نون بوست- ” لن أقع أسيرة في يدهم (تنظيم الدولة الإسلامية)، سأترك قنبلتي اليدوية لآخر لحظة، وسأفجر نفسي عند نفاد ذخيرتي” بهذه الكلمات تروي القيادية مريم في تقريرٍ مصوّر، وهي إحدى المقاتلات الكرديات في مدينة كوباني أو عين العرب، قصة صديقتها التي كانت قائدة مجموعة مؤلفة من 12 مقاتلة تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية، حاصرها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في أحد المباني التي كانت المجموعة قد اتخذته مقرًا لها.
ربما تكون مريم وصديقاتها من إحدى المقاتلات اللاتي تم نشر صورهن في كل من الإعلام الغربي وكذلك العربي، بصورة من الفخر بالمرأة التي تشارك جنبًا إلى جنب مع الرجل، بل وتتسلّم راية القيادة نفسها بعد أن كونت تنظيمًا نسويًا خاصًا بهن اسمه “وحدات حماية المرأة” والتي يُرمز لها بـ(YPI)، وتُشكل نسبة ثلث المليشيات الكردية، ولها حصة مناصفة عسكريًا وسياسيًا ومدنيًا في المناطق الكردية.
ما هي وحدات حماية الشعب الكردي؟
تُعرف أيضًا بوحدات الدفاع عن الشعب، وهي المليشيات المسلحة الرئيسية للجنة الكردية العليا، في حكومة كردستان في سوريا والعراق، وتضم الوحدات مسلحين أكرادًا في الأساس، لكنها تُجند أيضًا بعض العرب والأتراك وكذلك الغربيين.
وتعد الوحدات نفسها جيشًا ديمقراطيًا للشعب، إذ يعين فيها الضباط بواسطة انتخابات تجرى داخليًا، ويُنظر إليها على أنها الفرع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأنها موالية لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
أما عن “وحدات حماية المرأة”، فتكونت عام 2012، وبحسب الإعلام الكردي، كان لتلك الوحدة دور مهم في معركة مدينة “كوباني” أو “عين العرب”.
خضعت أغلب النساء في وحدة حماية المرأة للتدريب العسكري، ودورات علمتهن حمل واستخدام السلاح، بل كان اشتراك أغلبهن في تلك الدورات تشجيعًا من أفراد عائلاتهن خصوصًا الرجال منهم، زعمًا بأن هذا العمل سيضمن حقوق المرأة الكردية ويجعلها مساوية للرجل.
تضم وحدات حماية المرأة الآلاف من المقاتلات الكرديات تتراوح أعمارهن بين 18 و40 سنة، يقاتلن بشكل تطوعي، وفي كل مدينة كردية يوجد مركز تدريبي تدرب فيه المقاتلات على استعمال مختلف أنواع الأسلحة وإعدادهن بدنًيا ونفسيًا للتعامل مع مختلف الظروف.
كيف كانت ردة فعل العالم الغربي؟
تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من صعود الراديكالية بمختلف أنواعها السياسية والدينية والمجتمعية، كما برز أيضًا الدور الراديكالي النسوي بنسخته الدينية شديدة التطرف المتمثلة في الجهاديات ضمن تنظيم الدولة الإسلامية، ونظيرتها اليسارية المتمثلة في المقاتلات الكرديات في “وحدات حماية الشعب الكردي”.
ولكننا نجد أن تضخيم صورة المرأة المقاتلة في صفوف “وحدات حماية المرأة” ظلم المرأة الكردية بالفعل، لا سيما أننا لا نجد المرأة الكردية حرة ومساوية للرجل دون وجودها داخل التنظيم، باختصار صورة المقاتل/ المقاتلة بمن يحمل القيم، ومن لا ينتمي ضمن تلك المؤسسة العسكرية، يكون أقل قدرًا واحترامًا في المجتمع، وبالأخص المرأة الكردية المدنية.
يمكن أن نقول بأن تكريم المقاتلة الكردية في الإعلام، لا يبدو إلا امتدادًا لصورة المرأة الغربية المستقلة، والتي تحصل على حقوقها مثلما يحصل الرجل، وبهذا تكون المرأة الكردية نموذجًا مماثلاً لها في منطقة الشرق الأوسط.
كما هو الحال بالنسبة للمرأة التركية، ففي تقرير صحيفة “ميدل إيست آي” عن المقاتلات الكرديات، كان منهن تركيات أكراد قمن بتوضيح أن الدافع وراء مشاركتهن في تلك المؤسسة العسكرية هو عدم سماح المجتمع التركي للفتاة التركية بأن تعيش حياتها كما تحب أن تعيشها بحرية، لتجد حريتها في كونها ضمن مؤسسة عسكرية تدافع عن الأكراد في تلك المنطقة، وتجد في نفسها الاستقلالية الكافية لأن تحارب تنظيم الدولة بين الجبال.
المقاتلة الكردية وجمال محاربة الإرهاب
تناول كثير من الإعلام العربي بمختلف منصاته صورة المقاتلات الكرديات بشيء من السطحية، فترى منشورات بعنوان “أحمر الشفاه.. هكذا حاربت الكرديات داعش” أو “لأننا لا نريد أن نواجه الموت ونحن قبيحات”، إلى آخره من التغزل في جمال المقاتلات الكرديات والفخر بالنموذج النسوي المقاتل.
هل هناك أجمل من مقاتلات كرديات يحاربن “الإرهاب” لكي تستمر أمريكا في محاربتها للإرهاب كذلك؟ كان هذا سؤال من الصحفية “نازلي ترزي” المختصة بالشؤون العراقية والكردية، حيث كان رأيها في هذا التقرير على صحيفة “ذا آراب وييكلي” بأن تضخيم صورة المقاتلات الكرديات الجميلات كفيل باستمرار الدعم الأمريكي لتلك التجربة الديموقراطية بالنسبة للأكراد، بل وبتقنين ذلك التدخل أيضًا.
لا يتم تضخيم حالات العنف من تنظيم الدولة الإسلامية للمرأة الكردية، بداية من القتل والاغتصاب والزواج القصري وحالات التشويه الجنسي للفتيات الكرديات بقدر ما يتم تضخيم صورة المرأة البطلة في صفوف تلك المؤسسة العسكرية لحماية والدفاع عن الأكراد.
ماذا عن وضع المرأة الكردية؟
لا يتم تسليط الضوء على ما تتعرض له المرأة الكردية في شمال العراق من اعتداءات على حقوقها الأساسية، فلا يتم تسليط الضوء على مسألة الزواج المبكر والعنف المنزلي وجرائم الشرف، وكذلك انضمامهن للمؤسسات العسكرية بضغط عائلي.
على الرغم من أنه من الممكن أن نجد تغطية عربية ولو قليلة، فإنها تكاد تنعدم في الإعلام الغربي، مع اكتفائه بتصوير المقاتلة الكردية في المقدمة كنموذج لحقوق المرأة المساوية للرجل، ونموذج للمرأة ذات الاستقلالية والحرية الكاملة، لنجد كلمات تصف تلك الحالة في الإعلام الغربي مثل “التجربة الثورية، الديموقراطية، أو التجربة المتطورة.
يبقى التناقض هنا بأن المرأة لا تحصل على أي تنمية فكرية وحياتية في تلك المؤسسات العسكيرة، ليتم إعدادها مقاتلة تتجرد من الصفات الأنثوية وتشارك الرجل مهمة الدفاع عن الأكراد وحماية الشعب، ربما لأنها لن تنال احترامًا وتقديرًا من المجتمع الكردي إلا في تلك الحالة.