الشرق الأوسط- احتفل العالم أمس؛ 1 مايو (أيار)، بـ«عيد العُمّال»؛ مناسبة تتوج واحداً من أعظم الانتصارات التي تحققت للبشرية عبر الأزمان. لا شك في أن قانون العمل الذي تحدد بـ«8 ساعات»، وحقوق العامل، خصوصاً حمايته من الاستغلال، وضمان بيئة عمل آمنة وصحية، مع حقه في الضمان الاجتماعي، والتأمين ضد التعّطل… هي كلها منجزات مهمة وتاريخية أضافت الكثير لرصيد الحضارة البشرية.
لم يتحقق هذا المنجز إلا بنضال شرس وتضحيات قاسية. اليوم هناك أكثر من 92 دولة حول العالم تحتفل بهذه المناسبة، وهي تتذكر التضحيات الكبيرة التي قام بها آلاف العمال حول العالم؛ وفي شيكاغو خصوصاً، والشهداء الذين صعدوا على أعواد المشانق هناك لكي يضمنوا للأجيال المقبلة من بعدهم حقوقاً تمثل مدماكاً للعدالة الاجتماعية.
ما نراه اليوم طبيعياً، وحقاً مكتسباً، وهو نظام العمل القائم على تحديد 8 ساعات للعمل، كان يوماً من الأيام حلماً لملايين العمال حول العالم. لقد أصبح الأمر مخيفاً مع الثورة الصناعية وجشع الرأسمالية؛ حتى إن فرنسا بعد ثورة فبراير (شباط) 1848 تمكنت بالكاد من تقليص ساعات العمل لتصل إلى «12» ساعة يومياً… المقابل لهذا القانون هو نظام «السخرة» الذي ورثته البشرية منذ قرون.
العمال بصفتهم حجر الأساس في النظام الاقتصادي، وقوة الإنتاج، كان لا بد من النظر لهم على أنهم بشر لهم مكان في النظام الاجتماعي، ولهم حقوق في النظام السياسي، وهم رافعة الدولة بوصفهم يمثلون الطبقة الوسطى. عدا ذلك، فإن تهميشهم أو إضعافهم أو امتهان كرامتهم لا يستقيم مع التنمية والتقدم وبناء الدولة الحديثة والقوية. كيف يمكن للثورة الصناعية أن تزدهر وقوى الإنتاج تعاني من الظلم والقهر؟ كيف يمكن للعقل البشري أن يبدع وهو مسلوب الحرية والكرامة؟ هنا نفهم ماذا فعله نضال الشعوب لتحسين ظروف العمل والعمال ليس في تصليب قوة الطبقة الوسطى التي أصبحت العمود الفقري للدول الحديثة فحسب، ولا في القفزات الصناعية الهائلة فقط، بل إن هذا الإنجاز وغيره ساهمت جميعها في تحفيز الإبداع البشري لكي يصل اليوم إلى ما بعد العصر الرقمي.
قانون العمل لم يأخذ بضع ساعات من أرباب العمل، بل وفّر لهم عمالاً نشطاء وأكثر ولاءً، ولديهم الرغبة في التفاني من أجل عملهم.. كلما شعر الإنسان بالراحة والحرية والاحترام كان أكثر إخلاصاً ووفاءً وعطاءً.
لم تكن السياسة بعيدة، لكن ضمان قانون العمل، كان أكثر نفعاً من كل السجال الآيديولوجي (الماركسي غالباً) الذي انشغل بتصنيف العمال بوصفهم «طبقة» اجتماعية تمثل قوى أفرزتها الرأسمالية، نشأت عنها «البروليتاريا» التي تمثل عمالاً لا يملكون وسائل الإنتاج وهم الأغلبية… كل ذلك كان محاولة استثمار القوى العمالية سياسياً وآيديولوجياً. ما كان مهماً هو ولادة القانون والسهر على تطبيقه، وعندها يتحول العمّال من مجرد أدوات ووسائل للإنتاج إلى محركات للإبداع.
من حسن الحظ أن هذا تحقق، ولكن من سوء الحظ أنه وفدَ إلينا على أنه منتج حضاري غربي، يصطف مع غيره من المنتجات الهائلة التي نستهلكها وننعم بخيرها، وهي حصيلة عقول وتجارب شعوب وأمم أخرى.
إلى جانب هذا الإنجاز، هناك «الشرعة الدولية لحقوق الإنسان»، التي تتشكل من: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (اعتمد في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948)، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (23 مارس/ آذار 1976)، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (16 ديسمبر 1966)، وكذلك حقوق المرأة؛ سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، فضلاً عن المنتجات المهمة الأخرى… منتجات تؤكد أن مساهمتنا في الحضارة الإنسانية ما زالت محدودة؛ إن لم تكن منعدمة!