Tayyaba Rizwan/feministconsciousnessrevolution- يعطي كتاب ”نساء مجنونات في العليّة” وهو من تأليف امرأتين استثنائيتين وقويتين، “سوزان جوبار” و”ساندرا جيلبرت”، نظرةً على التمثيل المختزل للنساء في الأدب الفيكتوري.
تمّ تصوير الشخصيات النسائية (غالباً كنّ نساء بيضاوات ومغايرات) في هذه الفترة المزدهرة كأجساد هشّة ومنصاعة وعلى استعداد للسقوط من أول نظرة إلى الشمس، أو شريرات، متمرّدات كارهات للرجال. هذا التشويه ليس شيئاً استثنائياً في تلك المرحلة، بل هو نتاج للعمل الدؤوب للنظام الأبوي، والذي لم يدخر جهداً لتجسيد هذه التصوّرات. سواء في الطب، أو الإعلانات أو العرف الاجتماعي. لقد سادت قيمه وأثّرت في كلّ شيء.
يُعتبر الطب في الوعي الشعبي من أكثر الأعمال الخيّرة. وكلمة “العلم” نفسها تفرض في موضع الحقيقة قبل الأخيرة في عالم الاقتصاد الاستهلاكي اليوم. بالرغم من ذلك، فإن العلم والطب، مثل أي مؤسسات أخرى، تمّ اختراقها بدفعات كبيرة من التمييز الجندري وجرعات من هَوَس الربح. إنها أيدلوجية أخرى تمّ ابتكارها من قبل أقليّة مُهَيمنة: غالباً رجال بيض، ورجال ينتمون للطبقة العليا. وتحصل على الشعبية من خلال مخطط تسويق دقيق.
لكن دعونا نرى كيف تمّ هذا الدمج الخطير بين الذكورية والعلم في مجال علم النفس
علم النفس هو الدراسة العلمية للدماغ البشري، وقد شهد عبر تاريخه العديد من الدراسات الكارهة للنساء حدّ العبث. على سبيل المثال، ما يُوصف “بالهستيريا”، ،وهو مرض يبدو أنّ من يعاني منه حصراً هنّ النساء بسبب مزاجهنّ ”المُفرِط ” و “وأرحامهنّ المتنقّلة”، وقد تمّ استخدامه لقرونٍ طويلة كحجّة لإسكات النساء، ولحصرهنّ في حدود منازلهنّ عن طريق وصمهنّ بأنهن “هستيريات” أو غير فعّالات. وتمّ منعهن إثر ذلك من الالتحاق بالجامعات، دراسة الطب، أو تولّي مناصب مهمة، حيث تمّ اعتبارهن غير مستقرّات عاطفياً، مما حوّلهنّ بشكل أساسي إلى “سجينات مُحاصَرات في العليّة”. ودعمت الدراسات النفسية هذه الادعاءات بشكل كبير.
بقيت الهستيريا لوقتٍ طويل ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية حتى الخمسينات من القرن السابق. ولم يكن عالم النفس سيجموند فرويد، وهو عالمٌ تمّ تمجيده بشكل كبير، استثناءً لهذه القاعدة. فهو معروفٌ ليس فقط بإدخاله للمبادئ النفسية في الدراسات السريرية، لكن أيضاً بصياغته لنظرية “حسد القضيب”. وبناءً على هذه النظرية فإنّ الفتيات يمررن بمرحلةٍ من حالة عدم الثقة والعجز في الفترة الأولى من حياتهنّ عندما يدركن أنه ينقصهنّ هذا العضو الذكري البارز؛ ما يجعلهنّ يشعرن بأنهنّ غير مؤهّلات، وهنا تبدأ عملية ترويضهنّ.
كان فرويد بلا شك نتاجاً لذلك الزمن، الذي شهد تأسيس مدارس فكرية متعدّدة في علم النفس، والتي امتدت إلى عصرنا أيضاً. حيث لازال يسود الاعتقاد بأنّ الميول العصابية أكثر لدى النساء، وهذا ينعكس في العديد من الاختبارات التشخيصية التي يستخدمها المهنيون. ونتيجةً لذلك، من المرجّح أن يتمّ وصف جرعاتٍ كبيرة من الأدوية للنساء. كما يزيد ذلك من احتمال احتجازهنّ في مؤسسات نفسية منفصلة.
وهناك أيضاً إخفاءٌ مُمَنهَج لعالمات النفس من الكتب الأكاديمية والمناهج التعليمية. أخبرتني زميلةٌ تدرّس علم النفس في كلية سيدة شيري رام “أول مرة درَّستُ فيها عن عالمة نفس كانت عن منعها من دخول فصول “ويليام جيمس”، رائد علم النفس الوظيفي”.
نستطيع أن ننظر إلى كل هذه الإحصائيات والدراسات المُحرَّفة كإنعكاسٍ للمجتمع الذي نعيش فيه، بمعنى أن الأقليّات الجندرية تعاني من أنواع مختلفة من التمييز والتهميش، والذي يؤثّر بشكل كبير على صحتهم/ن العقلية. وعلى مستوى آخر، هناك أيضاً منظور اجتماعي معتَمَد لبناء ورؤية المرض والإعاقة. ومن هو صحيّ ومن هو مريض؟ ومن يقرّر أنه كذلك.
فكرة الصحة العقلية و الجسدية، متجذّرة في القيم المجتمعية. فعندما يتوافق الناس مع المعيار السائد المتوقّع و“المحترم”، يتمّ النظر إليهم/نّ على أنهم/نّ عناصر صحيّة في المجتمع. فيما يتمّ وصم الصوت التخريبي لهذه المعايير بأنّه مريض أو غير طبيعي.
هذه القيم نفسها من تخبرنا أيّاً من النساء هي أنثى ومن ليست كذلك، أيَّ جنسانية هي الصحيّة وأيها المريضة، و أيّ إطار عقلي هو المقبول. وهي من تنتج أنواع الأجساد المسموحة، وتُشرّح العواطف وتحدّد المُحَرَّمات.
في وقتٍ ما، اعتُبِرَت النساء الناشطات بأنهنّ متوَهّمات، ونُظِرَ للصفات الأنثوية بأنها طفولية. وعلاوةً على ذلك، خلال وقتٍ طويل اعتُبِرَت المثلية “مرض”، ولاتزال هذه الخرافة سائدة في الكثير من الأماكن. ويُنظّر الآن للتقلّبات العاطفية/المزاجية الناتجة عن الآم الدورة من خلال عدسةٍ مرضيّة. وتجدُ مثل هذه التحيّزات جذورها في التصوّر عن ماهو الطبيعي: فالطبيعي بالنسبة للأبويّة ينطلق من معيار، الرجل المُغاير. وإذا لم يتناسب الشخص معها؛ فإنها تستخدم الطب النفسي، المال و القوة الوحشيّة لفرض هذا التأقلم.
أظهر تقريرٌ للجمعية الأمريكية لعلم النفس الصادر في “العلم من أجل المجتمع و العامة”، المجلد 107، كيف كان يمارس علماء النفس هذه القيم المُضلّلة والمغلوطة:
قالت عضوةٌ في الجمعية الأمريكية لعلم النفس ”تمّت مساءلة نسويتي من قبل معالج نفسي ذكر وهو زميل لي، عندما اختلفتُ معه حول مبادئ الزواج وتربية الأطفال. كلّ علماء النفس الذين تعاملتُ معهم كانوا ذكوراً. عددٌ منهم قاموا بالسخرية من العمل، والكتابة، والبحوث والأفكار الصادرة من النساء والتي تطرح آراءً مختلفة لتلك المقدَّمة من قبل ذكور (مثلاً، أيّ سؤال حول نظرية فرويد “حسد القضيب” كان يتم التعامل معه كنكتة)”.