي حزنها وآلامها لأن أمثالها كثر من آلاف الأمهات السوريات اللواتي فقدن أبنائهن أو فقدن عزيز. فهي اليوم قادرة على تخطي حزن المرحلة، وبوسعها أن تنتظر فرحا يلوح في الأفق؛ ربما خبرا عن ابنها المعتقل في سجون الموت لتكون فرصتها في الحياة أكبر؛ لتقول لنا: (أنا أحيا اليوم على مجرد خبر).

تلك هي حالة الأمهات السوريات، لم يعد يجمعهن حنين تلك الجلسات العائلية الصغيرة، ولا المشاكسات الناعمة بين الأبناء، فكل البيوت في سوريا اليوم باتت مرهقة، وأتعبها الموت، وبعثرها التهجير، و لم يعد يجمعها اليوم سوى خبر ينقل عبر حروف الكترونية  تفتقد الأحاسيس، ولكنها تحرك أحيانا بعضا من المشاعر.

اليوم تحتفل كل الأمهات بالعيد إلا في سوريا يأتي هذا اليوم لتكفكف الأمهات دموعها وترسم بسمة رضا على محياها، لعلها تسمع صدى ذلك الصوت يعود مهنئا، ولكن لا صدى يرجع ولا صوت يسمع ألا صوت الأرض التي تحنو على ذلك الجسد الطاهر، وصورة رخام القبور الشامخة التي تعتليها، أرض استحقت صمود الأم الأسطوري وبقاءها، فدفعت أبناءها للتضحية من اجل الأم الكبرى ولأجل هويتهم وهوية هذا الوطن.

إنها الأم السورية أيقونة الصبر ونبع العطاء وسيدة النساء، هي من يأتي عليها هذا اليوم وحيدة تعاني القهر والويل في الوطن أو المهجر أو في المخيمات، ناذرة أبناءها قرابين الوطن ليكسروا بارادتهم الظلم و الاحتلال.

لكنها أضحت اليوم لا تكابد آلام ومصاعب الغربة والفقدان.. فقدان كامل ليس لمن أصبحوا تحت الثرى أو مغتربين أو على الجبهات لان ذلك أصبح أمرا اعتياديا بالنسبة لها فهي اليوم قد اعتادت القهر و الخذلان، بل افتقاد أمور أساسية حيوية لا تستطيع أن تعيش بدونها، ولكن صبرها فاق كل الحدود. فعملها اليوم مزدوج عمل رجل وامراة  فقد أضحت معيلة أسرتها بعد غياب أو استشهاد زوجها ويتضاعف حملها مرات و مرات مع انعدام أو تردي الوضع المعاشي لتصبح عينا ترقب الغائب البعيد وعين على اطفالها خوف مرض او موت او تعب جراء الظروف الراهنة.

أين العالم من أمهات سوريا و أمهات الشهداء و المعتقلين اللواتي أتعبهن الحنين و أرهقهن الانتظار ؟ اين العالم من أولئك الأمهات المعتقلات في المعتقلات و السجون ؟!

مع كل حرف تكتب همسة حنين و صرخة أمل ولا نكاد نوصف جزءا من آلامهن .. بدون شك هي الأم السورية ثابتة  ثبوت الجبال  صامدة صمود سوريا الأم لا تتغير بتغير الزمان والمكان ولا الأحداث ، فيبقى هدفها ثابتا في تربية أبناءها تربية صحيحة سليمة لتبني اسرة متماسكة لمجتمع قادم افضل.

إن ما عرفت به المرأة السورية من صبر وتضحيات وتحديات عبر الزمان. إن من ضحت بفلذات كبدها وما تبعها من زينة الدنيا جديرة بأن يحتفى بها دائما فاليوم الواحد لا يقدر عطاياها ولا يستطيع أن يوجز صبرها وحزنها  فكل يوم يشرق تشرق معه بطولات نسائنا ويكبر أملهن وأملنا بفرح قريب.

أم سورية تجلس فوق أنقاض منزلها المدمّر/ أرشيف

أم سورية تجلس فوق أنقاض منزلها المدمّر/ أرشيف

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015